بقلم: فرانسيسكو مارتن ترجمة/ أخبار اليوم
في 24 أبريل قام روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، بزيارة الرئيس اليمني المنتخب حديثا، عبد ربه منصور هادي (نائب الرئيس والمطيع الرئيسي للرئيس السابق علي عبدالله صالح)
وجاءت هذه الزيارة قبل يومين من غارة جوية استهدفت بنجاح محمد سعيد العمدة، الرابع في قائمة المطلوبين لليمن وكان المسئول عن الشؤون المالية للقاعدة في شبة الجزيرة العربية.
بعد اجتماعه بهادي، قال مولر إن الولايات المتحدة ستواصل دعم الحكومة اليمنية "بكل قوة" في جميع المجالات. وفي 26 ابريل، بعد يومين من زيارة مولر، وافق الرئيس أوباما على طلب وكالة المخابرات المركزية لتوسيع قدرات هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن. هذا التفويض الجديد يسمح لوكالة المخابرات المركزية باستهداف الأفراد حتى من دون معرفة هوياتهم، ومن شأن ذلك السماح بشكل فعال بالقتل على أساس الاشتباه في التصرفات.
وبالرغم من إحداث تغيير كبير في السياسية الداخلية في اليمن منذ يناير 2011، فإن الإستراتيجية الأمريكية هناك مركزة من طرف واحد في القضاء على القاعدة في شبة الجزيرة العربية.
لا يبدو أن تعزيز الديمقراطية وآمال الملايين من اليمنيين الذين أيدوا الثورة ستكون من بين اهتمامات إدارة أوباما في هذا البلد. كان هذا أكثر وضوحا في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا في صنعاء حيث جدد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فيلتمان دعم بلاده لخطة الانتقال السياسي الحالية، التي لا تدعو الى انتخابات إلا في فبراير 2014 وتركت شبكة صالح للمحسوبية سليمة. نجله أحمد علي ما زال يسيطر على قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وهذه الحقيقة تثير قلقا كبيرا بين أعضاء المعارضة المؤيدة للديمقراطية.
منذ بداية المظاهرات ضد نظام الرئيس صالح فشلت الولايات المتحدة بشكل بارز في دعم الحركة الشبابية المؤيدة للديمقراطية، التي تتكون في معظمها من شباب ومستائين والذين تقوم القاعدة بتجنيدهم من دون كلل.
الحركة الشبابية، التي تدعو للديمقراطية والتمثيل الأوسع، هي أفضل أمل ليمن أكثر تسامحا واستقرارا. في أبريل 2011، طلبت الحركة الشبابية علنا دعما أمريكيا، إلا أنه تم تجاهل الطلب. وبدلا من ذلك دعمت الولايات المتحدة مفاوضات مجلس التعاون الخليجي مع النظام القديم، مما أدى إلى سحق أي أمل في ثورة ديمقراطية حقيقية والاستعداء المحتمل للحلفاء المحليين لواشنطن.
وبعد عدة أشهر، نشرت توكل كرمان، إحدى قيادات الحركة الشبابية والحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011، مقالا في صحيفة نيويورك تايمز تطالب الولايات المتحدة دعم الحركة الشبابية في حين توافق صراحة على حق أمريكا في مهاجمة المعاقل الإرهابية.
تخيلوا فقط يمنا بحكومة منتخبة ديمقراطيا تساعد علنا العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب وبدعم شعبي، وهو أبعد ما يكون عن الوضع الحالي.
وللأسف، بعد أن تم تجاهلها من قبل واشنطن ومحاولة تخريبها جراء دعم واشنطن لرموز النظام السابق، لم تعد الحركة الشبابية تسأل عن المساعدة الأمريكية.
فكما قال القيادي في الحركة خالد الآنسي فى أواخر فبراير: "لقد تم طعن هذه الثورة في الظهر".
