كيف لعاقل أن يُصدّق أن التحالف حريصٌ على إعادة الشرعية واستعادة الوطن اليمني وإنهاء الانقلاب!!.. وثمّة مفارقات كبيرة وهوّة تفصل بين الواقع والطموح، وبين المعلَن كمحددات، والمسكوت عنه بتموضعاته.
الواقع أن الانقلاب تشظى إلى عدة انقلابات، والمليشيا صارت مليشيات عدة، والشرعية تحولت من رأس واحد، وقرار موحد، إلى شرعيات برؤوس عدة، قرارات عدة، تجمعها الملشنة وتفرقها مهام مختلفة.
كان لدينا رئيس جمهورية واحد منتخب، صار لدينا ثمان زعامات، كل زعيم أجندته تختلف عن الآخر، عيدروس الزبيدي غير العليمي رشاد، غير طارق عفاش، المختلف عن الزبيدي، وهكذا سلسلة من التبعية والإذعان والارتهان خارج المعلن عنه والمحدد، وهو إنهاء الانقلاب في شمال الوطن، لنجد أننا أمام انقلابات في جنوب الوطن عبر الانتقالي وما يتأسس الآن باسم ألوية بأسماء وجميعها خارج مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. ولها وظائفها الخاصة بها الأمر الذي يزيد من تعميق الهوة بين الواقع ومآلاته المرعبة، ليبقى الطموح في استعادة شرعية متلاشٍ حتى أنه يكاد ينعدم بفعل التجاذبات المليشاوية من الشمال إلى الجنوب إلى الوسط. كأننا أمام معارك لهوامش أخرى، وقضايا ليست قضايانا مطلقاَ، بهندسة التحالف الذي رأيناه منقذاً للوطن ولمنطقة الجزيرة العربية أو هكذا ظننا فيه خيراً، فتحول بأجندته الخاصة إلى قاهر وطني ولما نريد ونسعى من أجله، ليبقى وطننا في مهب ريح المليشيات المناوئة للشرعية ومؤسساتها والتي ترتهن إلى الخارج بمشروعه اللاوطني .
وإن المرء ليستغرب كيف انساق التحالف إلى طريق حتماً يعود وبالاً عليه، ويشكل طريقاً محفوفاً بالمخاطر يوشك أن يأتي أُكله في النيل من دول التحالف ذاتها التي تشتغل ضد نفسها كدول لصالح التمدد الفارسي.!! في مغامرة لا تنحصر في تهديد أمنها القومي بل تهدد وجودها.
وهنا يزداد المرء حيرةً وهو يقلّب أفكاره ولا يرى في الأفق ما يعبر عن بصيص أمل إلا ما يتوافق مع المشروع الفارسي في المنطقة، وتعميق الهزيمة لليمن أرضاً وإنساناً، وما يستتبع ذلك من متغيرات تعود ببالغ الضرر على دول التحالف ذاتها والشقيقة السعودية تحديداً..
وإذاً هل تشتغل هذه الدول على هزيمتها؟
وما معنى خلق مليشيات أخرى إلى جانب الانقلابيين الحوثة؟
وكيف للشرعية أن تعود من بوابة الفرقة والانقسام والمشاريع المختلفة؟ ومن رأس واحد إلى عدة رؤوس، ومن قضية إلى عدة قضايا، ومن حوار كان يفترض من أجل السلام وفق مبادئ محددة، إلى تنازلات لا آخر لها، ومن مهام محددة وقرار أممي وإجماع دولي، إلى غياب معلن للدولة وبحث عن فتح طريق تعز فقط!!. لتغيب القضية الوطنية كلها في زحمة مشاريع ثانوية الكل يراها تخصه على حساب قضية القضايا (الوطن )، الذي بات في تجاذبات لا تنتهي بين شرعية (مفلوخة) تحكمها مليشات، ونوازع تحالف له انحرافاته من استعادة الدولة اليمنية إلى الإجهاز على الدولة اليمنية وإفقار الوطن وإفقاده السيادة والاستقلال لتتحقق مشاريع أخرى في السيطرة على موانئ وجزر يمنية. كان بإمكان التحالف أن يتحصل عليها وفق تناغم المصالح المشتركة وتبادل المنافع بين دول المنطقة، ولن ينكر اليمانيون للتحالف دوره إن كان صدق في نواياه واستقام في تحقيق الأهداف .
لكن ما بات واضحاً من خلال تعامل التحالف غير المسؤول مع الشرعية الدستورية التي أذلها وأفشلها وعمل على إضعافها، ليأتي ببديل لها يستكمل ما نقص من مشروع التحالف القائم على تردي الأوضاع الداخلية، وتشظي الوطن، والاشتغال على زراعة مليشيات مرتهنة بزعامات متفرقة قابلة للاحتراب المؤدي إلى تسييد مليشيا الشمال (الحوثي)، وكأن ما يجري هو من أجل تجذيره ليصير واقعاَ لا مناص منه مقابل شرعية مفخخة وعاجزة عن الفعل وتحقيق الإرادة الوطنية، ومجرد ديكور سيئ لمخرج رديء.
الأولى إذاً - والحال كذلك - أن تتكشف أبعاد المؤامرة وأن تخطو بقايا الشرعية المتشظية إن وجدت في اتجاه تحقيق قدر متواضع من المسؤولية الوطنية، برفض أي توجه يجر إلى خيانة وطنية وعمالة وارتزاق وإعلان ذلك بوضوح وذلك أضعف الإيمان.
الوطن اليوم على شفا جرف هار، كل يريده غنيمة له، يقضم منه ما استطاع في مقابل قرار وسيادة وطنية غائبة، بإمكانها أن تكشف عن البعد الخطير في المسألة التي أخذت القضية الوطنية منحى بعيداً، وانتقلت بها من انقلاب في الشمال إلى انقلاب في الجنوب، ومن مليشيا حوثية إلى عدة ميلشيات في الجنوب والساحل التهامي وما بعده، ليتعثر حلم وتغيب حقيقة، وتبرز نتوءات عدة، وتتزاحم الأهواء والرغبات، ويتجذر الانفصال بأبعاده الخطيرة وما سيجر على دول المنطقة من هزائم مرة وتحديات لا قبل لها في مواجهتها. بفعل ما أقدمت عليه من حماقات بائسة استهدفت وطناً كان قابلاً لأن يكون صمام أمان لها فحولته إلى صاعق تفجير على كل دول التحالف. وعلى المملكة حصراً وفقاً لأهداف الثورة الإيرانية التي باتت تنظر لها عمائم طهران أنها قاب قوسين من التحول من حلم للخميني إلى واقع لخامنئي.
وإنا لنرى ذلك قاب قوسين أو أدنى في وطن الأبطال والمناضلين أن لابد من صرخة نطلقها علَّ ثمة حافز لضمير وطني ينهض ليحقق إرادة شعب ويوقف تداعيات مرعبة عبر موقف حازم ووفق محددات وطنية يتوافق عليها جميع الفرقاء «شمالا وجنوباً» تهدف إلى صياغة وثيقة عهد لما بعد النصر الناجز «هزيمة إيران ومليشياتها» يتفق عليها الجميع ويلتف حولها الفرقاء. وذلك أمر بات ضرورياً للخروج من فوضى الرغبات والأهواء والنزاعات التي ترسخ مداميك المشروع الفارسي شمال الوطن .
أيضاً العمل على خلق قواسم مشتركة مع التحالف وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية بما يكفل لها مصالحها وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار وهو ما يخلق مناخات وئام لتصحيح طريق التحرير الشامل لوطن نريده.