بقلم: سودارسان راغافان ترجمة/ أخبار اليوم
حميد الأحمر ليس عضوا في الحزب الحاكم في اليمن ولا في قواتها العسكرية. وليس له منصب رسمي في حركة المعارضة في البلاد. ولا يمكن أن يدعي سلطة زعيم ديني. إنه لا يمثل أي شي لكنه مجرد مراقب في الانتفاضة الشعبية التي مر عليها سبعة أشهر وهي تطالب الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح.
هو ملياردير وسليل أقوى عائلة قبلية في البلاد ويستخدم أمواله وقوته لفرض دور له في اليمن الجديد.
لقد مول مسيرات الاحتجاج في عشر محافظات بدءا من مكبرات الصوت حتى وسائل النقل. كما أنه يقود عشرات الآلاف من رجال القبائل، يشكل بعضهم وحدة مدججة بالسلاح تقوم بحراسته ليل نهار.
نفوذ قبيلته وفرت له وسائل الوصول والتأثير، والآن توفر له قاعدة للسلطة التي جلبت طاقة جديدة للثورة لكنها في نفس الوقت خلقت مزيدا من العنف والفوضى.
يقول حميد الأحمر، 43 عاما، في مقابلة مع واشنطن بوست في قصره الفخم: "أنا أعيش مع هذه الثورة يوما بيوم وساعة بساعة".
ربما أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط، الروابط بين الأسر الكبيرة المعروفة بالقبيلة تضطلع بدور مركزي في اليمن، البلد الذي تُسير شؤونه مجموعتان متنافستان، قبيلة بكيل وقبيلة حاشد الأكثر قوة. لكن اليمن هي الوحيدة تقريبا في المنطقة التي تمزقها الولاءات القبلية: فالقبائل هي أحد العوامل للإدارة في ليبيا والأردن وسوريا والسعودية وفي مختلف أنحاء منطقة الخليج. وفي بعض الأحيان، تلعب القبائل دورا لا يقل أهمية عن الحكومة والجيش ورجال الدين والمعارضة، مولدين شحنة أخرى غير متوقعة في اضطرابات الربيع العربي.
آل الأحمر يمثلون أرفع نسب في المجتمع القبلي اليمني. كان زعيم قبيلة حاشد والد حميد، الشيخ الراحل عبدالله. وقبيلة صالح أيضا تنتسب إلى قبيلة حاشد. وكان عبدالله الأحمر أيضا رئيس أكبر حزب معارض في اليمن، وهو حزب الإصلاح، كما شغل منصب رئيس مجلس النواب.
والآن الأخ الأكبر لحميد هو زعيم قبيلة حاشد. في اليمن، القبائل تشكل وحدة اجتماعية مركزية، لكن قوتها نمت في السنوات الأخيرة فقط عندما أثبتت الحكومة اليمنية أنها عاجزة عن السيطرة على معظم أنحاء البلاد. ومعظم اليمنيين يعتمدون على قبائلهم في الحصول على الوظائف والخدمات الأخرى.
للمساعدة في الحفاظ على سلطته خلال أكثر من ثلاثة عقود من الحكم، كان صالح يرجع مرارا وتكرارا إلى آل الأحمر، في علاقة تكافلية لا تختلف عن روابطه مع اللواء علي محسن، أقوى قائد عسكري في البلاد.
وفقا لبرقية دبلوماسية كتبها السفير توماس كرايسكي الأمريكي آنذاك في عام 2005 وأصدرتها ويكيليكس، فإن صالح في مقابل تلقيه المساعدة من آل الأحمر وعلي محسن، أعطاهم مجالا واسعا "لإدارة شؤونهم بجيوش ومحاكم غير رسمية وإمبراطوريات اقتصادية" وقدم "رواتب مباشرة من خزانة الدولة إلى القبائل والعسكريين المحيطين بهم".
في أعقاب مقتل 52 متظاهرا برصاص قناصة مواليين لصالح في هذا العام، انشقت قبيلة الأحمر وعلي محسن عن الرئيس وأعلنوا دعمهم للثورة.
مزيج ملتهب
عندما كان حميد الأحمر طفلا، كان يلعب مع أبناء صالح وأبناء أخوته. وعندما وصل إلى مرحلة الثانوية، فتح حميد بأموال أسرته شركة للسياحة. وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة صنعاء ودرس اللغة الإنجليزية في بريطانيا لمدة عامين. كما درس اللغة أيضا في سان فرانسيسكو لمدة أربعة أشهر عندما زار أحد أخوته التسعة وهو صادق، الذي كان يتدرب هناك ليصبح طيارا.