وبدلا من انتهاج إستراتيجية أفضل، واصل السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين التأكيد على ضرورة عقد حوار وطني غامض في حين يصب الأحكام غير العادلة على المتظاهرين الذين يموتون من أجل جعل اليمن بلدا ديمقراطيا بدلا من بالخنوع للنظام القديم.
وقال فايرستاين في شهر مارس: "لقد أوضحنا بالقول إننا لا نعتقد أن المظاهرات هي التي ستحل مشاكل اليمن. نعتقد أنه يجب حل المشاكل من خلال عملية الحوار والمفاوضات".
هذا هو كلام فارغ في أفضل الأحوال. إن غياب الدعم الأمريكي يعني أن هؤلاء الشباب والشابات، الذين فعليا اطاحوا بصالح ويواصلون الدعوة إلى خلق مؤسسات ديمقراطية، قد فشلوا بدرجة كبيرة في أن يكون لهم صوت في تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة أو أخذ مخاوفهم المشروعة على محمل الجد.
ونتيجة لذلك، القى الناشطون اليمنيون الداعمون للديمقراطية اللوم بشكل كبير على الولايات المتحدة لفشلها في الارتقاء إلى مستوى خطابها، وهي خيبة الأمل التي من المحتمل أن تجعلهم عرضة للتجنيد من قبل قوات أخرى منظمة تنظيما جيدا ضد النظام القائم، وهي جماعات متطرفة مثل القاعدة في شبة الجزيرة العربية والحركات الانفصالية.
من وجهة نظرهم أن التغيير الحقيقي الوحيد في اليمن قد يأتي عن طريق العنف، مثل إقامة منطقة بحكم شبه ذاتي من قبل الحوثيين ونشر الشريعة الإسلامية في مختلف المدن بجنوب اليمن من قبل جماعة أنصار الشريعة.
وفي الوقت نفسه دائما ما تنقل الولايات المتحدة رسالة مفادها إنها مهتمة بدعم الحكومة اليمنية أكثر من تعزيز الديمقراطية اليمنية.
وكان فايرستاين قد انتقد مسيرة مؤيدة للديمقراطية قادمة من تعز إلى صنعاء ووصفها بأنها "استفزازية" خلال مؤتمر صحفى عشية عيد الميلاد 2011. وبعد ذلك بوقت قصير، قُتل 13 متطاهرا يمنيا على يد قوات الأمن الحكومية، لذلك من الصعب تخطئة الكثيرين الذين أفترضوا بأن السفير الأمريكي كان يعطي استباقيا ترخيصا لصالح لاستهداف المدنيين.
بعض اليمنيين كانوا غاضبين جدا من تصريحاته، حيث أنشؤوا صفحة معادية لفايرستاين على الفيسبوك وطالبوا بطرده من البلاد. فايرستاين لم ينفي تصريحاته والسفارة الأمريكية بصنعاء لم ترد على طلباتنا للتعليق على الموضوع.
من خلال عدم الوقوف إلى جانب القيم الديمقراطية التي تتبناها، تخلت الولايات المتحدة عن أكثر السكان شجاعة وعوزا في اليمن: أنهم النساء. فمن دون الدعم الحيوي والشجاع للنساء في جميع أنحاء البلاد، حيث انضمت الآلاف منهن إلى المتظاهرين في المدن الكبرى، فمن المرجح أن الرئيس صالح ظل في السلطة.
في بلاد شهدت استمرار تآكل الحريات الفردية للنساء على مدى العقود القليلة الماضية، وفر الربيع العربي للنساء في اليمن صوتا ومنبرا للمطالبة بحقوقهن كبشر على قدم المساواة.
فبدلا من احتضان هؤلاء الأفراد المذهلين، وهم أفضل الأمثلة في التغيير الحقيقي في الشرق الأوسط، أختارت الولايات المتحدة تجاهلهم، مبطلة مسئوليتها في تقديم المساعدة لأولئك الذين كانوا في أشد الحاجة إلى دعمها، وفي نفس الوقت تدينهم وهم يعيشون القمع في ظل القاعدة في شبة الجزيرة العربية في الجنوب أو السلفيين الممولون من السعودية في الشمال.
