تشهد العديد من المحافظات إقامة المراكز الصيفية التي تقيمها وزارة الشباب وعبر فروعها في المحافظات للشباب من الجنسين تحت يافطات توحي للمتابع أن المشاركين فيها يتلقون ما لم يتلقوه خلال عام دراسي في مدارسهم وكلياتهم من معارف ومعلومات، لكن الحقيقة تشير إلى أن الهدف الحقيقي الذي تسعى المراكز لتحقيقه مع المشاركين والمشاركات فيها هو بعيد كثيرا عن جوهر الأهداف الحقيقة التي من أجلها أقيمت المراكز الصيفية، وصارت تصرف عليها الملايين، فمنذ أن أقيمت المراكز وهى تعزز الولاء الأحادي لأشخاص قبل الوطن بمعنى أن غرس حب الوطن في تلك المراكز يعتبر أمر ثانوي.
هذا العام تقام المراكز الصيفية في ظل أوضاع مغايرة لما كان من قبل الأمر الذي يحتم على المنظمين والحريصين على أن يكون النجاح للمراكز بنسبة (100)%، وأن يبذلوا جهودهم، ويتحركوا في كل الاتجاهات لجلب مشاركين فيها حتى لو كانوا من المريخ أو زحل، المهم تكون التقارير في النهاية (كله حلو كله تمام كله عال العال)، دون مراعاة للمصداقية في تقييم أثر تلك المراكز، وحقيقة الفوائد التي اكتسبها المشاركون والمشاركات فيها باستثناء فائدة التدريب على الكمبيوتر وتطبيقه في بعضها التي تتوفر فيها مراكز كمبيوترات، وهذه يمكن تكون ناجحة بنسبة أفضل من غيرها من الفعاليات التي تتوزع بصورة لا تؤدي إلى تنمية العقل أو اكتشاف المبتكرين بقدر ما تظهر لنا شباب يجيد لغة التمجيد ولغة الطاعة للآخرين.
أعجبني الزميل ماهر المتوكل في طرحه المنشور في ملحق الملاعب بصحيفة الجمهورية الذي كان قريبا من الحقيقة إلى حد كبير في تناوله لحال المراكز الصيفية واختتمها بطرح مقترحات بدلا من العبث بالمال العام في مراكز توزع الوهم حسب قوله على المشاركين فيها، والغريب أن القائمين على المراكز الصيفية لا يهمهم أن يكون هناك الأثر بقدر ما يهمهم القسمة التي تتم في نهاية أو قبل الافتتاح لها، فكل واحد يأخذ حصته ويذهب في حال سبيله أقام مركز أو لم يقيم.
وكان يفترض أن تكون هناك تقييم حقيقي لوضع المراكز الصيفية لتعرف مدى الآثار التي تركتها المراكز في نفوس وسلوكيات المشاركين فيها والذين يفترض أن يكون لهم أثر على المجتمع بما ينفع الكل، ويخدم المجتمع قبل أن يخدم فئة معينة أو حزب معين، وأعتقد أنه لو كانت المراكز الصيفية ناجحة (100)% لما تقاعس الكثير من الطلاب والطالبات عن الالتحاق بها رغم الوضع السيئ الذي تشهده البلاد، وكان المؤمل من المراكز الصيفية أن تعيد النظر في المفاهيم التي ظل الإعلام وظل المتعصبين لطرف في العملية السياسية يغرسونها في عقول المشاركين فيها بطريقة تعزز الكراهية والحقد والإقصاء للآخرين بطريقة فجة ومقيتة.
إن المراكز الصيفية كنا قد طالبنا من خلال تقييمنا لها من قبل أن تركز كل عام على نشاط معين حتى يتمكن الشباب من الاستفادة منها بصورة كبيرة، وأن يحدد نشاط واحد كل عام يركز فيه الجميع، ويبدعون فيه بطرقهم المختلفة، ويؤخذ ما هو أنسب ويعمم على الكل للفائدة ومزيد من الخبرة، فالوضع الذي تسير عليه المراكز الصيفية اليوم بطريقة لا تزال عقيمة إلى حد كبير لا تهدف إلى البناء بقدر ما تسعى إلى مزيد من إهدار المال العام وقتل روح الشباب والسيطرة على أفكارهم بطرق مختلفة يمارسها المشرفون على تلك المراكز، وهذا سلوك كان قد اتهم به طرف سياسي من قبل وعلى أثر ذلك الاتهام تم منع إقامة أي مركز صيفي أو مخيم إلا بتصريح رسمي من التربية والتعليم، فما كان يتهم به ذلك الطرف السياسي أصبح يمارسه الطرف الآخر "الأغلبية" بل إن المراكز الصيفية تحولت إلى بؤر تخدم فئات معينة من الوجهاء والمشايخ والشخصيات المتنفذة أكثر من خدمتها للشباب أنفسهم وأكثر من خدمتها في تلميع وجه السلطة والنظام.
عبدالهادي ناجي علي
المراكز الصيفية والتوجيه الأحادي!! 2415