مشكلتنا في التعليم والتربية والتوجيه والإرشاد وفي جميع مجالات الحياة أننا نبدأ مع الناس من حيث انتهينا،
الآباء مع أولادهم، المعلمون مع تلاميذهم، الدعاة مع المدعوين، فنجد الآباء دائمي التذمر من أبنائهم ولا يكفون عن توجيه الانتقادات على أفعالهم ولا يسأمون من سرد قصصهم ورواياتهم "إحنا كنا زمان مؤدبون وأذكياء ومواضبون، إحنا كنا زمان من البيت للمدرسة ومن المدرسة للبيت، إحنا كنا زمان ما نعرفش المعاكسة، إحنا وإحنا وإحنا".. ولو فتشنا في ماضيهم أو سألنا عنه لوجدناه مليئاً بالمغامرات والحكايات والروايات المؤسفات. أختي الأصغر مني على قدر ضئيل من الذكاء المدرسي وكانت تنجح بالدهفة ولكنها تشدد على ابنها وتعاقبه إذا لم تكن درجاته عالي، فقال لها يوماً وقد شددت عليه:" اسكتي ما احد قد فعل حفلة للرسوب غيرش" أما أختي الصغيرة فدائمة التذمر وتقول:"لما وصلتم لا عندنا اتمطوعتم".
وفي الدعوة نجد أن احد أهم أسباب فشل الدعوة هو مخاطبة الناس ودعوتهم من حيث انتهينا.. ذات ليلة اتصلت بابن أختي وفي ساعة متأخرة من الليل وكان يسمع الأغاني فقلت له: تسمع أغاني قال لي: "يا خالة أنا ما أصليش وأنت حسش عند الأغاني" وسمعت إحداهن عاتبة وغاضبة على أخرى، لأنها تحتفظ بصور خطيبها وتستنكر هذا الفعل بشدة وتقول: يا الله كيف يقدرين يفعلين هذه الحاجات؟ بنات هذه الأيام ما يستحينش" وأنا اعلم عن هذه المستنكرة أن الشاب الذي كانت تحبه يحتفظ بكم هائل من صورها أيام الخطوبة التي أعطته هي حتى لا تزوغ عيناه إلى غيرها كما صرحت لي هي آنذاك، أنا لا أقصد بهذا الكلام التساهل في الأخطاء وعدم إنكار المنكر، لكني أقصد الرفق في النصح وعدم التشديد والتضييق وإياك والاستهزاء والشماتة ومراعاة الزمان والمكان واختيار الأسلوب المناسب، لابد أن نعلم أن لكل سن حكمه كما يقولون ولكل مرحلة سلوك، فلا تطالب ابنك المراهق بما تشعر به أنت في مرحلة الكهولة والشيخوخة ولا تبدأ مع الناس من حيث انتهيت.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
أحلام القبيلي
لا تبدأ مع الناس من حيث انتهيت 2257