بقلم: شيلا كاربيك
ترجمة/ أخبار اليوم
بينما لا تزال كثير من الأشياء مجهولة حول ختام الأزمة السياسية الراهنة في اليمن، هناك شيء واحد واضح: ببساطة، التطورات تتحرك بشكل سريع ومُعقد للغاية لا يمكن لأحد التنبؤ بالمنعطف التالي، ناهيك عن النتيجة النهائية. مع ذلك فإنه استنادا إلى الأحداث الأخيرة، من الممكن النظر في أسوء السيناريوهات من عنف أو فوضى وأفضل السيناريوهات من عقد اجتماعي جديد نحو مستقبل أكثر ديمقراطية.
على الأقل منذ أن استعاد الرئيس علي عبدالله صالح الوحدة بالقوة خلال حرب أهلية قصيرة في عام 1994، يعاني اليمن من أعباء بغيضة لارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة والفساد والمحسوبية والتضييق السياسي والاقتصاد غير الاستثماري والتدهور البيئي
منذ أن أعتلى السلطة في شمال اليمن في عام 1978 وعلى ما يبدو أنه عزم أن يحكم البلاد مدى الحياة، معدا نجله الأكبر أحمد لوراثته والإبقاء على احتكار مقاعد مجلس النواب العاجز بشكل متزايد لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، قام الرئيس صالح بتعطيل سير عملية انتخابية تعددية تنافسية.
الجنوبيون الذين عاشوا فيما كانت تُعرف باليمن الديمقراطية الشعبية قبل عام 1990 وفشلهم في محاولة الانفصال عام 1994، يحتجون منذ عدة سنوات ضد الحرمان المادي والقمع العسكري. كما هناك استياء عارم في الشمال السابق الذي يحكمه علي عبد الله صالح منذ عام 1978.
النظام قاتل تمرد الحوثي في محافظة صعدة على الحدود السعودية، مدعيا بأن المتمردين الحوثيين الشيعة ملهمين من قبل إيران. وأعتبر كلا من الحراك الجنوبي والتمرد الحوثي مظالمهم على أنها منفصلة عن بقية المظالم في البلاد، وقد نجح النظام في تصوير الحراك والحوثي على أنهما معزولان ويدعون بصورة غير شرعية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والإمامة الزيدية، وبأنهم يهددون وحدة الجمهورية اليمنية. لكن في جميع أنحاء البلاد، المواطنون محبطون ويائسون.
الثورات الشعبية التي أطاحت بالطغاة في تونس ومصر في مطلع العام الحالي هي التي ألهمت اليمنيين. متجاوزون أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في اليمن، احتشد المتظاهرون، معظمهم من الشباب، في الساحات العامة. وعلى الرغم من التباين مع تونس ومصر والبحرين حيث لم يتمكن المحتجون من التجمع بأعداد خيالية وبراقة في منطقة حضرية مركزية، فأكثر من ستة مدن كبرى يمنية وعدد من البلدات الصغيرة شكلت نفسها كحركة وطنية مؤيدة للديمقراطية.
إنهم يرددون شعارات الثورات السابقة، (أرحل- إسقاط النظام)، مطالبين بإزالة نهائية للرئيس ولنظامه كاملا. وردا على الهجمات العنيفة التي قام بها الموالون للنظام ومناهضون للمتظاهرين، تحول الشعار بشكل ساخر إلى (النظام يريد إسقاط الشعب).
وعلى الرغم من الوعود الغامضة للرئيس صالح بنقل السلطة في انتخابات عام 2013، استمرت المظاهرات وتوسع نطاقها. كما أن بعض أعضاء البرلمان من الحزب الشعبي العام الحاكم والحكومة استقالوا تضامنا مع الشباب. حتى أن بعض مشايخ القبائل البارزين من قبيلة حاشد التي ينتمي إليها الرئيس صالح، أعلنوا تعاطفهم مع المتمردين.
في 18 مارس، أقدم شخص ما غاضب ومذعور على إصدار أوامره للقناصة بإطلاق النار على المتظاهرين قرب جامعة صنعاء، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 52 متظاهرا وجرح عشرات آخرين بصورة قاتلة.
تنديدا وغضبا وحزنا من هذا الهجوم، خرج أكثر من 150000 يمني في أكبر يوم للغضب. بشكل جماعي استقال كبار الدبلوماسيين والوزراء وأعضاء الحزب الحاكم وموظفي الخدمة المدنية. وكان الضرر الكبير هي الانشقاقات من داخل الجيش اليمني الذي كان قاعدة رئيسية لدعم صالح لفترة طويلة. ابرز المنشقين في الجيش كان اللواء علي محسن، نصير النظام والقائد الأعلى الذي أدار بلا رحمة حملة 1994 ضد الجنوب والحرب ضد الحوثيين، والذي أعلن عن دعمه للمتظاهرين، مما ينذر بشر مستطير لصالح. مدشنا تمردا عسكريا جزئيا، أمر اللواء علي محسن وحدات دبابته بالدفاع عن المتظاهرين في الوقت الذي وضع الحرس الجمهوري بقيادة أحمد علي صالح آلياته حول دار الرئاسة. لكن الاصلاحيون (ملاحظة: الكاتب يقصد الاصلاحيون السياسيون وليس المنتسبون إلى حزب الإصلاح اليمني) يشعرون بالقلق من ذئب يظهر بثياب حمل.
