بقلم: روبرت وورث
وصل الرئيس اليمني المحاصر علي عبدالله صالح إلى السعودية يوم السبت لتلقي العلاج الطبي العاجل جراء تأثره بجروح أصيب بها في هجوم جريء على المجمع الرئاسي.
هذا الأمر يُعتبر تحولا خطيرا للتكامل السياسي الذي سمح لصالح بالتمسك بالسلطة على الرغم من شهور من الاحتجاجات والعنف.
احتشد اليمنيون يوم الأحد في صنعاء في ساحة التغيير للاحتفال. بعض الجنود انضموا إلى تلك الأغاني الوطنية والرقص وتم رفعهم على الأكتاف من قبل الحشد.
يقول محللون إن رحيل صالح المفاجئ يمكن أن يشكل تحديا خطيرا للولايات المتحدة، التي كانت تشعر بقلق عميق إزاء ارتفاع حالة الفوضى في اليمن.
لقد فقدت الحكومة بالفعل السيطرة على بعض المناطق النائية، ويبدو أن القاعدة والجهاديين يستغلون هذه الاضطرابات لترسيخ قاعدتهم في البلاد.
يقول مسئولون سعوديون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن صالح وافق على مغادرة البلاد عندما ساءت حالته بعد هجوم يوم الجمعة. كما أجرى مستشار الرئيس أوباما، جون برينان، اتصالا هاتفيا مع نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي ذكرت تقارير صحفية أنه أصبح رئيسا بالوكالة بموجب الدستور اليمني.
وقال محللون إن من المرجح أن يضمن السعوديون عدم عودة صالح، الذي يحكم اليمن مدة 33 عاما، كرئيس، وهو الهدف الذي حاولوا مع غيرهم من زعماء المنطقة الترتيب له من دون نجاح.
لكن على الرغم من أن رحيله يمكن أن يخفف حده التوترات في صنعاء على المدى القصير، فليس هناك خطة واضحة لتحول سياسي دائم. وفي هذا الفراغ، يخشى كثيرون من أن الفصائل المعارضة اليمنية والمتظاهرين الشباب قد يبدؤون القتال فيما بينهم، إضافة إلى مشاكل العنف القبلية في الشمال والمساعي الانفصالية في الجنوب.
إن خطر الفوضى السياسية المزايدة تلقي بثقلها على السعودية والولايات المتحدة التي كانت تعول على صالح كحليف ضد الإرهابيين.
لقد ظهر السعوديون في الأشهر الأخيرة غير واثقين في كيفية التعامل مع اليمن، عندما كانوا يكافحون لتهدئة الطاقات الثورية في جميع أنحاء المنطقة.
حافظ صالح لسنوات على السلام في بلد تمزقه الغيرة القبلية، لكن السعوديون كانوا قلقين جدا بعد تراجع سيطرته في مواجهة احتجاجات من وحي الربيع العربي.
هذا الهجوم الوقح، الذي لام فيه صالح خصومه القبليين من آل الأحمر، سمح للسعوديين بالتدخل بشكل حاسم. القيادة السعودية لم ترتب فقط لعلاج صالح ومغادرته البلاد بل أيضا استقبلت ستة من كبار المسئولين اليمنيين أصيبوا في الهجوم وتوسطت في وقف إطلاق النار مع ميليشيات آل الأحمر.
على الرغم من أن العلاقات بين صالح وآل الأحمر متوترة منذ عدة سنوات، فقد اتسعت هوة الخلاف مؤخرا عندما بدأ آل الأحمر دعم المتظاهرين في الشوارع، منفقين أموالا على حركتهم للحفاظ عليها على الرغم من حملة القمع الحكومية.
تفاصيل هجوم يوم الجمعة إضافة عن معلومات عن صحة صالح لا تزال غامضة بعض الشيء. يقول مسئول يمني إن قذيفة صاروخية أو قذيفة مدفعية سقطت على مسجد في المجمع الرئاسي حيث كان صالح ومسئولين كبار آخرين يؤدون الصلاة.
