الثورة تحققت لا مراء في ذلك، أنجزت الضروري وفتحت مستقبلاً يستحيل أن يتراجع.. الثورة اليوم رأي العين لا تقبل بالتشكيك في هويتها وانتمائها إلى الحرية والإبداع ولا تقبل مطلقاً أن تعود إلى ذات القمقم السلطوي.. إن ذلك يعني وئد حلم بشري وتآمر على وطن وقهر قوة شبابية هي من صنعت الثورة، ولا يمكن أبداً أن يكون كل هذا من الخيبة لأن الثورة من أول يوم انطلاقتها انبنت على الوفاء للوطن والوفاء لكل من يقدم روحه الاستشهادية من أجل عزة وطن.. الثورة بهذا المعنى تفتح على الحياة بعد عناء طويل من الاستلاب والقهر ومصادرة البشر أحلامهم .
على هذا الأساس الثورة فعل شبابي يكتسب نجاحه الفذ وعبقريته من التلاحم بين مختلف الأطياف السياسية وقد توحدت جميعها لفعل ثوري بعنوان حضاري يعزز ثقافة السلم في مواجهة الكراهية.
نجحت الثورة بقوة إيمان ساحات التغيير وليس بالمفاوضات والكولسة العقيمة وانتظار ما لن يكون إلا إرادة وتصميماً وليس تعسياً وظناً ورجاءً منهكاً يداري العزيمة بالهزيمة ويقبل بالوقوف في نقطة ما بانتظار معجزة تحيل المتبقي حواراً ولا حوار مع نتوءات لم يعدلها مشروعية وبقايا نظام اهتراء وليس له من حضور إلا ما تمنحه أحزاب المشترك من تواجد هلامي له ولولاها لكان قد انتهى تماماً.
وإذاً المتبقي الوهمي من النظام تصنعه هواجس المشترك الذي يريد الثورة على طبق من ذهب تحت ذريعة سلمية حد الضدية للثورة .
ولعل هذا الهجوع المزري لأحزاب المشترك وهي تنتظر الخارج من الأشقاء والأصدقاء يجيز لهم ثورة، إنما يعني البقاء في الفشل والعمل وفق مبادرة أكل منها الدهر وشرب ولم تعد بذات أهمية إلا لدى الحالم ولا يمكن للحالم أن ينجز وعداً صادقاً.
كما أن الثورات عبر التاريخ لم تكن في انتصارها لإنسانها تعير الخارج معنى وأي ثورة تقدم نفسها رهينة مبادرات خارجية هي لا منتمية وهي استسلام، بكل بساطة لا تحقق الهدف الحقيقي إن لم تكن ممالية، مداهنة، قابلة، للتنازل .
وإذاً الثورة فعل إرادة وطنية خالص والبقاء انتظاراً إنما هو منح امتياز للمتبقي من النظام لترتيب أوراقه جيداً والتمترس في وهم القوة ولا قوة إلا للوطن وأبنائه وشبابه وكل مكونات الثورة.
لذلك أي محاولة ترتجي الخارج إنما هي إضافة مقاومة لنظام يحتضر ومحاولة لقهر أحلام شباب التغيير الذين يشكلون اليوم سياج أمان الثورة من أي طارئ خارجي أو داخلي ارتهاني ولا شك أن التضحيات الجسام التي قدمها الثوار لا تقبل النكوس أو النكوص مطلقاً، فدماء الشهداء ليست محل مفاوضات الداخل للخارج وليست محل مزايدات أيضاً ولا تقبل بطول الانتظار لأشقاء أو أصدقاء يقولون كلمتهم لتتحول الثورة إلى استجداء وشحت لا يليق بساحات التغيير وتتحول إلى رهان بين ما تبقى من نظام انتهى وساسة متخاذلين تكشفهم ساحات الحرية والتغيير وتقدمهم نماذج ساذجة تريد الثورة صناعة أجنبية.
والأمر أن هكذا سياسة تكشف عن الفقر الحقيقي لقادة يتخبطون ويزيدون من إنتاج الأزمات باعتبار تأجيل الثورة تحت بند مفاوضات ليس سوى فتح اختلالات لأحداث أزمات، عديدة ولولا هذه المعارضة لكانت الثورة قد استكملت مشروعها ولما كان للمتبقي من نظام فاشل كل هذه الرعونه.
لذلك ليس أمام الساسة المستجدين إلا أن ينجزوا التاريخي إرادة وفعل أو أن يعلنوا صراحة عجزهم ليتركوا للأفذاذ في ساحات الحرية استكمال ثورتهم ولا مناص من ذلك، فقد حصحص الحق وتجلت عظمة الشباب وتكشفت أقنعة من يرجون ثورة مدعومة من الخارج وليس معمدة بدماء الشهداء الخالدين المخلدين.
المحرر السياسي
المتبقي الوهمي من النظام وهواجس المشترك 3811