إذن ما هي السيناريوهات المحتملة للأيام أو الأسابيع أو الأشهر القادمة؟
عدد غير قليل منها بدأت تلوح في الأفق بالفعل، لكن معظمها وخيمة جدا. فيمكن أن يشتبك المتمردون مع الحرس الجمهوري المسلح أمريكيا وغيرها من القوات التي يقودها أقارب صالح.
إن انتصار علي محسن سيكون في صورة انقلاب عسكري على يد ديكتاتور جديد لا يقل شعبية من الرئيس صالح أو نجله أحمد. ويمكن أن تندلع معركة طويلة تدمر هذا البلد أو تسقط الدولة. ويمكن لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة أن تعيد الإعلان عن سيادتها. كما يمكن لتطلعات إقليمية أو قبلية أخرى تطمح بحكم ذاتي أن تظهر على السطح. ويمكن أن تكون هناك ذكريات مجانية عن الصومال أو كما هو الحال في ليبيا حيث يمكن للمتمردين السيطرة على بعض المناطق عندها يطلق النظام القديم العنان لجامه غضبه على سكان تلك المناطق.
لكن من المستحيل التنبؤ بنتيجة المعركة حتى النهاية، إلا أنه سيكون هناك المزيد من الدماء.
وأيا من هذه النتائج ستحول أحلام اليمنيين بالحرية إلى كوابيس الاستبداد والفوضى. وبالتالي سيُصاب الاصلاحيون العرب الآخرون بخيبة أمل في انتزاع حرياتهم. كما يمكن أن تهدد الحروب أو الفوضى في اليمن استقرار جارتها السعودية، وتشجع الجهاديين المتطرفين في شبه الجزيرة العربية وبالتالي تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر في نهاية المطاف.
لكن تحول الأمور إلى ما هو أسوء ليس في مصلحة اليمن وجيرانها والولايات المتحدة.
فما هي البدائل؟
يبدو أن أفضل السيناريوهات المتوقفة هي أن يتبع صالح نموذج بن علي ومبارك بدلا عن نموذج القذافي. فإذا استقال فورا، يمكن نقل السلطة إلى حكومة تكنوقراط انتقالية مدنية. ويمكن تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة في غضون أشهر. ومن شأن هذا التحول أن يكون أسهل في بعض النواحي من مصر بسبب وجود أحزاب سياسية منظمة وشرعية في اليمن (أحزاب اللقاء المشترك، وربما مؤتمر شعبي عام يعاد تنظيمه).
منذ أن تم تعليق العملية الانتخابية التعددية الحزبية بدلا من سلبها إلى غير رجعة، يمكن أعادة إحيائها.
قد يكون تعديل الدستور مرغوب، وصالح نفسه عرض ذلك مؤخرا كتنازلات ضعيفة، بحيث يتم إدارة شؤون البلاد بنظام برلماني بدلا من النظام الرئاسي. لكن خلافا لمصر، لا يجب على اليمن تغيير الدستور قبل إجراء الانتخابات. فبدلا من إجراء تعديلات جزئية سريعة، يمكن لليمنيين إعادة تشكيل رؤية معاصرة للحوار الوطني من القوى السياسية التي عقدت مؤتمرات وورش عمل جماعية في أنحاء البلاد في عام 1993 وبداية عام 1994 والتي في نهاية المطاف قدمت عقد اجتماعي ومقترحات دستورية شاملة سميت بوثيقة العهد والاتفاق.
بعد فشله في منع اندلاع الحرب الأهلية في عام 1994، يمكن الآن إعادة تنشيط هذا الجهد وإشراك المحتجين في الشارع في مباحثات مدنية حقيقية حول الإصلاحات الضرورية والمساعدة في تصور مسار وطني نحو مزيد من الديمقراطية والعدالة والحكم المدني المسئول والشفاف.
قد يكون هذا الأمر بالغ الصعوبة، لكن يمكن تحقيقه على أرض الواقع. إنه السيناريو الأفضل لليمنيين الغاضبين والطامحين الذين وضعوا حياتهم على المحك، كما هو أفضل للحركة القومية العربية المؤيدة للديمقراطية، وفي نهاية المطاف هو أفضل سيناريو للولايات المتحدة.
في إطار إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب خلال السنوات القليلة الماضية أنفقت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات لدعم دكتاتورية عسكرية فاسدة التي تراجعت عن الإصلاحات وكممت الصحافة وتجاهلت التطلعات الشعبية ولجأت إلى الاعتقالات غير القانونية حتى الإعدام.
إن دعم الوضع الحالي غير المحتمل وغير المستقر اقتصاديا وسياسيا وبيئيا وأخلاقيا لن يجعل الأمريكيين في أمان أكثر أو أن يكسبوا القلوب والعقول في هذه الدولة العربية، وستضع الولايات المتحدة نفسها على الجانب الخاطئ للتاريخ، حتى أنه يمكن أن يعطي الفرصة لألد أعدائنا.
فيجب على إدارة أوباما وبقية الحكومات الغربية الإعلان فورا عن تعليق المساعدات العسكرية المقدمة لحكومة صالح واتخاذ كل الضغوط الدبلوماسية الممكنة لإقناع الرئيس صالح بأن الوقت قد حان لأن يتخلى عن السلطة.