قليلون هم من يعرفون الشاب عبدالغني عبدالله أسعد الصلاحي اليافعي صاحب الـ(19) عاما في عدن تحديدا التي جاء إليها قبل أسبوعين بآمال وتطلعات وطموحات ترتبط بكرة القدم التي يرى أنه يمتلك فيها الموهبة التي تضعه في مسار النجومية، كما قال لي قبل أن تُسلم روحه إلى خالقها بأقل من 12 ساعة.
عبدالغني - يا أعزائي - هو شاب اختارت له الأقدار موعدا في الوقت الذي كان يمني النفس بموعد مختلف رسم ملامحه في مخيلته في منطقته ومسقط رأسه في إحدى قرى لبعوس في يافع.. هذا الشاب جاء إلى عدن برغبة عنونها في اتجاه واحد غير قابل للتبديل وهي (أن يكون لاعبا تلاليا).. لذلك شد الرحال بحثا عن هذا النادي الذي يراه علمه القادم وموقعه ومقره وملعبه.. فجاء إلى كريتر ومنطقة حقات هناك حيث يزاول التلال تدريباته، وكان يقترب من الملعب ليجد طريقه إلى تمارين الفريق الكروي الأحمر.. ويطلب الأذن من الكابتن شرف محفوظ من خلال أحد اللاعبين الذين اختار التواصل معهم قبل قدومه بالتلفون.. وجود عبدالغني في التمارين كان يتخذ مسارا بعيدا عن الرسمية، وكان اللاعب يحضر، ويحاول امتلاك خاصية الصبر بالتمرين ولو باللف حول الملعب كنوع من التحدي والإصرار، وانتظار فرصة كان يرى أنها قادمة، لأنه لم يقطع كل تلك المسافة إلا ليجدها.
عصر يوم الإثنين كنت أنا - بصفتي إداري الفريق - وهو في جلسة دردشة حاولت من خلالها التعرف على ظروفه، ومنطقة سكنه وأشياء أخرى، فكان الشاب لا يعطيني سوى القليل، وكل ما كان يهمه هو أن ينال فرصة التواجد في تمارين التلال.. وحينها قلت له بإمكاني أن أخدمك وأن أمر بك إلى نادي شمسان أو الميناء كونك مازلت صغير والوقت في التلال صعب جدا نتيجة ضغط المباريات، وظروف الفريق التي يعاني فيها في دوري الأولى.. رفض حينها أي حديث في هذا الاتجاه، وقال: "أنا أعشق التلال إلى حد لا يصدق".. وبعد دقائق كان يغادرني ليأتي لي برسالة كتبها بخط يده ووجها إلى الكابتن شرف مفادها (أنه يريد من يأخذ بيده).. وحين قراءتها جمعته بشرف الذي قدم له النصيحة، وقال له: "إن شاء الله يكون لك مكان معنا، لكن الآن مازلت صغيرا، والوقت أمامك بإذن الله تعالى".. ورحب بالكلام وافترقنا.. ولم نكن لا نحن ولا هو يدرك أنه اللقاء الأخير.. وأن أمواج بحر حقات كانت تستعد لتوقف طموح هذا الشاب.. وأن تنهي أيام حياته التي تمنها على ظهر ملعب حقات وليس في عمق بحر حقات.. ساعات مرت وتلفون العزيز شرف يبلغني بأن عبدالغني قد غاب إلى الأبد.. حين عجز عن مقاومة الأمواج العاتية التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون سبب موت هذا الشاب الخجول.
مشهد صعب ومفجع فيه كثير من الآلام والحسرة، بل وتأنيب الضمير.. رحل عبدالغني في مشهد صاعق لكل من عرفه في مدة وجوده في عدن.. رحل تاركا خلفه كل تلك الأمنيات والآمال التي جاء بها من يافع.. رحل دون أن يكمل الـ(20) عاما.
هي الأقدار والمواعيد كتبت عناوينها لتنهي حياة هذا الشاب بهذه الصيغة (عبدالغني والتلال الطموح والبحر والقدر).. صبرا آل الصلاحي.. وليرحمه الله، ويكرم نزله، ويسكنه الجنة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
خالد هيثم
الشاب عبدالغني الصلاحي.. التلال والطموح والبحر والقدر 2766