وفي المقابل، إذا دعمت الحركة الشبابية، فمن المرحج أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على خلق حسن النية في الناخبين، مما يجعل في نهاية المطاف من السهل على حكومة ذات قاعدة عريضة منتخبة ديمقراطيا استهداف علنيا الأعضاء الأجانب للقاعدة في اليمن.
وبدلا من التكتم حول برنامج الطائرات بدون طيار الذي أصبح يدركه الجميع، مما سمح للجهاديين في اليمن تضخيم الموضوع والإعلان عن أعداد كبيرة من المصابين في صفوف المدنيين، وهذا يذكرنا بأستراتيجية طالبان الباكستانية الناجحة في تشوية صورة الولايات المتحدة، كان بإمكان واشنطن التفاوض علنا على معالم العمل العسكري الأمريكي على الأراضي اليمنية
وبالطبع هناك بعض المخاطر في السياسة التي تعتمد على رفض اليمنيين وجود مقاتلين اجانب في مجتمعهم، لكنها إحدى الأوجة المعززة للشراكة طويلة المدى بين البلدين.
إن أي انتقال ديمقراطي حقيقي، من المرجح أن يترك فراغ في السلطة أكبر من ذلك، يمكن أن يعقد في الواقع علاقة وكالة المخابرات المركزية مع المخابرات اليمنية، الشريك المعتمد عليه في جمع معلومات استخبارية لمكافحة معاقل القاعدة في شبة الجزيرة العربية.
فكيف سيكون المحللون الأمريكيون قادرون على معرفة الفرق بين القبائل اليمنية التي تتآمر ضد الحكومة المركزية وأعضاء القاعدة الذين يكدسون الأسلحة؟ فجدير بالتذكير إن التفويض الجديد يسمح لوكالة المخابرات استهداف الأفراد دون التحقق من هويتهم. وكيف ستكون الولايات المتحدة قادرة على حماية نفسها عند دخول الأطراف في حرب اهلية وهي تعتمد على حكومة مركزية في جمع المعلومات الاستخبارية؟
يبدو أن الولايات المتحدة لم تتعلم شيئا من كارثها الأخيرة عندما تورطت قوات الحرس الجمهوري، المدربة على أيدي أمريكية، في استهداف المدنيين في تعز. وقد اعترف جون برينان، مهندس سياسة مكافحة الارهاب الأمريكية، بأكثر من ذلك، حيث صرح بأن الاضطرابات السياسية في اليمن قد تسببت في تركيز القوات التي دربتها الولايات المتحدة "لأغراض سياسية داخلية خلافا لمهامها ضد القاعدة في شبة الجزيرة العربية".
من أجل التخفيف من التداعيات المحتملة، يجب على الولايات المتحدة أن تطور إستراتيجية أوسع في اليمن لا تتضمن فقط مستوى عال لمكافحة الإرهاب، بل أيضا تأخذ في الاعتبار الأهداف الدبلوماسية والتنموية.
لكن لسوء الحظ، أوكل برينان الجهود الدبلوماسية والتنموية إلى السعودية. فمن جهة لا تبدو هذه فكرة غاية في السوء، فالسعودية قد طورت شبكة رعاية كبيرة مع القبائل في جميع أنحاء البلاد على مدى العقود القليلة الماضية، مما يسهل الالتزام للولايات المتحدة باستهداف القاعدة في شبة الجزيرة العربية. لكنها بالضبط حجة خادعة تغذى نمو فرع القاعدة المحلي وتجعل اليمنيين متطرفين.
لدى الولايات المتحدة عدد من الأهداف طويلة الأجل في اليمن، وجميعها محبطة بسبب المشاركة السعودية.
الولايات المتحدة ترغب في رؤية شعب يمني مستقر وأقل تطرفا حتى يكون أكثر عداءا لأيديولوجية القاعدة. ومن أجل حدوث هذا التغيير الايديولوجي، فإن اليمنيين بحاجة إلى الوصول إلى مستوى جيد من التعليم، بدلا من المدارس الوهابية المتطرفة.
