بقلم: ليديا بولغرين ترجمة/ أخبار اليوم
إنه بالضبط نوع القضية التي من أجلها تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها: الرئيس اليمني الاستبدادي يتشبث بالسلطة ويوجه بنادق قواته الأمنية نحو المتظاهرين العزل، مخلفا مئات من القتلى وغيرهم الكثير جرحى.
لكن عندما سافرت الحائزة اليمنية على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إلى لاهاي للطلب من النيابة العامة التحقيق في ذلك، تم إخبارها إن المحكمة تحتاج أولا إلى موافقة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وهذا لم يحدث أبدا. واليوم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي يعيش بشكل مريح في العاصمة اليمنية، لا يزال لديه نفوذ.
والآن حيث يواجه العالم تزايد الأدلة على الفظائع الواسعة بكثير في سوريا حيث تحارب حكومة الرئيس السوري بشار الاسد تمردا متزايدا، هناك مؤشرات على أن بشار الأسد قد يفلت من الملاحقة القضائية مثلما فلح صالح.
الرجلان لم يتم محاكمتهما لأن لديهما حلفاء أقوياء، مما يؤكد ما وصل إليه المنتقدون بأن هناك عيوبا قوية في إنشاء المحكمة. وهذا يهدد بتقويض الإجماع الدولي الهش الذي شكل الأساس لإنشاء المحكمة في عام 2002: يجب إخضاع الزعماء للمحاسبة عن الجرائم المرتكبة ضد شعوبهم.
وبالفعل، فإن الفشل في إتخاذ هذه الإجراءات ضد بعض الزعماء الذين أسقطهم الربيع العربي يشجع النقاد الذين يرون المحكمة مجرد مظهر آخر لنظام دولي غير ديمقراطي.
ويضيفون إن ما يسمى بالعدالة هي محفوظة فقط للقادة المنبوذين، منهم مجموعة متنوعة من المسئولين الأفارقة من الدول الضعيفة التي لا تحضى برعاية الأقوياء.
يقول رامي نخلة، ناشط سوري وعضو المجلس الوطني السوري في المنفى: "لدينا شعور بأن العدالة الدولية لا تُحكم بموجب القانون. بل تحكمها السياسة والظروف. وذلك يعتمد على الوضع وقيمة هذا الشخص. إنها ليست عدالة حقيقية".
منذ أن تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، دخل في عضويتها 120 دولة من ضمنها العديد من الدول التي أرتكبت أو عانت من بعض أخطر الفظائع في القرن العشرين: مثل ألمانيا وبولندا واليابان وكمبوديا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسيراليون والأرجنتين و كولومبيا.
الحلم الذي طال أنتظاره- بإنشاء محكمة ذات إختصاص عالمي يمكنها ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في أي مكان- هو اليوم أقرب إلى أن يكون حقيقة.
ثلاثة رؤساء سابقين هم الآن في عهدة المحاكم الدولية، وواحد، هو تشارلز تايلور، تمت إدانته بإرتكاب جرائم حرب. وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات متعددة في بعض من أسوأ الحرائق التي حدثت في العقد الماضي، وتمت إدانة أحد المتهمين، وهو أحد أمراء الحرب الكونغوليين الذي حول الصبية إلى قتلة. ومن المقرر استئناف محاكمة الجنرال السابق من صرب البوسنة راتكو ملاديتش في المحكمة.
كان من المفترض أن تحل المحكمة الجنائية الدولية محل محاكم مخصصة أنشأت لصراع معين مثل سيراليون ويوغوسلافيا من أجل التحقيق في الفظائع المستمرة. لكن في الحقيقة أن المحكمة لا تملك ولاية قضائية دولية. فيمكنها فقط أن تجري التحقيق في الجرائم المرتكبة في الدول التي وقعت على نظام روما الأساسي، الذي أنشئت بموجبه المحكمة، ما لم يقرر مجلس الأمن إحالة أي قضية إليها.
في الشرق الأوسط، حيث قلة من الدول وقعت على نظام روما وهناك الكثير لديهم حلفاء أقوياء في مجلس الأمن، يمكن للزعماء الاستبداديين الإفلات من العقاب. وهذا يهدد بتقويض الثقة في النظام بأكمله.
