كان يرددها سيدنا بلال بن رباح ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـ وهو يُعذَّب في رمضاء مكة, وقد وضع كفار قريش على صدره حجراً عظيماً, فلم يزد عن قوله أحدٌ أحد..
كلمات مدوية اهتزت لها قلوب هي كالحجارة أو أشد قسوة,, قلوب كفار قريش، ولما أُعتق سُئل كيف صبرت على العذاب يا بلال؟
قال: خُلطت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب!!. يا لها من كلمات , ويا له من إيمان نفتقد حلاوته في حياتنا!
وضعيف الإيمان يشكو الزمان , ويلعن المكان , ويفتقد الحنان والشعور بالأمان ينتابه الضيق وينتقد الصديق, تغريه الشهوات وينهار أمام المغريات، ومع ذلك تخنقه العبرات، يخاف من المستقبل، ويتبرم من الحاضر ويحن إلى الماضي, والإيمان دواء كل داء، الإيمان يبعث في النفس الاطمئنان " ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
إنه الإيمان الذي يبعث في النفس التفاؤل, إنه الإيمان الذي يمنحك القوة والشجاعة, إنه الإيمان إذا ملأ القلوب فلن تستوحش من قلة الناس, وستشعر في كل حالاتك بالسرور والإيناس, إنه الإيمان الذي جعل ابن تيميه يقول وهو في سجنه: ماذا يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري, إن حبسوني فحبسي خلوة, ,وإن قتلوني فموتي شهادة, وإن نفوني فنفيي سياحة.
أي إيمان هذا الذي سكن قلوبهم فاستراحت واستكانت واطمأنت!!
إنه الإيمان الذي يجعل الموت ـ الذي يهابه الملوك والغني والفقير والصعلوك ـ خير غائب يُنتظَر فيقول بلال (رضي الله عنه) وهو في سكرات الموت " وافرحاه,, "واطرباه" غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه,
لو ضاقت الأحوال
وضاق عليك الحال
قصر العمر أو طال
ما لك غير الله.
إذا قلَّ المال وضاق الحال وتيسَّر الحرام وتعسَّر الحلال فاصرخ بلسان الحال أحدٌ أحد,
إذا كثرت الشبهات وحاصرتك الشهوات وهاجمتك المغريات ردد هذه الكلمات أحدٌ أحد.
يا أصحاب النفوس المتعبة, يا أصحاب الأرواح المنهكة, يا أصحاب القلوب الموجعة, إنه الإيمان إذا ملأ في قلبك الجوانب والأركان فقد فُزتَ ورب الكعبة.
كان عندك هم لا ترفع تــقول: " يا إلــه الكون همي كم كبر "
قل:" يا همـي ترى مهما تصول" عندنا رب كبير يا بشـر " كل هالدنيا ترى مثل الفصـول "ضيقتـين وفرحتـين وكم كـدر " القـهر لو طال في يومٍ يزول " كــل ماجانا بدنيتـنا قـهر " الحياة في سبيل الله: علمونا منذ الصغر شرف الموت في سبيل الله تعالى، ولم يعلمونا أن الحياة في سبيل الله تعالى أشرف، فالموت في سبيل الله أمر سهل جداً فما هي إلا لحظات وينتقل العبد إلى عالم آخر وينتهي الابتلاء؛ ولهذا الباحثون عن الموت في سبيل الله كُثر, أما الحياة في سبيل الله فأمر صعب وتحتاج صبراً و مصابرة ومجاهدة ونية صادقة وإخلاص لا يشوبه شرك، قال الله تعالى:" قل أن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" ولكن كيف أحيا في سبيل الله؟ تحيا في سبيل الله حين تجعل في كل شيء نيَّة وأن تكون نيتك خالصة لوجه الله, قال نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم: "حتى اللقمة يضعها في فم زوجته صدقه".
إذا أكلت وإذا شربت, إذا نمت وإذا استيقظت ,إذا تعلمت وإذا عملت ,فأنت مع الله وبالله ولله,
أن يكون الله تعالى نُصب عينيك ورضاه مطلبك, لو أن الدنيا بحذافيرها أتتك وهو عليك غضبان فلست براضٍ ولا فرحان, إذا احتجت قُل يا الله! ولا تمد يديك إلا إلى الله ولا ترجُ ولا تَخفْ ولا تُحب إلا الله وفي الله, ولسان حالك يقول: " رضاك أشهى من الدنيا وما فيها".
أحلام القبيلي
الحياه في سبيل الله 1805