لكن هذا النوع من التفكير هو بالضبط ما يعمل السعوديون بكل طاقتهم لتعزيزه في اليمن منذ سبعينات القرن الماضي، حيث يمولون مئات المدارس في أنحاء البلاد التي تعلم الأطفال ليصبحوا أكثر تطرفا ويرفضون المدارس اليمنية التي تدرس فروع الإسلام الأكثر تسامحا، الشيعي الزيدي في الشمال والسني الشافعي في الجنوب.
وأخيرا، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تدعو بشكل متقطع للانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة منتخبة في اليمن، فإن شريكتها لا تشاطرها هذه المشاعر. فبالنظر إلى التدخل العسكري السعودي في البحرين الذي قمع بعنف الاحتجاجات السلمية، فإن آخر سيناريو تريد رؤيته الأسرة الحاكمة السعودية على حدودها هو وجود دولة ديمقراطية مزدهرة تحترم المدارس الدينية الأكثر تسامحا. القضية بالنسبة لهم هي مسألة وقت قبل أن يقف شبابهم يسألون: "إذا استطاع اليمنيون عمل ذلك، فلماذا لا نستطيع نحن أيضا عمل نفس الشيئ؟"
لكن اليمنيون لا يمكنهم القيام بذلك من دون دعم أمريكي حقيقي، بعيدا عن الأجندات الخبيثة للسعودية.
إدارة أوباما صعدت بشكل كبير هجماتها بطائرات بدون طيار في اليمن، محققة بعض النجاح في قتل إرهابيين مشتبه بهم. ولسوء الحظ، لم تواكب الإدارة هذه المكاسب الامنية قصيرة المدى ببرامج لمكافحة التطرف أو الاندماج مع المجتمعات المحلية.
إن مكافحة الإرهاب هو تكتيك وليس إستراتيجية، بمعنى أن تسفر عن مكاسب أمنية على المدى القصير. مع ذلك فإن الولايات المتحدة تعتمد في اليمن بشكل حصري تقريبا على مكافحة الإرهاب، دون تقديم منهج ناجح ضد التطرف في نفس الوقت.
في تحليله لمناهج مكافحة الإرهاب، يشير جوزيف ناي إلى أنه "من الضروري أن يكون هناك منهج يتعامل مع التيار الرئيسي، ويحول دون عملية التجنيد من قبل المتطرفين".
فإذا استمرت الولايات المتحدة مع هذه الإستراتيجية، سيصل بها الأمر إلى خلق فئة من اليمنيين يرتبطون مع الموت، وهي النتيجة التي تقدم الدعم للقاعدة وتجعل العنف أكثر احتمالا.
لقد أصبح من الواضح اليوم أكثر من ذي قبل أن انتصارات مكافحة الإرهاب لن تحل لوحدها مشاكل أمريكا مع اليمن. فعلى الرغم من أن ضربة طائرة بدون طيار استهدفت بنجاح زعيم القاعدة في اليمن عام 2002، وقيام الحكومة اليمنية بالقبض على خليفته في عام 2003، فإن القاعدة في شبة الجزيرة العربية أصبحت اليوم تمثل أكبر تهديد من أي وقت مضى.
إن استهداف قيادة الجماعة قد فشلت بشكل واضح في الحد من الدعم اليمني للمنظمات الإرهابية وفي منع التطرف. أذن حان الوقت للولايات المتحدة لوقف تقويضها للقيم الديمقراطية والاستقرار طويل المدى في اليمن في مقابل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل في مكافحة الإرهاب واستمرار واهن للوضع الراهن.
فإذا استمرت واشنطن السير في هذا الطريق، سينتهي بها الحال في أحسن الأحوال مع صومال آخر، وفي الأسوأ مع أفغانستان أخرى.
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
الديمقراطية هي الخيار الثاني لأمريكا في اليمن 3630