التعليم قطب الرحى في عملية النهوض الحضاري الشامل، وهو المداك الأقوى لحيازة المستقبل. منه تنطلق الحياة وفق رؤية منهجية واقتدار فذ لتجاوز معوقات العملية التنموية والبناء على أسس علمية وموضوعية .
كل هذا متى ما كان التعليم قوياً يواكب التطورات المعاصرة وفق معايير علمية ومنهجية، تتواءم مع تطلعات الوطن في العملية التنموية الشاملة. هذا يعني أنه مبني على خطط وبرامج ومنهجية علمية ودراسات تقف على ما ينبغي القيام به وفق أولويات تقتضيها مرحلة العمل الوطني .
التعليم العالي إذاً ليس ارتجالاً وخبط عشواء ومدارة ومجاملات واشتغال على السلبي الذي يقف حاجزاً قوياً في إنجاز مهام وطنية وغايات شريفة وفق قيم ومبادئ ترسخت بفعل تضحيات قدمها الشرفاء من أبناء الوطن اليمني ..
وإذاً فإن نهوض أي أمة هو بمدى قوة التعليم فيها، واحترام مؤسساته الأكاديمية وعدم تجاوز النظام والقانون، وتطبيق معايير علمية صارمة. هذا ما ينبغي عمله وفي بلادنا للأسف الشديد لا نجد شيئاً من هذا مطلقاً .
فكل جامعاتنا الحكومية وحتى الأهلية ارتجال وعشوائية ومخرجاتها لا تفي بشيء ولا تقدم شيئاً يستحق الإشارة إليه. لأنها ببساطة خارج معايير العلمية والمنهجية. لذلك مخرجات التعليم ضعيفة، ولا تلبي حاجيات البلاد بفعل لامبالاة القائمين على التعليم العالي وفي المقدمة الوزير المحترم الذي يدير ظهره عما هو مطلوب لتعليم بمستوى عال .
للأسف الشديد وزارة التعليم العالي تخلت عن مهامها كوزارة ترتقي بالمستوى الأكاديمي وتجاوزت الموضوعي والعلمي، لتقوم بمهام ومسؤوليات أخرى تعرقل العملية التعليمية ..
وإلا ماذا يعني جعل التعليم العالي خاضعا للمداراة والمجاملات ولأصحاب النفوذ وللتجاوزات.؟
ماذا يعني أن تقدم تعليماً بلا رؤية أو منهجية أو وفق خطة تعليمية شاملة قائمة على سد حاجيات البلاد في جوانب العملية التنموية الشاملة؟
المؤلم أن وزارة التعليم العالي لا نجدها عملت شيء يستحق ذكره، أكثر من حرصها على مداراة أصحاب النفوذ وتلك من ثالثة الأثافي أن تجد التعليم أشبه بالعملة المضروبة، يقدم شهادات فقط ليست بذات مستوى، أو أن الحائزين عليها سينفعون الوطن ويسهمون في البناء والتنمية. التعليم العالي وعلى وجه الخصوص في هذه المرحلة التي تعتبر التعليم ضرورة وطنية لا يقدم شيئا ذو جدوى. بل أنه يشهد انحداراً غير مسبوق ويكاد يكون انهياراً شاملاً في العملية التعليمية بقيادة وزارة التعليم العالي، هذه الوزارة التي لا تلقي بالاً لما أُنشئت من أجله، وكأنها غير معنية بذلك .
لا عجب والحال هكذا أن يسود التعليم العشوائية والمجاملات ويتدخل فيه أصحاب النفوذ والهيمنة، وتبقى الجهة المعنية مجرد ديكور وديكور سيئ لتعليم يعاني من تصدع وانزلاقات خطيرة تسهم في انتصار القوى الظلامية، وتساعد الحوثية على تحقيق أهدافها في نشر الجهل وإفشال التعليم .
لقد سئل ذات يوم وزير توزيع القوى العاملة في الاتحاد السوفيتي بعد انهياره. لقد كنت تشتغل مع الأعداء سنينا طويلة ومع ذلك لم يتم اكتشافك ما هو السبب؟
أجاب كنت أوزع الخريجين من الجامعات وأصحاب الاختصاصات في غير مجالهم مثل الطبيب أوزعه على وزارة الري وهكذا، ما أشبه تعليمنا والجهة المعنية بهذا الأمر، وهي تعرقل العملية التعليمية ولا تخضعها للفحص والاختبار وللكفاءة والقدرة والتميز. الجهة المختصة لديها مهام أخرى غير التعليم وهي كيف تكسب أصحاب النفوذ وتداريهم وتمنحهم وأبناؤهم امتيازات ليبقوا راضين على المسؤولين فيها (ويا دار ما دخلك شر).
