للباحث العقيد الركن/ سليمان مبارك حسين القيسي
كنا في الحلقة الأولى قد تناولنا مفاهيم ومداخل الإصلاح الإداري وبيان أهميته والتعريف به وأهميته وخصائصه والفرق بين الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية وكان لها صدى من قبل قراء الصحيفة من الزملاء، ويسرني في الحلقة الثانية التعرض لعدد من المواضيع كدواعي وأسباب الإصلاح الإداري في الجهاز الإداري العام للدولة وتطبيقاته في وزارة الداخلية والصور المتعددة للتخلف الإداري ،وكذا الفساد الإداري، إذ أن الحلقة الثانية سيتم فيها استعراض العوامل الداخلية والعوامل الخارجية للإصلاح الإداري العام.
أسباب الإصلاح الإداري في الجهاز الإداري العام للدولة وتطبيقاته في وزارة الداخلية:
فيما سبق أوضحنا تعريف الإصلاح الإداري وبيان أهميته ومداخله ثم ميزنا بين الإصلاح وغيره من المفاهيم الإدارية المشابهة. وعرفنا أن الإصلاح يتناول الجهاز الإداري ببيئتيه الداخلية والخارجية لكشف المشاكل والمعوقات وتطهيره من الأمراض وإعادة التوازن وإكمال النقص واستمرار فعالية وكفاءة الجهاز الإداري عن طريق تنمية قدراته وإمكاناته المختلفة وفي هذا المطلب سنحدد ما هي العوامل والأسباب الداخلية والخارجية التي دعت إلى الأخذ بالإصلاح الإداري في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: الأسباب الداخلية للإصلاح الإداري العام.
الفرع الثاني: العوامل الخارجية للإصلاح الإداري العام.
الفرع الأول:
الأسباب الداخلية للإصلاح الإداري العام
الإدارة تجمع بين العلم والفن، فهي علم في كيفية استغلال الإمكانيات المتاحة، وفن في كيفية التعامل مع العاملين وتوجيههم وتحفيزهم، فقد تواكب الإدارة كعلم العلوم الأخرى، كنتيجة حتمية للتطور والتقدم فتقضي بذلك على صور التخلف والتأخر عن الجديد في الأساليب والوسائل والطرق والنظم والتنظيمات أو تظل على ما هي عليه دون حراك، كما قد يحدث العكس، ولكن انحراف عقلية القائمين عليها يجعلها تنحرف عن المسار الصحيح والأداء الجيد فكلاهما وجهين لعملة واحدة، وكأن الإدارة لم تتقدم نحو الأمام خطوة واحدة، فالأسباب الإدارية تنبع من داخل الجهاز الإداري، ومرجعها في ذلك الإدارة، أو الإنسان أو كلاهما معاً، فالأولى تمثل تخلفاً إدارياً والأخيرة الماثلة في الإنسان فقط فساد إداري وسنوضحهما بشيء من التفصيل على النحو التالي:
< أولاً التخلف الإداري
وهو يعني عدم قدرة الجهاز على تنفيذ السياسات الموضوعة وعدم الوصول إلى الهدف المنشود وله صور متعددة، نذكر منها ما يلي:
أ- التخلف في البناء التنظيمي
وهو البناء أو الإطار الذي يحدد الإدارات والأجزاء الداخلية فيها، وكذلك التنظيم الحي الذي يتحرك ويتفاعل بعناصره المختلفة من أجل تحقيق الأهداف، فهو عبارة عن إطار شامل محدد فيه الوظائف ومواصفات شاغليها وتقسيمات العمل والمهام والاختصاصات والمسؤوليات، كما يبين نطاق الإشراف والرقابة وخطوط وقنوات الاتصال والعلاقات داخل التنظيم، فيعود التخلف فيه لأسباب متعددة ومنها أن الهياكل قديمة ولا تساير الحاضر، وكذلك لوجود الاختلال الهيكلي بين المهمة العامة ووسائل تنفيذها وعدم وجود التناسب بين وحدة وأخرى ، وعدم تحديد الاختصاصات والصلاحيات ونطاق المسؤوليات، مما أدى إلى عرقلة العمل وتكدسه في مفاصل إدارية معينة وعدم القدرة على تحديد قنوات المسؤولية، وهذا فعلاً يتم في ظل غياب الهياكل واللوائح المنظمة لمصالح وإدارات وزارة الداخلية أو لقدمها وعدم العمل بها.