"لقد تم إرتكاب الكثير من الجرائم هنا"، هذا ما قاله نبيل رجب الناشط البحريني في حقوق الإنسان، حيث العائلة المالكة- بمساعدة من السعودية وموافقة أمريكية- استخدمت القوة لاخماد انتفاضة مؤيدة للديمقراطية. وأضاف رجب: "لكن بسبب العلاقة الوثيقة بين القوى الغربية والحكومة البحرينية، كيف يمكننا أن نأمل بعدالة؟"
بدأت المحكمة الجنائية الدولية العمل منذ عشر سنوات تقريبا بتوقعات منخفضة جدا والقليل من الدعم من القوى العظمى في العالم. ثلاثة من أعضاء مجلس الأمن من أصحاب الفيتو- الولايات المتحدة وروسيا والصين- رفضوا الخضوع لاختصاصات هذه المحكمة.
وعلى الرغم من هذا، فقد تحولت إلى مرتكز قوي لطالبي العدالة بعد أن أصحبت لاهاي وجهتهم المطلوبة للمستبدين في كل مكان من العالم.
مجلس الأمن الدولي سمح للمحكمة بالتحقيق مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي انتهى به الأمر إلى إتهامه بجرائم حرب في دارفور، على الرغم من أن المحكمة لم تتمكن من اعتقاله.
في فبراير 2011، صوت مجلس الأمن بالإجماع للطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع الحكومة الليبية بقيادة العقيد معمر القذافي. وأصدرت المحكمة لوائح اتهام ضد العقيد القذافي وعددا من كبار المسئولين على الرغم من انه قُتل في ليبيا قبل أن يتمكن من مواجهة المحاكمة.
لكن المحكمة لم تتخذ إجراءات في أي انتفاضة عربية أخرى، بسبب العلاقات بين البلدان المعنية وأصحاب الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
البحرين واليمن حليفان للولايات المتحدة، وليستا من الدول الموقعة على المحكمة الجنائية الدولية. وروسيا والصين، وكلاهما ليستا من الدول الموقعة، على علاقة مقربة من الحكومة السورية، لذلك من المرجح أن يقفا عائقا أمام أي محاولة لإحالة القضية إلى المحكمة.
يقول كيفين جون هيلر، عالم في العدالة الدولية ومحامي للدفاع الدولي: "هل سوريا من النوع الذي يجب أن يحضى باهتمام المحكمة؟ لكن هناك انتقائية".
لسنوات شكت البلدان الأفريقية من أن المحكمة الجنائية الدولية ركزت بشكل خاص على النزاعات الافريقية. في بعض الحالات لم يكن هذا مقصودا: فيحق للمحكمة التحقيق في الجرائم المرتكبة فقط بعد إنشائها في عام 2002، وخلال هذه الفترة وقعت العديد من النزاعات الأكثر دموية في أفريقيا ضمن إختصاص المحكمة.
لقد احتدم الجدل لسنوات حول ما إذا كانت المحكمة ستدفع الحكام المستبدين بأن يكونوا أكثر إصرارا على القتال حتى الموت. ويتساءل البعض عما إذا كان ذلك رادعا فعالا تجاه ارتكاب جرائم حرب.
لقد دخلت المحكمة في مشكلة أخرى في ليبيا: فالحكومة الجديدة عازمة على ملاحقة بقية أعضاء النظام السابق الذين لا يزالوا على قيد الحياة على الرغم من القلق العميق إزاء القدرة على اجراء محاكمات عادلة.
يقول أنصار المحكمة إنها حققت حتى الآن أكثر مما كان يتوقعه أي شخص عندما تم إنشائها. وبدلا من ذلك، وبالرغم من أن الكثير من دول العالم قد وقعت على نظام روما، فإن المتظاهرين في اليمن والبحرين وليبيا وسوريا يطالبون بأن يتم إرسال قادتهم إلى لاهاي لمحاكمتهم، وهذه شهادة على الصدى الواسع الذي تتمتع به المحكمة.
وهنا والسؤال الأعمق هو ما إذا كان فشل محاكمة الزعماء المستبدين في الربيع العربي سوف يؤدي إلى تآكل الثقة في التحرك نحو نظام عالمي حقيقي للعدالة الدولية.
يقول ريتشارد ديكر من منظمة هيومان رايتس ووتش: "لكي تكون للعدالة شرعية، من الضروري تطبيقها على الجميع. لقد حققت العدالة تقدما وتعمل على هذا الأساس، لكن عيوبها في عالم اليوم أصبحت أكثر وضوحا. فيجب تغيير العمل بمعيار الكيل بمكيالين حتى يتم الاحتفاظ بشرعيتها".
صحيفه نيو يورك تايمز الامريكية
الانتفاضات العربية تكشف عيوب المحكمة الجنائية الدولية 3807