انتصرت إرادة الجماهير، لا شك في ذلك ولا ريب، لأن منطق الثورات العظيمة هكذا ولم يحدث قط أن تسلطياً انتصر على شعب على مر التاريخ الإنساني، وكان على النظام أن يدرك هذه الحقيقة جيداً منذ وقت مبكر ليختصر مسافة تعب عليه وعلى الوطن ويعفي نفسه مؤنة الاحتراق أمام الأمة بأسرها، لكنها المكابرة التي تفضي إلى الانهيار وتضخم الذات البشرية وقد ارتفعت بفعل المداجنين إلى المستوى الفوطبيعي لتنتج أزمات متتالية تصل بها في نهاية المطاف إلى الاختناق ما لم تعي جيداً أن الجماهير وحدها هي البطل وهي من يفتتح القادم وليس غيرها.
من هذا السياق يغدو الوعي بالراهن مهماً جداً كي يتخلص ما تبقى من أدوات النظام من عقدة الاستيلاء الطيشي والقبض على الزناد، سيما بعد أن وقع رأس النظام على نقل صلاحياته كاملة إلى نائبه.. وإذاً فإن أية حماقة ترتكب بعد هذا التوقيع ستكون عواقبها أشد وأمضى مما سبق، لأنه خرق كبير لمواثيق وتعهدات دولية ولم تعد ذات شأن محلي هنا فإن من يقبضون على الزناد سيجدون أنفسهم في مستوى الندم الحقيقي جراء تهورهم واعتدادهم بالرصاصة في مقابل شعب بأسره، قرر أن ينتصر لنفسه ويستعيد هويته الحضارية المستلبة لزمن غير قصير من قبل نظام تأكد لكل العالم أنه فاشل في إدارة الوطن.
على هذا الأساس كلمة صدق نقولها لمن لازالوا مأسورين بوهم القوة وقوة الوهم أن يرفعوا أصابعهم من القبض على الزناد وأن يتجهوا إلى ما يجب عليهم من احترام لتعهدات شهد على توقيعها العديد من دول العالم وأن يتخلوا عن تأزيم الأوضاع والتحشيد العسكري ورغبة العنف والدم، فكل ذلك لا محالة يؤدي إلى التهلكة والنهاية التي لا يحمد عقباها ومن الخير لمن بقي من النظام أن يستوعب الدرس جيداً وأن يسلك سلوكاً حضارياً رفيعاً، ليثبت ولو قليلاً أنه ينتمي إلى المعنى الجميل لكلمة الإنساني، على الأقل إشفاقاً بحالهم التي ستقع بمواقف المسؤولية الجسيمة لجرائم ضد الإنسانية والتي لن يجد لها حينئذ أي شفيع أو ضامن لهم بما قد يقدمون عليه.
ونؤكد هنا بقوة أن الواقع اليوم غيره بالأمس وبعد التوقيع على المبادرة ليس كما قبلها، بكل تأكيد اليوم نحن أمام رقابة دولية صارمة وتعهدات نظام أن يسلك في الطريق القويم، بل ودعا المجتمع الدولي لأن يكون شاهداً على تنفيذ كامل المبادرة الخليجية وآلياتها، فهل يتبع ما تبقى منه وهم في مواقع عسكرية مهمة ذات السلوك الرشيد؟!، ويتخلوا عن إيديولوجيا القتل والعنف والتأزيم ويعقلوا التاريخ وما يترتب على أي خطة يصدر منهم من عقوبات غير عادية؟! أم سيظلون في ذات العمل الذي أوصل النظام إلى لحظات مريرة وقاسية ما كان أغناه عنها لو أنه انتمى إلى نبض الجماهير وتطلعات الوطن ورفض اللجوء إلى العنف؟!.
سؤالان نلقي بهما على من يقبضون على الزناد في هذا الوقت الحرج، اعتداداً بالقوة الوهم التي تضر بمصالحهم الذاتية والتي لم يجتمع ثوار الساحات حتى اللحظة بترك النظام دونما محاكمة، ولعل ما يزيد الطين بلة القبض على زناد البندقية من قبل المتبقي من النظام والذي يدفع بالساحات الملايينية التي هي صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة إلى المطالبة وبقوة باستكمال الثورة لمشروعها التاريخي الذي انتصرت له وهو مشروع شرعته الجماهير الهادرة وشباب التغيير الذين لولاهم لما انزاح عن كاهل الوطن هذا النظام ولبقي جاثماً على الشعب.
وإذاً فنحن نلقي الضوء على الواقع اليوم واعتمالاته ننبه هؤلاء الانفعاليين والمعتدّين بالزناد ووهم القوة أن عليهم أن يتخلوا عن ذلك، احتراماً للوطن ودرءاً لمصيبة قد تطالهم جميعاً وأن يحمدوا الله على السلامة لأنفسهم، ويتخلوا عن التمترس ضد وطن وإرادة شعب ويخرجون منها بمعافاة بدلاً من الذهاب إلى الحماقة بعد التوقيع على المبادرة وإلى مستوى يقف ضدهم ليس الوطن قاطبة فقط وإنما دول المنطقة والبيت الأممي وحينها لن يفلتوا من العقاب حتماً وسيقعون في شر عنجهيتهم وتخندقهم وسيعلمون حينئذ معنى الاعتداد بوهم القوة ولكن بعد فوات الأوان ويبقى القول هنا ما قاله الشاعر العربي:
نصحتهمو قومي بمنعرج اللواء
فلم يستبن النصح إلا ضحى الغد
ونحن هنا ناصحون ومشفقون أكثر من محذرين والنصيحة الأولى والأخيرة: "تخلوا عن القتل، انتصروا للسلام، ارفعوا أصابعكم عن زناد البندقية، كونوا بشراً أسوياء لأجلكم أنتم إن لم تعيروا الوطن معنى".