كلما ابتعدنا عن ديننا الإسلامي الحنيف وتعاليمه وآدابه وأخلاقه أصابتنا الأمراض والأسقام المعنوية, التي جعلت حياتنا ضنكا ومن هذه الأمراض التي نعاني منها " قلة الذوق" الذي اعتدنا عليه حتى ألفناه وصار جزءاً من حياتنا والذوق هو الأخلاق في أرقى صوره..
و قالوا عنه:
الذوق هو الأخلاق حين ترتدي أجمل ثيابها وهو عطر الأخلاق ونفحاتها.. والذوق هو قمة الأخلاق حين تتألق في إنسان وتتجلى في أحاديثه وتعاملاته التي تنطوي على أجمل المشاعر وأنبل العواطف، الذوق هو الإنسان في أبهى صورة وأرقى حضارة
الدين المعاملة:
يقول صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " " والدين المعاملة، فلا يهم الناس كم تصلي في الليل وكم تصوم في النهار، وكم تقرأ من القرآن، فذاك شأن خاص بين العبد وربه
وما يفتح مغاليق القلوب إلا الأخلاق والنفس تمقت قليل الذوق وتفر منه مهما كان عابداً أو زاهداً أو عالماً أو متعلما وتعالوا نتعرف معاً على صور من قلة الذوق في جوانب مختلفة من حياتنا :
قلة الذوق في الزيارة:
لا شك أن التزاور يجلب المحبة ويوثق عرى المودة بين الناس، كما أن لها عظيم الأجر والثواب عند الله تعالى إذا كان التزاور لله تعالى بعيداً عن المصالح الدنيوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طب وطابت ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً"..
وسبباً في استغفار الملائكة "سبعون ألف ملك يستغفرون للزائر والمزور" هذا إذا التزمنا بآداب الزيارة وحدودها وإلا فإنها ستتحول إلى إثم وخطيئة.
ومن الملاحظ أنها أصبحت هماً ثقيل وشبحاً مخيفاً وأمراً يقلق راحة الناس بسبب قلة الذوق:
يزورك على غفلة دون موعد، وقد يبكر من صباح الصبح وكأنه " رايح رحله" "وشعرك منكوش وفرشك منفوش وعادك بعد النوم مربوش" ومن الذوق أن تأخذ موعد " أو ننبه " قبل الزيارة, واختيار الوقت المناسب.. وآخر يزور مريض "ويزيده فوق المرض مرض " يدخل ما عد يخرج، ويجلس ما عد يقوم، ويتكلم ما عد يسكت" وعياله السبعة طبعاً برفقته.. ومن الذوق أن تخفف في زيارة المريض، وأن لا تصطحب الأطفال معك وبعض الناس يزورك كل يوم مرتين وكأنه دوام، وفوق هذا يريد أن تجلس معه ولا تقصر في واجب ضيافته.
والناس معاهم أشغال وأعمال ومن الذوق مراعاة ذلك " والمثل يقول زر غباً تزدد حباً" أو اعتبر نفسك واحداً من البيت ولا تبحث عن مراسيم الزيارة.
وبعض الضيوف الله "لا سامحهم" لا يقدر مشاعرك ولا يتفاعل معك، فإذا قدر الله وحدثت مشكلة أو وصلك خبر مصيبة، كأن الأمر لا يعنيه" لا يعينك ولا يهدئ من روعك.
واذكر ذات يوم أن إحدى ضيوفي كانت تحدثني وأثناء حديثها هبت ريح من البلكون دفعت الباب وأغلق على يد ابن أخي الصغير بقوه حتى كادت يده تنقطع، وانتفض البيت عن بكرة أبيه وأنا أولهم، وهي كما هي,لم تحرك ساكناً, أقسم بالله كأنه لم يحدث أمامها شيء..
ونعلم أن من حق المسلم على المسلم إجابة الدعوة ولكن المشكلة في الضيف الذي تعزمه ويعزم جنبه ستة سبعة من جيرانه وبعض معارفه " وصاحب العزومة مش عامل حسابه" ومن الذوق أن لا تفعل ذلك إلا أن تستأذن.. وضيف يكلفك فوق طاقتك، يشتي طقوس معينة للجلسة، وأكل مخصص، ودرجة الحرارة معتدلة وشيشة وكركديه، وتخرج أطفالك الشارع، لأنه ما يحبش الإزعاج.
ومن الذوق أن تكون ضيف خفيف لا تشترط ولا" تتخور" ولا تحتقر ما يقدم لك " يعني تأكل الحاصل".
لا سامح الله الصينيين:
يحكي القاضي محمد العمراني
أن امرأة فقيرة كانت تسكن حجة وكان لها قرابة يطمئنون عليها بالمراسلة، ولا يستطيعون زيارتها، لأن الطريق بين حجة وصنعاء وعرة جداً وغير مرصوفة، وبعد فترة رُصف الطريق بين حجة وصنعاء على أيدي الصينيين، وأصبحت الطريق سهلة, فأصبح قرابتها يأتون إليها كثيراً ويحتاجون إلى ضيافة وليس عندها شيء لفقرها، فكانت تستقبلهم قائلة" أهلاً وسهلاً, لا رحم الله الصينيين".
خليك ذواق:
وعاد الضيف الحساس يعمل لكل كلمة ألف حساب " فإياك تقول للقط بس" وإياك تقول " مدري أين ضاعت الورقة" " بايشل نفسه ويخرج".
وهذه الأفعال طبعاً من قلة الذوق، ولكن خليك ذواق والتمس العذر، وتغافل، لأنه أكيد ما يقصدك، وأنت خليك ذواق ما تبحث عن المفقودات.
أما زيارة أم العيال ، التي تزورك مع قطيع من أطفال هم أشبه بتسونامي أو مثل " التتار" ومع ذلك أمهم هادئة لا تهش ولا تنش، مهما دمروا وحطموا وأحرقوا.
كما أنه من الذوق أن يكون للزيارة وقت محدد " يعني مش توسح من الساعة واحده للساعة عشر بالليل".
ومن المتعارف عليه أن وقت الزيارة عندنا في اليمن يبدأ من الرابعة وينتهي بعد المغرب إلا إذا طلب منك، أو حسب عادات وتقاليد المضيف.
ومن الذوق أن لا تتدخل في شؤون أهل البيت، ليش الرنج "مقرش" والحمام بابه مكسور، والغرفة هذه جنب الباب، وكما قيل لا يجوز للضيف أن يسأل صاحب المنزل عن شيء من داره سوى القبلة وموضع قضاء الحاجة.
ومن الذوق أن تجلس في المكان الذي يختاره صاحب البيت، وليس المكان الذي يعجبك.
ومن الذوق أيضاً أن لا تخرج أسرار البيت الذي دخلته،لأن البعض إذا زارك وصادف وحصلت مشكلة أثناء تواجده " ما شاء الله عليه ينقل الخبر ولا الجزيرة مباشر".
وللحديث بقيه إن شاء الله
تابعونا يا أهل الذوق
أحلام القبيلي
الذوق الغائب الذي نفتقده "1" 3009