أعماله التجارية تتضمن أكبر شركة في اليمن للهاتف المحمول ووكالات كنتاكي فرايد تشيكن وباسكن روبنز وسلسلة سوبر ماركت وقناة تلفزيونية فضائية مؤثرة تنتقد حكومة صالح.
بالنسبة لأنصاره، فإن حميد يمثل مستقبل اليمن: رجل أعمال شاب منفتح يمتلك قوة الإرادة لتوجيه بلد، مكلبش بالفقر والتطرف الإسلامي، إلى عصر أكثر استقرارا.
لكن بالنسبة لمنتقديه، من ضمنهم العديد من الشباب الذين أوقدوا شرارة الثورة، فحميد هو شهادة حية لقيام السلطة المدعومة من القبيلة بخنق أفقر دولة في الشرق الأوسط.
يقول علي الجرادي، رئيس تحرير صحيفة الأهالي: "هناك جزء من الناس يحبون حميد الأحمر. وهناك آخرون يخافون مما يمثله، فهو من قبيلة الرئيس وهو جزء من النظام القديم".
ورغم ذلك، فبعكس والده، لم يُظهر حميد أي ولاء لصالح. وبوصفه عضوا في البرلمان اليمني منذ عام 1993، فهو زعيم بارز في حزب الإصلاح المعارض. وكان حميد أول من دعا صالح للتنحي في عام 2005، قبل ست سنوات من الانتفاضة التي بدأت هذا العام.
يقول حميد: "أنا لا اكره شخصيا. أنا أكره طريقته في إدارة البلاد "، مضيفا بأنه يجب على أبناء صالح وأبناء أخوته أن يتركوا السلطة أيضا.
نفوذ حميد المتزايد أثار انتباه الدبلوماسيين الأمريكيين. وفقا لبرقية دبلوماسية أخرى كتبها السفير الأمريكي آنذاك ستيفن سيش في أغسطس 2009 وصدرت من ويكيليكس: "لدى حميد الأحمر طموح وثروة وسلطة قبلية غزيرة، وهو مزيج ملتهب في أي مكان خصوصا في اليمن".
تصاعد التوترات
في أحد الأيام في مايو، كان حراس مسلحون فوق سيارات مرتفعة عليها رشاشات يحرسون خارج قصر الأحمر في حي حده الراقي بالعاصمة صنعاء.
طوال فترة الاضطرابات في البلاد، كان هذا القصر مخصص كنوع من الملجئ لقيادات المعارضة السياسية الذين كثيرا ما يترددون على حميد للمشورة، بالرغم أنه كان أصغر سنا من معظمهم.
زعماء المعارضة المعروفة بأحزاب اللقاء المشترك ناقشوا قضايا إستراتيجية وهم يمضغون أوراق القات.
مرتديا ثوبا أبيض اللون وجنبية كبيرة مربوطة بحزام، اعتدل حميد في جلسته بخشونة عندما سألته عما إذا كان هو وزعماء المعارضة ملوثين بالفساد بسبب علاقاتهم الوثيقة سابقا مع صالح.
وقال حميد: "لكي نكون منصفين، من دون أحزاب اللقاء المشترك وبعض هذه الشخصيات، لم يكن بمقدور الثورة أن تصل إلى ما وصلت إليه. فإذا كان بعض الناس لا يقدرون دور بعض القادة، فإنهم لن يقدروا حقوق الآخرين".
تصاعد التوتر بين حميد وصالح في بداية شهر يونيو بعد محاولة اغتيال تعرض لها صالح، التي أجبرته على مغادرة البلاد إلى السعودية حيث يتعافى حاليا من جروح أصيب بها في الهجوم.
بعد الهجوم بقليل، بدأت القوات الحكومية بقصف قصر حميد في حده، موجهين اللوم في الهجوم على آل الأحمر. القذائف ضربت منزل حميد مما أسفر عن مقتل عشرة على الأقل من أنصاره القبليين وجرح أكثر من 30 آخرين.
في اشتباكات شهر يونيو، رجال القبائل المدججون بالسلاح التابعون لحميد وجهوا ضربة للقوات الحكومية، مطلقين النار من الشوارع ومن فوق أسطح المنازل، فسيطروا على أكثر من ستة مباني حكومية ولم يخلوا سيطرتهم عنها إلا بعد أن توسط السعوديون على وقف إطلاق النار.
