كانت وماتزال الطائفية هي مدخل إسرائيل في تمزيق الشعوب وتفتيتها، وإدخالها في صراعات لا تنتهي لتستثمر هذا الصراع في صناعة أدوات لها، تحركهم في الاتجاه الذي يخدم توسعها الاستيطاني والهيمنة على العرب واستلابهم حق الكرامة والحرية، وحق اتخاذ القرار السيادي وتحويلهم إلى أمةٍ خانعة ذليلة عاجزة عن اتخاذ الموقف المعبر عن إرادة الأمة حيال العديد من القضايا، وفي المقدمة من ذلك القضية الفلسطينية.
ولعل اشتغال ما يسمى محور المقاومة بشعارات تحرير فلسطين، واسترداد القدس السليبة، والتغني بالشعارات وصناعة هالة كبرى على هذا المحور الذي صنع طائفياً في خاصرة الأمة، وأفقدها اتزانها وقدرتها على الفعل التحرري، ليبقى محور المقاومة بديلًا عن أمة ولكنه مجرد ورقة تهديد ووعيد لإسرائيل، التي تدرك جيدًا أنه من قدم لها الخدمة الكبيرة في تشظي الأمة العربية وخلخلة كيانها، وإدخالها في نزاعات هامشية أفقدتها بوصلة النضال التحرري، والدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وجود.
والواقع أن محور المقاومة بشعاراته الطنانة وراياته الغزيرة، وخطاباته التي لا تكل ولا تمل من التهديد بمحو إسرائيل من الوجود. قد اشتغل على تقاسيم هذا الوتر ليزيح القوى الحقيقية المتطلعة إلى مواجهة إسرائيل ككيان صهيوني عنصري احتلالي.
في هذا السياق المر قدمت إيران الدعم النشط من السلاح لما يسمى محور المقاومة، ولكن ليس من أجل محو إسرائيل من الوجود، بل من أجل الفوضى داخل الأوطان العربية وصناعة مليشيات ضد القرار الوطني السيادي، وبعناوين برّاقة وزائفة تدعي الموت لإسرائيل، في حين أنها تمارس القهر والإذلال والفوضى واستلاب الأوطان قدرتها على النهوض بفعل سلاح ما يسمى المقاومة النشط في استعداء الداخل القطري.
نرى هذا في لبنان وما يعانيه من انقسام وفوضى وتردي اقتصادي وانقسامات طائفية. كما نراه في اليمن والعراق وسوريا ولولا هذه المقاومة لتطلعات الشعوب، لما وقعت الأمة في بركة مليئة بالأحقاد والانقسامات والإرهاب، ليتساوق في هذا المضمار الكيان الصهيوني وإيران في خلخلة النسيج الاجتماعي للشعوب العربية، والتدخلات السافرة في صناعة القرارات السيادية للأقطار العربية، وخلق عداوات بين الدول المتجاورة. وكل ذلك ببركة ما يسمى المقاومة.
لعل ما نراه اليوم من مواقف حزب الله السافرة في حق لبنان وتخليه الكامل عن شعاره الموت لإسرائيل، وحديثه عن محو إسرائيل من الوجود، واعترافه الخطير بحدود إسرائيل البحرية مع لبنان، وتقاسم الثروات من الغاز والبترول بين البلدين بالباطل. هو أحد أهم مفترق طرق لتعزيز قدرات إسرائيل أولاً، والاعتراف بها كوجود وكدولة وكمحتل له كامل الأحقية في القضاء على القضية الفلسطينية ثانياً، وهو اعتراف أيضاً بإسرائيل وحقها في نهب ثروات لبنان، كما هو أيضاً إنكار للدولة الفلسطينية للخارطة التاريخية لدولة فلسطين.
إنه تآمر بشع لا نظير له في تاريخ المؤامرات.
بهذا ندرك لماذا غرست إيران خنجرًا في خاصرة الأمة باسم المقاومة؟!
ولماذا تبنت إيران وإسرائيل في وقت واحد مسألة زراعة الطائفية في العديد من الأقطار العربية!!..
