لعل معرفة الحكماء في اليمن أن بعض الناس يذهب للحج ويعود أسوأ مما كان عليه "هذا إذا لم يعد كما كان، لم يتغير في سلوكه وأخلاقه شيء" جعلتهم يقولون في أمثالهم "ويلك من الحاج لا رجع" "وإذا سلمت على الحاج عد أصابعك".
وقد شرع الله تعالى العبادات لتهذيب النفوس وتربيتها، فإن لم تترك العبادات هذا الأثر، فليس للعبد منها غير التعب والنصب، "فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له".
وذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة تكثر من الصيام، ولكنها تؤذي جيرانها قال "هي في النار"، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب.
وقد خرّج الطبراني وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء :لبيك و سعديك زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور.. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء :لا لبيك و لا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور ."
إذا حججت بمال أصله سحت × فما حججت و لكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل طيبة × ما كل من حج بيت الله مبرور
الحج باب البيت:
ترى كم من الناس يحجون بأجسادهم دون أرواحهم وكم من الناس ينفق في حجه أموال اكتسبها من الحرام وكم من الناس لا يؤثر فيه حجه، يعود مصراً على الذنوب، عازماً على معاودتها غير نادم.
وكم من الناس عاد من الحج ليس كيوم ولدته أمه ولكنه عاد كما ذهب
ذهب عاقاً لوالديه وعاد أكثر عقوقاً
ذهب تاجراً غشاشاً وعاد أكثر فجوراً
ذهب غاشاً لرعيته وعاد أكثر إجراماً وظلماً
ذهب آكلاً ميراث أخواته وعاد أكثر إصراراً وتعنتاً
ذهب جاراً مؤذياً وعاد يحمل آذاه معه
ذهب إعلامياً منافقاً مغتاباً نماماً وعاد كما ذهب
ولأن هذا الصنف من الناس موجود بكثرة، قالت الأمثال "ويلك من الميت لا فزع ومن الحاج إذا رجع"، ولكل هؤلاء نقول الحج باب البيت.
قال ابن مسعود: في آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب، فيهون عليهم السفر بلا سبب، ويبسط لهم في الرزق، ويرجعون محرومين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين الرمال والقفار وجاره مأسور إلى جنبيه لا يواسيه ."
وقال أبو نصر التمار: إن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث وقال: قد عزمت على الحج، فتأمرني بشيء؟ قال له: كم أعددت للنفقة؟ قال : ألفي درهم، قال بشر : أي شيء تريد تزهداً أو اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله؟ قال مرضاة الله .
قال فإن أصبت مرضاة الله يقيناً وأنت في بيتك.. أتفعل ذلك؟! قال: نعم، قال اذهب فأعطها عشرة أنفس :"مديون يقضى دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يغني عياله، ومربي يتيم يفرحه، وإن قوى قلبك تعطها واحداً، فافعل، فإن إدخالك السرور على قلب مسلم وإغاثة اللهفان وكشف الضر، وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام.
واعتبر الشيخ قطب أن "مساعدة الفقراء والمساكين والمرضى بمال الله لتيسير شؤون حياتهم أفضل عند الله من زحام الحجيج وأكثر راحة لصدور الأمة وأشد رهبة عند الأعداء".
طبعاً هذا الكلام لا نقصد به حجة الإسلام، ولكن المقصود بها نافلة الحج.
حجوا قبل ألا تحجوا:
إذن هناك صنف يعتبر الحج واجباً لابد أن يؤديه كل عام، وإن كان قاطعاً لرحمه، غاشاً لرعيته، مهملا لأسرته, وصنف حاله كحال هذه العجوز التي تحكي عنها الطرفة أنه قيل لها "تشتي تحجي وإلا تتزوجي؟ فقالت: الكعبة ماشتطيرش.
والحج أحد أركان الإسلام الخمسة, وله مكانة عظيمة قال عنها صلى الله عليه وسلم "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة, ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وهو الركن العظيم الذي يتساهل في أدائه كثير من المسلمين، لأن الرحيم قرنه بالاستطاعة، تخفيفاً منه سبحانه الذي لا يكلف نفساً إلا وسعها، فتجد كثير من المستطيعين يتساهلون أو يؤجلونه عاماً بعد عام, حتى طبع في الأذهان أن الحج للعجائز وكبار السن فقط.
وهذا يقول أزوج ابني أفضل, وآخر يقول متى ما انتهي من بناء بيتي الجديد, وتلك تقول هذه السنة سأغير عفش البيت أو اشتري حزام ذهب والسنة الثانية باحج.
ومن قال لكم إن هذه الأمور أفضل أو أولى؟! إن أداء فريضة الحج أولى من زواج ابنك أو شراء ذهبك, فالحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه، ولا يجوز تأخيره، فالإنسان لا يدري كم سيعيش وماذا ينتظره، وقد قال صلى الله عليه وسلم تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له.
وقال علي رضي الله تعالى عنه "من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً"
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال " لقد هممت أن أبعث إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة (سعة من المال) ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية, ما هم بمسلمين, ما هم بمسلمين".
ومن أغرب ما سمعت أن هناك أناساً يسكنون مكة المكرمة ولم يؤدوا فريضة الحج، ونسوا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة".
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي
مواطنة يمنية تتمنى تحج كل عام