كما اندلع القتال في مناطق أخرى، منها حي الحصبة في العاصمة، حيث ترعرع حميد في مقر إقامة العائلة الفخم. قبيلة الأحمر نفت أي دور لها في محاولة قتل صالح.
منذ ذلك الحين، سيطر متشددون على أجزاء من جنوب البلاد المضطرب ونائب الرئيس يدير عمله كرئيس تصريف أعمال وأبناء صالح وأبناء أخوته يواصلون ممارسة السلطة في غيابه في الوقت الذي يطول أمد الأزمة.
هذا هو مصيرنا
في حديقة منزل العائلة المدمر في شهر يونيو، أوضح صادق الأحمر أن عائلة آل الأحمر كانت مُنقسمة بسبب مكائد حميد السياسية.
كان أمامه جدار عليها آثار الرصاص والحريق. وداخل المنزل، غطت شظايا الزجاج الأسقف. وعلى واجهته، ظلت صورة كبيرة لوالده سليمة جنبا إلى جنب مع شعار كبير لجنبية العائلة.
منذ اشتباكات يونيو، لم تشارك قبائل الأحمر في أي هجوم ولم يكن لهم دور واسع في الاشتباكات القبلية التي أتلفت أجزاء أخرى من اليمن. لكن الأجواء لا تزال متوترة. في منعطف كل شارع في الحصبة يقوم قبليون لآل الأحمر مدججون بالسلاح بالحراسة، متوقعين بشكل جازم هجوم آخر تنفذه القوات الحكومية.
يقول صادق الأحمر: "إننا نراقب الدولة. هذا هو مصيرنا. حميد ناشط سياسي لكن لا اعتقد انه مهتم بأن يصبح رئيسا ولا أفضل له أن يقوم بذلك. أنت أساسا تحمل عبئا. فلا انصحه بأن يفعل ذلك".
من بين الآخرين الذين غضبوا من الاشتباكات بين القوات الحكومية وقبائل حميد الأحمر هم الناشطين الشباب الذين يخشون من تحويل ثورتهم السلمية المطالبة بالإصلاح إلى صراع على السلطة بين القبائل اليمنية.
يقول رياض الزنداني، أحد الناشطين: "لا أعتبر آل الأحمر جزء من الساحة. فما قاموا به في الحصبة عزلوا به أنفسهم عن ثورتنا السلمية. فإذا نجحت الثورة والرئيس خارج البلاد، فسيتم تسميتها ثورة حميد الأحمر".
يقلل حميد من أن يكون طموحه قيادة اليمن في أحد الأيام. فهو من شمال اليمن وكثيرا ما يقول إن الرئيس المقبل ينبغي أن يكون من الجنوب من أجل الحفاظ على وحدة اليمن.
حتى الآن لم يزر ساحة التغيير، حيث يخيم عشرات الآلاف من الناشطين الشباب منذ شهور للمطالبة بوضع نهاية لحكم صالح. انه يدرك بأنه لن يكون موضع ترحيب.
يقول حميد: "لا أريد أن يقول أحد إن حميد الأحمر جاء ليسيطر على الثورة وإنه يريد أن يجعل نفسه زعيم اليمن".
حميد يدرك تماما قوة تأثير وسائل الإعلام لإحداث التغيير. يقول إنه شارك شخصيا في "توجيه تغطية'' قناته التلفزيونية الفضائية وإنه عمل عن قرب مع قناة الجزيرة الفضائية "لإعداد الكثير من الأمور لهم في الميدان" حتى بعد قرار الحكومة اليمنية حظر الجزيرة من العمل في البلاد.
ويقول حميد إنه يفهم أن جذوره القبلية يمكن اعتبارها عائقا في أي نظام سياسي جديد، لذلك ينبغي أن تكون القبيلة شيء ثانوي أمام الهوية الوطنية في مستقبل اليمن.
وقال حميد: "القبيلة ليست فوق القانون، ولا يمكن أن تكون مصالحها فوق مصلحة الوطن".
هل تريد أن تصبح رئيسا؟
قال حميد وهو مبتسم: "إذا رشحوني واعتقدوا أني الشخص المناسب"، مضيفا "نعم، ولما لا؟".
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
مؤشرات النفوذ القبلي في الصراعات اليمنية 4686