ما تقدمه الحكومة اليوم من تنازلات تمس صميم السيادة الوطنية، وتصيب القرار السياسي في مقتل. يكشف أننا أمام مستقبل لاينبني وفق توجه وطني حقيقي، وأن الإملاءات على هذه الحكومة قوية ونافذه وليس لها قرار يعبر عن إرادة وطنية صادقة، بما يعني أننا نواجه تحديات جسيمة، أهمها البعد السيادي المفقود تماماً.
لقد كنا نعيب على الرئيس هادي تنازلاته التي لم تكن تقف عند حد، وأنه جعل من الدولة فارغة المعنى، وأن التدخلات أرهقت العمل الوطني وجعلته متعثراً بل ومنهزماً أمام الحوثي في أحايين كثيرة، لولا صمود الأبطال في الميادين وصبرهم على الشدائد.
اليوم مايُقدم من تنازلات أخطر بكثير مما كان في عهد الرئيس هادي، ويبدو جلياً أن هذه التنازلات عن المقدس الوطني تمنح هادي صك غفران وبراءة من أي تهمة بالخيانة الوطنية، وأنه كان مكرهاً على ما أحدثه من نتوءات في مسار العمل النضالي والمقاومة المسلحة.
الدولة اليوم نجدها فاقدة المحتوى،وهي ترجمة للهزيل، تفتقد معنى العمل السيادي، تتنازل بلاهوادة فيما يمس العمق الوطني. لانقول هذا الكلام جزافاً أو تجنياً، إنما هو نابع من واقع، وإلا ماذا يعني تمكين الحوثي من إصدار جوازات باسم الجمهورية اليمنية والاعتراف بها.؟ أليس هذا تنازلاً خطيراً عن السيادة الوطنية؟! ومنحها جائزة للحوثي يشتغل بما يعبر عن وجوده السياسي وعن دولة يقيمها على أنقاض تنازلات بشعة.
إصدار الجواز اليمني من قِبل الانقلابيين، يعني اعترافاً صريحاً وليس مضمراً بدولة ذات سيادة وعلاقات خارجية, واعترافاً خطيراً له ككيان سياسي ماكان أن يصل إليه لولا هذه الحكومة الرشيدة وثمانيتهم زبانية إفقاد الدولة أهم اختصاصاتها ومايعبر عنها داخلياً وخارجياً. ودعونا نقول: الحوثي يسجل أول نصر حقيقي ببركة الثمانية البررة والذين كشفوا عن أنهم مجردين كسابقيهم من القرار والإرادة وليس لهم من الأمر شيء، سوى التوقيع على ما يريد التحالف ومزيد من تنازلات سيئة.
ياهؤلاء الثمانية في عهد هادي لم نصل إلى تمكين الحوثي من إصدار الجواز باسم الجمهورية اليمنية، ولم تقدم تنازلات خطيرة كهذه، بغض النظر عن وفرة السلبيات لديه. لكنكم أنتم من فعلها وأنتم المدانون بلاريب. والحقيقة أن مايحدث اليوم من استلاب للقرار السيادي والسياسي، والمضي في طاعة الثمانية للتحالف طاعة عمياء إنما يقدم معنى واحداً, أننا مقبلون على فشل في استرداد صنعاء على الأقل مع هذه الحكومة.. نقول ذلك ونحن نرى ما حدث من تراجعات خطيرة، فبعد أن كانت قوى المقاومة قاب قوسين أو أدنى من السيطرة الكاملة على الحديدة، وجدنا العكس من ذلك تسليم الحديدة بكاملها للحوثي، وكأنما التضحيات الجسام والدماء والدموع ليس لها معنى، ولايكترث لها أصحاب القرار. والواقع أن مسار العمل الوطني قد تعرض لمؤامرات خطيرة ونالته سهام التحالف قبل الحوثي.. أوَلَم يمكن الانقلابيون في عدن من السيطرة على مدينة عدن والتوسع جنوباً، في حين كان الاتجاه أو مايفترض أن يكون هو نحو صنعاء. غير أن الأمور تجري وفق رغبات من يريد بالوطن شراً، ويراه منهاراً بذات القوى السلطوية.
إننا نحذر اليوم مما يجري من تنازلات رهيبة ترسخ دولة الانقلابيين في الشمال والجنوب على حساب القضية الوطنية ودماء الشهداء الأحرار، بما يعني أن ثمة قادم مفجع، وأن التدخلات الخارجية باتت قوية، وتفقد الدولة وجودها وتواجدها تماماً، بل وتشتغل لصالح أطماع خارجية بفعل تهميش القرار الوطني المستقل ومحاصرته والإجهاز عليه، وهو أمر بالغ الخطورة مالم يستيقظ مجلس الثمانية البررة ويعبرون عن انتماءهم إلى اليمن أرضاً وإنساناً.
لقد كنا نستبشر خيراً بالعليمي ومن معه في أن ثمة تحولات مهمة لصالح الوطن قادمة. حتى رأينا مانخشاه ومس الوطن الضر من قرار تمكين الحوثي إصدار الجوازات. وإذاً ماهي الدولة إن لم تكن اعتراف خارجي وعمل مستقل داخلي وعلاقات خارجية تعبر عن مصالح مشتركة وليس انصياعاً كاملاً للتدخلات؟!.. الواقع أننا نرى مانكره بفعل هذه التنازلات..
ذات زمن كان لنا حديث مع الرئيس رشاد العليمي وكان له مواقف واضحة من اتفاق الرياض وقوية وجريئة وذات مصداقية, واحترمناه كثيراً لهذا الوعي المتقدم والحرص الوطني الذي مازلنا نؤمّل فيه خيراً رغم ما رأيناه اليوم من فعل يظهر عكس قناعاته وتقدمه أن يكون مجرد هامش على المتن، ورئيس بلا قرار أو سيادة وطنية, وهذا أمر مؤسف أن يقبل به الرئيس رشاد العليمي.
وختاماً نقول وبالصوت العالي: كفى تنازلات تمنح المليشيات صكوكاً من الغفران وانتصارات مستلبة سياسياً بعد أن فشلت عسكرياً.
ونقول: لسنا مع انخراط العقد مع التحالف لكننا مع تبادل المصالح في معركة مصيرية فرضتها إيران الفارسية مهددة وجودية الدولة اليمنية والسعودية على حد سواء. وإن المكاسب التي تجنى على أنقاض أوجاع اليمن لصالح الشريك والحليف في المعركة ليست مكاسب بل هزيمة مؤجلة وانتقال بالمعركة من المربع اليمني إلى المربع السعودي.
وهذا مالا نرجو حدوثه ولا نتمناه, فنحن نؤمن يقيناً أن أمن المملكة ووحدة أراضيها ضرورة ومصلحة يمنية خالصة, ويقيناً أن العكس كذلك صحيح إن كنتم تعقلون.