كان مشهداً مهيباً ذلك الذي احتضنته عدن في مهرجان الخميس الفائت الذي أحياه عشرات الآلاف من الجنوبيين الثوار الأحرار، المهرجان الذي أفقد التيار الانفصالي صوابه فذهبت مجاميعه المسلحة لإرهاب أصحاب البسطات وقطع الطرقات وإرهاب الناس في شوارع عدن وحاراتها، بعد أن فشلت في منع المحتشدين من الوصول إلى ساحة العروض، وأخفقت في اقتحامها وبث الرعب في جموع المشاركين التي تدفقت لترفع صوتها عالياً، في وجه من يحاولون إخراس عدن والجنوب حتى لا يرتفع صوت غير صوتهم النشاز الناعق بالكراهية والعنف والتطرف والمبشر بالحرب الأهلية الشاملة.
لدينا قواعد لعبة ارتضاها الجميع وأقروا بها الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي والامتناع عن استخدام العنف لفرض الرأي، أو لمنع الرأي الآخر المخالف.
ومن هذه المشروعية تقبل الجميع، الحراك الانفصالي للتعبير عن توجهاته سلمياً حتى وهي تخلط بين الرأي والإرهاب والترويج للكراهية، والتحريض على العنف، وذهبوا لعقد المهرجانات والفعاليات دون أن يعترضهم أحد أو يحرض عليهم أحد في اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
وعندما يخرج آخرون ليعبروا عن رأيهم وتوجهاتهم تقوم الدنيا ولا تقعد.
ويصبح الحق المكفول للرأي استفزازاً غير مقبول للحراك الانفصالي، ويغدو التعبير عن التوجهات السياسية عودة إلى الاستقطابات القديمة، ويصنف النشاط الجماهيري السلمي نقلاً للصراع من صنعاء إلى عدن.
ادعاءات الديمقراطية ومسوح الرهبان عن احترام الرأي الآخر، وحق الناس في التعبير عن آرائهم تتوقف هنا لأنها تقوض ادعاءات الانفصاليين الذين أرهبوا عدن وفرضوا وصايتهم على شوارعها بقوة السلاح.
المشكلة في عدن وحضرموت الآن هي تغول فصيل الحراك الانفصالي المتطرف والمسلح، واندفاعه لإلجام كل صوت آخر لا يتوافق مع نغمته النشاز ونهجه التدميري.
الخميس الماضي حشدوا مجاميعهم للاعتداءات ونشر الفوضى وإرهاب المواطنين، ويوم أمس وصلت الأوضاع إلى ذروتها بإغلاق الشوارع والحارات واقتحام مقرات حزبية وإغلاق المحلات التجارية بالقوة المسلحة وتحديداً استهدفوا البسطات والمحلات التي يملكها مواطنون من المحافظات الشمالية، ومازال الجنون الانفصالي معربداً، وسيفتح الأبواب على مصراعيها لكل الاحتمالات السيئة ما لم تبادر أولاً الدولة إلى القيام بواجباتها كاملة، ويكف السياسيون والأحزاب التي تورطت في التغطية على هذا العنف والتطرف بواسطة خلط الأوراق والتغطيات السمجة التي تتقاعس عن الإقرار بحق الجميع في النشاط السلمي والتعبير عن الرأي، وتخاتل في الخطاب الديماغوجي الذي يسوغ إقصاء الآخر ويميع الحقائق على الأرض بتبرئته للمتطرفين الانفصاليين المسلحين، وإلقاء التهم الكيدية الجزافية على السلطات الأمنية ومحافظ عدن وحزب الإصلاح وتتويج ذلك كله بحملة إعلامية قميئة تستهدف النيل من الرئيس/عبد ربه منصور هادي، بالعناوين الصاخبة عن عيد الجلوس "الذي لم يعرفه اليمنييون إلا مع الزعيم المخلوع " ولا مكان له إلا في رؤوسهم، أما الثوار الأحرار في عدن ومعهم ملايين اليمنيين في كافة مدن اليمن وحواضرها فقد احتفلوا بالتغيير ونقل السلطة وتجنيب بلدهم الحرب الأهلية والدمار الذي لوح به حينها مجانين السلطة قبل أن تجبرهم الجماهير الثورية على الخضوع لإرادة الشعب والتسليم بحتمية التغيير والتواري بعيداً.
هذه الحملات مسمومة المحتوى، وفاسدة الدوافع، ومكشوفة الأدوات، لا تقل عن الداعين للعنف في عدن وحضرموت، وهي جزء من هذا التحريض والإرهاب والفوضى واقتحام المقرات وإغلاق المحلات والتعبئة العنصرية ضد الجنوبيين المخالفين للحراك الانفصالي في التوجهات وضد الباعة والعمال وأصحاب المحلات الشماليين في عدن وحضرموت، وسوف يتحمل هؤلاء المحرضون المسؤولية عن هذا الدفع باتجاه تأييد رفض الرأي الآخر وإخراسه بالعنف والإرهاب.
وهذا التأجيج ونشر الفوضى والعنف هو الذي يقوض السلم الأهلي ويعرقل الحوار والتسوية السياسية، أما من يلتزم بالتعبير السلمي عن رأيه وتوجهاته فهذا حق مشروع كفله الدستور والقانون والمواثيق الوطنية والدولية والشرائع والأديان كافة.
رفع علم الجمهورية اليمنية وصور الرئيس/عبد ربه منصور هادي والمناداة بحل القضية الجنوبية في إطار وحدة اليمن وأمنه واستقراره ليس جريمة حتى يخرج المتنطعون لاعتبارها سبباً في عنف الحراك التابع لعلي سالم البيض واعتداءاته وإرهابه.
وكان على هؤلاء التماسيح المتباكين على عدن والحراك أن يستروا عورتهم بالاعتراف للجنوبيين الذين عبروا عن أنفسهم في مهرجان عدن يوم الخميس الموافق ٢١ فبراير، يعترفوا لهم بحقهم في الاحتفال وإقامة فعاليتهم السلمية دون إرهاب الحراك الانفصالي، وعلى الأقل أسوة به في معيار الحق بالتعبير.
الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير في عدن وحضرموت مقتصرة عند تماسيح السياسة وأبواق الصحافة المأجورة على الحراك الانفصالي الذي يخرج في مهرجاناته رافعاً علم الشطر الجنوبي سابقاً وصور الحالم بالرئاسة من بوابة شرعية إعلان الانفصال في مايو ٩٤، ويقيمون مهرجاناتهم ويفعلون ما يحلو لهم من أجل فرض التجزئة بالقوة والإرهاب، وهو ما يحضرون له وصولاً إلى أوهامهم بإسقاط المديريات والمحافظات الجنوبية في ذكرى إعلان الانفصال الذي حدده البيض كنقطة صفر لخطته التخريبية الشاملة في المحافظات الجنوبية بدعم غير محدود من إيران.
على جميع الأطراف تقع مسؤولية الالتزام بقواعد اللعبة السياسية ومحددات التسوية السياسية والحقوق المكفولة للجميع للتعبير عن رأيهم ونشاطهم السياسي السلمي، لأن المعايير المختلة التي يتبناها البعض لن تخدم أحداً وفقط ستفتح الباب للفوضى والانفلات والعنف.
////////////////////////
المحرر السياسي
مخاطر العنف الأهوج لأتباع البيض 3887