sraeed@gmail.com
مع استمرار حالة الانفلات الأمني التي تشهدها بعض محافظات الوطن إن لم يكن الكل ، ومع تزايد القتل والتخريب والسلب والنهب، تشتد عوامل الضغط على الدولة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها، وتبرز الحاجة إلى مناقشة علاقة الأفراد بالدولة، خاصة بعد أنّ تغيرت الكثير من المفاهيم وانقلبت الرؤى التي تحكم أطراف العلاقة، حتى غدا القانون في نظر بعض الخارجين عليه في إجازة، وهذا يطرح علينا تساؤلات كثيرة حول علاقة الدولة الحديثة بأفرادها، هل هي علاقة إيجابية أم سلبية؟ هل هي علاقة السيادة والشرعية بالطاعة والتابعية؟ أم أنها علاقة مسؤولية جماعية يشعر فيها الجميع أنهم سواء؟ وكيف تبدو علاقة التربية بالدولة؟ وما الدور الذي ينبغي أن يناط بالتربية تجاه الدولة؟ وهل استطاعت النظم التربوية والعقلية العصبية أن تضع أطراف المعادلة في أُس بناء الدولة؟ أم أن النظم لم تستطع مواكبة بيئة الأفراد فغدت في وادٍ والأفراد في واد آخر؟ وأين التربية القويمة التي تنطلق من تعاليم ديننا الذي علم البشرية أُصول التسامح والعدالة؟ لماذا تستورد نظريات لا ترتبط بواقع مجتمع لا يفرق بين الغرم والغنم والعصبية؟ وهل خرجت أي دولة في العالم عن هذه القاعدة؟ الدولة القبلية والدولة المدنية والدولة الإمبراطورية، وإن كان هناك من اختلاف فهل هو في مفهوم العصبية؟ وهل استطعنا استبدال العصبية بمفهوم المواطنة، الذي تقوم فكرته على تجريد المواطن من العصبية الدموية إلى المواطنة التي تسير بالقوانين والأنظمة؟..
ما يقارفه بعض الناس من محاولا ت تستهدف تقويض القانون، وفرض شروطها سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات يفرض على الدولة والغيورين أن يقفوا وقفة واحدة لفرض هيبة الدولة والقانون على الجميع مهما كان وزن الأفراد والجماعات، خاصةً أنّ سيادة القانون وتعزيز الهندسة الاجتماعية في وقت تتعالى فيه الأصوات الناقدة والجريئة ضرورية وأساسية لمعرفة تحولات علاقة الدولة بأفرادها، إذ تزداد غموضاً وضبابية حين تزداد احتمالات فرض السلطة على الأفراد تحت قناع شرعية القوانين، وهو أمر يتقاطع مع الدور المنوط بالفرد من أنه هو المصدر الأخلاقي لشرعية الدولة، وهو ما يسمى في الفقه القانوني بالقوة الباهتة، ولذلك لا ينبغي أن تنطلق العلاقة من تجريم الجميع دون وجه حق، وإدانتهم بأنهم غير منتمين، أو أنهم يعارضون القانون وسيادة الدولة ويرفضون هيبتها، وهذا أمر غير معقول، لأن بنية الأفراد وثقافتهم وبيئاتهم متباينة، وبالتالي لا بد من التمييز بينهم في هذه العلاقة ومعرفة الأبعاد الشخصية لهم، وعدم الإفراط في استخدام اللغة العنيفة وأساليبها في مجتمع لا يعرف فيه طرفا المعادلة الفرق بين الإلزام والالتزام، وهل يحق لفرد ما أن يطالب آخر بالانتماء والولاء دون أن يعرف هو ما هو الانتماء والولاء؟ أو يطالبه بصدق النوايا دون أن يصدق معه بصدق النصيحة كأساس للإخلاص، أو يطالبه أخر بالقيام بواجباته دون أن يقوم هو بها في الأساس؟ والحرية ما مقياسها؟ والديمقراطية أين حدودها؟ ولا نرغب أن يتعرض الأفراد للعقاب دون أن يعرفوا واجباتهم وحقوقهم ومسؤولياتهم.. ولذلك إذا أردنا أن نمضي في بناء هندسة اجتماعية قائمة على السلم الاجتماعي لا بد أن يشعر الناس بحدود الحرية، وأن يعرفوا الفرق بين القول والفعل، لأن إشعار الناس بما ينبغي لهم فعله هو أضمن لحريتهم, لأنهم يعرفون عند ذلك ما يجب أن يفعلوه.
إذاً، لا بُدّ من تغيير وعي الناس لعلاقتهم بالدولة والتحول بهذه العلاقة من الاتكالية إلى تحمل المسؤولية، وهذا يتطلب عملا تربوياً كبيراً لتزويد الأفراد بهذه الرؤية الجديدة للذات وللعلاقة مع الدولة، وهنا لا بد للدولة من القيام بمهامها التشريعية التي تحقق العدالة والمساواة بين المواطنين، وزيادة الخدمات التربوية والصحية والاجتماعية وتحسين وسائل الحياة والتمدن والتعاون والاستقلال الثقافي، ودون ذلك تبقى العلاقة مضطردة وغير طموحة، وحين تتحقق هذه المهام يعرف الفرد مسؤوليته التي يجب أن تنحصر في كفايته وجديته ودقته والتزامه بالعمل والمواعيد وقيمة الوقت والصدق والعقلانية والتحرر من التقاليد البالية والولاءات الفئوية والإقليمية والعصبية القبلية والواسطة والمحاصصة والجغرافية والنفاق بكل أشكاله، والتخلص من العصبية التي تنافس خط التقدم والإنتاج والمواطنة، وربط المواطن بالإنتاج لكي تستقيم العلاقة بين الطرفين الأفراد والدولة، نعم لفرض هيبة الدولة، نعم لمناقشة علاقة الدولة بأفرادها في ظل ربيع عربي قاس لا يعرف الفرد فيه رأسه من قدمه!.. إن الأهم هو إقرار استراتيجية لإعادة هيبة الدولة في كل شبر على أرض هذا الوطن، ومهما كان الثمن غالياً, فهذه الهيبة سوف تدفع الدولة للحركة إلى الأمام و سوف يمنح الأمن المستمد منها المئات والآلاف من فرص العمل وسوف يصبح الاستقرار المستمد منها أرضاً ووسطاً ملائماً لحل كل المشكلات السياسية و الاقتصادية.
رائد محمد سيف
معاً للحفاظ على هيبة الدولة!! 1696