قلنا في مقال سابق إن الأخلاق هي الترمومتر الحقيقي لقياس الإيمان, وإن الإيمان يخلق الأخلاق وينميها ويعتني بها ويرعاها وإن الدين المعاملة والدين حسن الخلق وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا..
وسنكمل حديثنا في هذا العدد بقاعدة أتمنى أن نحفظها ونضعها دائماً نصب أعيننا ونقيس بها درجة إيماننا, والقاعده تقول:"من علامة الإيمان السكينة والاطمئنان" فالمؤمن صبور هادئ, ساكن،مطمئن, لأنه موقن بربه, يرتجي منه حسن الجزاء ويعلم أن الحياة الدنيا دار ابتلاء والآخرة خير وأبقى, فإذا حاصرته النوائب وحلت به المصائب وانقطعت به السبل قال " كلا إن معي ربي سيهدين" وإذا تكالب عليه الخصوم وحاصره الأعداء قال" ما ظنك باثنين الله ثالثهما" وإذا هدده أخ بالاعتداء قال " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك "وإذا تعرض لاعتداء ظالم قال "فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.."
والمتأمل في أحوالنا يجد أننا نفتقد للسكينة والاطمئنان, والكل عايش على أعصابه ونفسه برأس نخرته ومش طايق حاله وممكن ينفجر في أي لحظة ولأبسط موقف.
الآباء مع الأبناء والزوج مع الزوجة والزوجة مع الزوج وزوجة الابن مع أم الزوج، الجار مع جاره والمعلم مع تلاميذه والمدير مع عماله وأحياناً الإنسان مع نفسه, بل ومع ربه فتجده إذا أصيب ببلاء ليرفع الله قدره أو يكفر سيئاته انفجر وقال معترضاً " ليش يا رب، ايش عملتو" واعترض وتبرم وانزعج، وانقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة،بل إننا أشبه ببالونات منفوخة معرضه للانفجار من أبسط شوكة.
والأخطر أن البعض أشبه بقنابل شديدة الانفجار, إذا تحاورنا انفجرنا وإذا تناقشنا انفجرنا وإذا تناصحنا انفجرنا " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم"..يقع الطلاق لأبسط موقف, ربما لقلة الملح أو زيادته في الطعام ويقتل الأخ أخاه من أجل عودي قات أو ممر أو منافس للبيت..ترى الجيران يعيشون في وئام وسلام، متزاورين متحابين, فإذا ما وقع خصام بين أطفالهم قامت الحرب العالمية العاشرة وانفجروا جميعاً وتنفجر الأم في ابنتها التي انُهكت في العمل المنزلي لمجرد أن كأساً زجاجياً انكسر أثناء غسله..وتقطعت الأواصر بين الإخوة لأن زوجة أحدهما سمعت زوجة الآخر تقول كلمات ظنت أنها توجهها لها وانفجر الجميع وتقطعت حبال الود..
وفي هذه الأحداث التي نمر بها اكتشفنا أننا مجرد بالونات منفوخة, بل وقنابل موقوتة تنفجر لمجرد الاختلاف في الرأي, تنفجر لمجرد وجهة نظر لم ترق لي.
أرجوك لا تنفجر:
ومن الطبيعي حدوث الخلافات بين الناس والنزاعات والمشاكل, والغضب صفه إنسانيه وكما تقول أمي" ما يتشاتموا إلا الأحياء" وهذا شيء طبيعي, لكن المرفوض أن يعيش الإنسان بأعصاب متوترة ويخالط الناس وهو أشبه بقنبلة إذا لم يكن ببالون, يثور لأبسط المواقف وينفجر فيهتك الأستار ويكشف الأسرار، ويقول ما لا يجوز أن يقال, يعني بالعامية " يقشع" فما عاد يذكر وداً ولا يرعى عشرة ولا يخاف الله ولا يستحي من الناس..فهناك كلام لا يجوز أن يقال مهما بلغت شدة الخلاف والصراع وهناك تصرفات لا يجوز أن تفعل كأن تتهم إنساناً في عرضه أو تمن عليه بعطية أو تعايره برزية..
" ولا تنسوا الفضل بينكم"
وهل تصدقوني إذا قلت لكم إني سمعت أماً تقول لابنتها أثناء مشادة حدثت بينهما " أحسن لك كما شفضحك" وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء أكثر أهل النار ولما سئل عن السبب قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت : ما رأيت منك خيراً قط".. ولم يعد هذا الخلق الكريه المفضي إلى النار صفة نسائية أو يخص العلاقة الزوجية فقط, فقد أصبح سمة سائدة في كل العلاقات الإنسانية في الرجال والنساء، يحسن الواحد إلى الآخر دهراً فإذا ما رأى منه سيئة واحدة قال: ما رأيت منك خيراً قط.
وهذا ينطبق على الجميع, فكل من يكفر الصديق أو القريب أو الجار لاشك أنه سيجازى بما أخبر عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
إذن:
الغضب شيء طبيعي وصفة إنسانية, لكن الغير طبيعي أن تغضب فتنفجر كقنبلة نووية.
شعرة معاوية انقطعت:
يقول معاوية رضي الله عنه: "لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت, إذا شدوا أرخيت وإذا أرخوا شددت".. وها نحن نفتقد شعرة معاوية في معاملاتنا, لأن كل طرف يشد من جهته, وكل جماعة مصممة على رأيها والنتيجة تنقطع الشعرة ونجلس "صُلع".
هؤلاء قدوة:
أم نواف ربما كانت هي المثال الأبرز في الأزمة التي مرت بها البلاد وكانت قدوة يحتذى بها، فلا جدال ولا مجادلة، واحترام للرأي الآخر وحسن أسلوب في التعبير عن الرأي حتى قلت لها لو أن كل الثوار حذوا حذوك ما بقي إنسان واحد يؤيد النظام السابق أو يتعاطف معه.. فلها كل التحايا والسلام.
أحلام القبيلي
أرجوك لا تنفجر 2617