لا نعرف بالضبط هذا الإيقاع الذي يمارسه النظام بنوع من التعارض بين القول والعمل أو بين الوعي والممارسة ففي ساحة السبعين ترفع شعارات جمعة التسامح، لكن خطاب الرئيس غير ذلك تماماً، إنه خطاب تهديد ووعيد ينذر بحرب أهلية.
أو لنقل يدعو إليها بيافطة التسامح، وهذا التناقض الحاد قدم النظام على كافة المستويات أنه فاقد المصداقية وأنه يذهب إلى تحشيد وتعبئه المواطنين في اتجاه إقلاق السلم بما يعني أن ساحة السبعين بما ترمز إليه من دلالة وطنية عميقة تحولت إلى مركز يهدد أمن واستقرار الوطن ويدفع إلى الاحتراب الأهلي.
على هذا الأساس لا يستطيع الآخرون التعايش مع هكذا إيقاع نشاز لا يقدر على ضبط النفس ويخرج عن السياق الذي دعا إليه، لذلك تبدو الأمور باتجاه الحسم أقرب وأكثر جدية من دعوة للتسامح يقول فيها الرئيس طرحه إن أحزاب المشترك تخريبية وغير وطنية، وإزاء هذا التخوين وصكوك اللاوطنية التي يمنحها للآخرين تغدو التعددية السياسية مدانة وغير وطنية وهي أحزاب من قطاع طرق وأصحاب سوابق في جمعة سابقة، وبذات السياق يمكن الحوار معها بل ويدعوها تحت أي مظلة. إن هذه اللغة الباهتة والسائبة التي تدين وتحرص وتوافق وتدعو إلى الحوار في آن واحد تكشف عن تخبط حقيقي للنظام وعن اللامصداقية التي يتمتع بها، كما تكشف عن عشوائية في التخاطب مع الآخرين وفي المقدمة التعددية السياسية.. وهنا فقط يمنح أحزاب المشترك القدرة على إنجاز الثورة والتعامل معها كضرورة أمام نظام لا يفقه المعنى السياسي في اتهام الآخرين أنهم خونة، وبين الخيانة والحوار الوطني فجوة كبيرة لا يعقل أن تردم أو أن تحدث التئاماً إن لم تكن تزويد الفعاليات السياسية بمزيد من الأحرار لإسقاط نظام لم يعد قادراً حتى على الانسجام في الموقف الواحد، في الخطبة الواحدة، فثمة تناقض بين الكلمة والأخرى في أقل من جملة، وإذاً لا مبرر مع هذه المواقف المشتتة أن يكون الآخرون أحزب المشترك في سياق الحذر وكيف يتحاورون مع من يدينهم ويعمل على تصعيد المواقف إلى مستويات حرب أهلية، ولا يمكن لمن يقف على هذا التشتت الذهني أن يستخلص موقفاً واضحاً يمكن أن يتعايش معه النظام إلى آخر السطر أو لاستكمال الجملة الواحدة فكيف يمكن أن يكون معه صادقاً في حوار حقيقي يجري للانتقال السلس والسلمي بالسلطة كما يقول.. لا شيء من كل ذلك ينبي عن رؤية واضحة محددة للنظام قدر ما يعبر عن مستويات من الأزمات التي يقع فيها وتبرز في كل جمعة على ساحة السبعين وهو ما أربك معه حتى إعلامه الرسمي والحزبي الذي وجد نفسه بين جملة من التناقضات التي لم يعد قادراً على التعايش معها أو ليبرر لها وتسويقها للمشاهد، بحيث تحول هذا الإعلام إلى معبر عن أزمة في ذات النظام يحاول أن يتوجه بها إلى الآخرين.
ويبدو للمتابع السياسي أن ساحة السبعين لم تكن في كل خطبة تلقى فيها للحشود المناصرة للنظام سوى ساحة دق طبول حرب تحت عناوين تصالح وتسامح وحوار..الخ.
هذه الكلمات التي يقابلها في نفس الوقت أحزاب تخريبية عميلة خائنة قطاع طرق غير وطنية...الخ.
هذا التوجه الإرباكي التأزيمي الغير محدد اللامفهوم لا يمكن أن يندرج بأي حال من الأحوال في السياسة أبداً ما دام وهو رطانة غير مفهومة بالعديد من التناقضات التي تطلق بين كل جملة وأخرى.
مثل هذا لا يسمح للسياسي أن يهادن ولا أن يتابع ولا يقرر ولا للقارئ لهذا الإيقاع النشاز إلا أن يخلص أن النظام فعلاً متأزم على المستوى الذاتي في علاقته حتى مع جماهيره وإعلامه الرسمي والحزبي فكيف أن يتسق مع الآخرين في حوار حقيقي..
الأمر أقرب إلى إقصاء النظام لنفسه بنفسه لصالح الشعب.
المحرر السياسي
التناقض في الخطاب السلطوي 3872