وأصر المسئولون اليمنيون على أن صالح أصيب بجروح طفيفة أو "خدوش" على الرغم من أن الرئيس نفسه أشار إلى أن الانفجار كان قويا مما أدى إلى مقتل سبعة من الحراس.
بل أن صالح أخر خطابا إلى الأمة عدة ساعات يوم الجمعة ثم أصدر تسجيلا صوتيا مدته دقيقتين بث على شاشة تلفزيون الدولة بصورة قديمة لصالح. لقد بدا صوته مضجرا ومخدرا وقال إن آل الأحمر كانوا وراء الهجوم. ومنذ ذلك الحين، كثرت الشائعات حول طبيعة إصاباته وبعض التقارير الإخبارية العربية قالت إن جزءا من قطعة خشبية اخترقت جسمه.
بعد وقت قصير من الهجوم، بدأت القوات الحكومية بإطلاق قذائف صاروخية وقذائف الهاون على منزل حميد الأحمر، السياسي حامل راية آل الأحمر. وقال متحدث باسم الأحمر أن 19 شخصا قتلوا في الهجمات على منزله يوم الجمعة. ونفى آل الأحمر أي صلة لهم بالهجوم على المجمع الرئاسي. وأكد صادق الأحمر، الأخ الأكبر لآل الأحمر إن السعوديين رتبوا وقفا لإطلاق النار وقال انه سيحترم ذلك. لكنه أضاف إن الحكومة لم تلتزم بوعودها من خلال عدم رفع قوات الأمن من محيط منزل الأحمر في حي الحصبة شمال صنعاء، حيث تركزت المعارك في الأسبوعين الماضيين.
في جنوب صنعاء بدأت القوات الحكومية يوم السبت الانسحاب من مدينة تعز حيث حمل المتظاهرون ورجال القبائل المتعاطفون مع قضيتهم السلاح في وجه القوات الحكومية.
يقول بعض المحللين إن السعودية لم تكن قد وافقت على السماح لصالح أن يأتي إلى الرياض من دون حصول على وعد بأنه سيستقيل في نهاية المطاف من رئاسة البلاد.
في الأسابيع الأخيرة، حث الملك عبد الله السعودي صالح بشكل شخصي على التوقيع على اتفاق برعاية مجلس التعاون الخليجي. وتضغط الولايات المتحدة أيضا على صالح للتنحي، معتبرة أن الرحيل المنظم سيكون بداية لمرحلة انتقالية من شأنها تخفيف حده الأزمة السياسية اليمنية وتسمح للسلطات باستعادة السيطرة على المحافظات اليمنية النائية.
في الأسبوع الماضي، بعث الرئيس أوباما مساعده جون برينان إلى السعودية في محاولة للمساعدة على إيجاد وسيلة لتسهيل خروج صالح من السلطة. زيارة برينان تلقي الضوء على ضعف النفوذ الأمريكي على صالح، الذي ظل لسنوات طويلة شريكا محبطا في مكافحة الإرهاب.
السعودية تجد نفسها الآن في موقف القوة، خصوصا وأن الرئيس المصاب يعتمدا الآن أكثر من أي وقت مضى على جيرانه الأغنياء بالنفط.
لكن أمام السعوديون خيارات صعبة. فإذا تنحى صالح من السلطة، فإن السعوديين سيتحملون مسئولية تعزيز نظام سياسي جديد في البلاد بتطلعات ديمقراطية لكن بحفنة من المؤسسات العاملة، بالرغم من أنهم يكافحون لصد التيارات الثورية في البحرين وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.
يقول برنارد هايلك، باحث في دراسات الشرق الأوسط بجامعة برينستون: "إنها مفارقة حقيقية، عادة السعوديون يعارضون التغيير، لكن في اليمن أصبحت قابلة بالتغيير. فسيضطرون إلى اتخاذ قرار حول ماذا يعني التغيير وفقا لسياقهم ولن يكون ذلك سهلا".
صحيفه نيو يورك تايمز الامريكية
المتظاهرون اليمنيون مبتهجون بذهاب صالح إلى السعودية 2781