الواقع أن اعتراف ما يسمى حزب الله بحق إسرائيل في ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، هو اعتراف بهذا الكيان العنصري الاستيطاني، وهو اعتراف محض بحق إسرائيل في نهب ثروات الأمة وطمس للقضية الفلسطينية، ليسقط شعار هذه المقاومة البائسة وأعلامها وبيارقها ومن أجل إنعاش صياغاتها اللعينة التي تدعو إلى الطائفية، وما تحمله من مزاعم كاذبة تكشف عنها الاعتراف بحق إسرائيل في نهب الثروات والاعتراف بها كدولة وحدود ووجود، في مقابل نزع فتيل المقاومة الحقيقية والقضاء عليها، لتبقى إسرائيل وإيران موقفاً واحداً هو هزيمة الأمة العربية ونخرها من الداخل وجعلها مخدرة بشعارات لا معنى لها سوى أنها تدفع بالمواطن العربي إلى التهلكة بصراع داخلي وعربي عربي.
ليبقى للكيان الصهيوني الحضور الأقوى القادر على الهيمنة وإنجاز ما عجز عنه بالحرب والمواجهة مع العرب.
حزب اللات قدم خدمة لإسرائيل والكيان الصهيوني ما كان ليصل إليها أو يقدر على إنجازها عبر الحرب مطلقاً، ولولا هذا المحور الشيطاني المسمى «مقاومة» لما وجدت إسرائيل لنفسها مكاناً في جسد الأمة، ولما اعترف بها أي قطر لكنها مقاومة الشر والمؤامرة من خلقت لهذا الكيان الصهيوني وزنًا، وجعلته قادراً على التبختر والهيمنة من خلال عنصر المقاومة كمليشيا خارجة عن القانون والدولة، صممت للفتنة والإرهاب والفوضى والدمار والنزاعات الداخلية باسم فلسطين ومحو إسرائيل من الوجود.
المؤلم والأشد مرارةً أن لا نرى للتيار القومجي أي وجود يذكر في الاعتراض على هذا البعد الخطير الذي تشتغل عليه مليشيات بصناعة (إيرااسرائيلية.) ولم نجد من المثقفين القوميين والمفكرين من يكشف أبعاد هذا المخطط التأمري الذي يطعن الأمة في قلبها.
وثمَّة مثقفون قادرون على القيام بمهام الكشف عن خطورة المليشيات (الإيرااسرائيلية) ومع ذلك الصمت سيد الموقف. وكأنه لم يعد للقوميين من مجال يعبرون فيه عن إرادتهم التحررية، كأن الصهيونية قد أدخلتهم في عباءتها ليصير القومجي مجرد تابع خانع ذليل للقوى التي ترشيه على الصمت، وهو صمت لا يقل في مستواه عن المؤامرة التي تنجزها المقاومة الكاذبة..
وإذاً فإن ثمَّة تداخلات غريبة طرأت على جسد الأمة تمثلت في التساوق الإيراني الصهيوني في صناعة مليشيات داخل الأقطار بشعارات كاذبة، وشراء ذمم القومجيين وإدخالهم في قوقعة الصمت حيال ما يجري من تخادم بين المليشيا المسماة مقاومة والكيان الصهيوني. لتبقى القضية الفلسطينية تعيش أزمة متعددة الأوجه وخانقة لها وبما يؤدي إلى طمسها. هذا ما نراه على الأقل في الوقت الراهن.
ونؤمن أن ثمَّة قوى نضالية صاعدة ترفض الطائفية وتعي خطورة المليشيات وتخادم الكيان الصهيوني معها، وتعمل بوازع ديني وأخلاقي وضمير وطني وقومي وإنساني على استعادة الحق المغتصب، ولكن ليس قبل نتف ريش المليشيات من جسد الأمة، وتجاوز احتقانات صنعها (الصهيوإيراني) والوعي بالقضية الفلسطينية كقضية وجود وليس حدودًا كما تعمل مقاومة نصر اللات البائسة.