أمر محير ومؤلم أن تجد الجهة المختصة للتعليم العالي في واد آخر ليبقى كل شيء منهاراً بفعل غياب الرؤية العلمية والموضوعية للوزارة، وتخليها عن الحزم والصرامة المنهجية والعلمية الذي يبقي التعليم في مستوى جيد لتستبدله بغياب المساءلة عن التقصير لأي كان في الجامعات وغياب الإشراف المباشر والقوي وعدم اتخاذ الإجراءات لتعليم متميز وقوي يعير معنى للطلاب المتوفقين ويمنحهم أحقية المنح الدراسية لاستكمال تخصصاتهم . وهو ما لا نجده .
والمتتبع لهذه الوزارة يجد أن مئات المنح على سبيل المثال هي أشبه بهدايا ومنافع لأصحاب الوجاهات والنفوذ على حساب طلابنا المتميزين. هذا عمل لا يجعلنا نحترم القائمين عليه ونصرخ في وجه المعنيين. أوقفوا هذه المهزلة، احترموا الإبداع والمبدعين والطلاب المتميزين، وفروا لهم المنح التي يستحقونها، كفاية محاباة ومجاملات على حساب التعليم الذي نرجوه ونتمنى له العلو والرفعة لما يعنيه بالنسبة للتطور والنهوض في بلادنا .
ولعل نداءنا هذا نابع مما نجده وفق وثائق بين أيدينا تؤكد أن التعليم العالي صار فاشلاً، ترسخت فيه القيم السلبية وعدم الاهتمام لا بالدكاترة الأكاديميين المتميزين ولا بالطلاب المتوفقين وصار كل شيء فيه ينذر بالفاجعة، فلم تعد تحترم شهادات الكثير من الجامعات الحكومية والأهلية، ولا يعتد بها ولا تقبل في جامعات أخرى بسبب تفشي للفساد وأنه صار العنوان الأبرز لحقل التعليم العالي، وشكوى الأكاديميين من التدهور لصروحهم العلمية تزداد، وصراخهم يعلوا وما من مجيب للأسف الشديد .
كأن ثمَّة قصدية في خلق تعليم ركيك وإفشاله وجعله مجرد شهادة بلا قيمة علمية أو معرفية .
وفي كل الأحوال مشاكل التعليم العالي لا تقف عند حد معين فحتى الطلاب المبتعثين في تخصصاتهم العلمية تنقطع رواتبهم ويعانون الأمرين بفعل غياب المسؤولية في هذا الجانب بما يعود بالضرر على الطالب المجتهد .
هذا التردي المخيف والمخيب للآمال يزداد في الآونة الأخيرة حتى كاد الفشل أن يكون عنوانا للجهة المختصة. التي لا تلقي بالاً للمتفوقين من الطلاب ومن أبناء الشهداء الذين من حقهم وواجب على الدولة توفير منح دراسية لهم دون من أو أذى وإنما حق من حقوقهم ..
المتتبع لهذه المسألة يجد أن منح أبناء الشهداء كطلاب متفوقين قد أعطيت لأبناء المسؤولين النافذين مدارة لهم ومجاملات على حساب وطن وشهداء ودماء وتضحيات، وتلك من القضايا المرعبة التي لو وقفنا عليها لوجدنا ما يدمي الفؤاد بفعل لامبالاة وزارة التعليم العالي .
لكنها سُوْء الإدارة والبحث عن مكاسب ذاتية تبقيهم على الكراسي الدوارة، وإن تم تجاهل أبرز الطلاب المتفوقين وأحقية أبناء الشهداء على منحهم الدراسية .
الأمر إذاً هو استعداء وطن ومستقبل وإجهاز كامل على معركتنا في مجالات البناء والتطور. كما أن هذا يشكل رافداً قوياً للحوثية يعزز نفوذها في خلق مناخات تصحر فكري وثقافي وتدجيل على الأجيال وهزيمة التعليم عماد النهوض، وذلك ما تسعى وتهدف إليه الحوثية كخطة من خطط انتصارها للجهل لتبقى الذاكرة الوطنية مثقوبة والفساد مستشريا ويغيب العلمي والموضوعي الممنهج في مسار البناء وفي الأخير نقول لقد حولتم الوزارة من وزارة التعليم العالي إلى وزارة " الكذب " العالي بامتياز.
والله حسبنا ونعم الوكيل