مع أن غياب البناء التنظيمي لأي إدارة يؤدي إلى عدم التحكم في أعداد الموظفين ومعرفة الاحتياجات المطلوبة منهم للأعمال.
أو إلى زيادتهم وتكدسهم في مكاتب أو إدارات معينة، وعدم الاستفادة منهم في العمل في المناطق البعيدة والنائية، كما يجعل من العمل ناقصاً ومشلولاً نظراً لما يصيبه من التداخل في الاختصاصات والتهرب من المسؤوليات وارتفاع طلبات النقل أو الإحالة إلى جهات أخرى خارجية وتضارب الآراء والقرارات وتكرارها.
وهذا ما هو إلا كنتيجة للبناء التنظيمي الضعيف أو المفقود أو الفاشل والغير قادر على تحقيق الأهداف ومجالات التوسع أو التقدم وتلبية الاحتياجات.
ب- التخلف في النظم القانونية
ويقصد بها، مجموعة القوانين واللوائح التي تحكم الوظيفة، من خلال ما تحدده من واجبات وصلاحيات وحقوق والتزامات لكل وظيفة وشاغلها والأداء الجماعي العام.
والتخلف فيها إما يعود إلى "استمرار بعض القوانين ذات الطابع الشمولي والغير ديمقراطي، وغياب اللوائح التفسيرية والتنفيذية والأدلة الإرشادية أو إهمالها إن وجدت وضعف التوعية القانونية لدى الموظفين، وإن وجد بعض منها مازالت فاعليته محدودة لم يؤد الدور المطلوب منه لقيامه بدون دراسة مسبقة لحاجة العمل الفعلية أو متطلبات إنجازه.
فكثيراً ما يحدث قصور تشريعي في بعض القوانين لكونه لم يعد على أساس حاجة العمل أو لكونه يعتمد على النظرة القريبة دون البعيدة وبالتالي يشكل هذا القصور فجوة يمكن التحايل على الأنظمة والقوانين النافذة من خلالها، واستغلال القانون بطرق مشروعة.
بالإضافة إلى ذلك التمسك الحرفي بالقانون أو اللائحة إن وجدت من قبل العاملين مع أن العبرة ليست بالقانون ولكن بمن ينفذه ومدى إدراكه الواسع لأهدافه وعدم مسايرته للظروف والأحوال عند التطبيق والبعد عن تكييفه حسب الوقائع والأحداث والتمشي مع روح القانون وليس حسب منطوقة.
ج: التخلف في إجراءات العمل وأساليبه
ويقصد بالتخلف في إجراءات العمل ميل طرق العمل إلى التعقيد وعدم التبسيط وكثرة حلقات المراجعة والتدقيق والتي تنعكس في كثرة التوقيعات وتشعب القنوات.
وتتمثل أيضاً في سوء تصميم النماذج والاستمارات والسجلات وتمسك العاملين بالروتين، والأمثلة على ذلك كثيرة مثل استمارات صرف أرقام سيارات، وبطائق الضباط، واستعادة مرتب في حالة وقف أو انقطاع، استمارات المواليد، وشهادات الوفاة.
وأغلب هذه الإجراءات شكلية لا لزوم لها وتؤدي إلى المغالاة في التطبيق وطول الوقت في أداء العمل وعرقلة وإهمال الأعمال والمعاملات وتكدسها وصعوبة البت فيها وإضاعة حقوق الآخرين.
وهذه الإجراءات موروثة من أنظمة سابقة أدت إلى نفور المواطن وتشويه صورة رجال الشرطة لديه، وهروبه من أداء واجبه في التعاون مع الأجهزة الأمنية، كما قضت على روح الإبداع والابتكار لدى الموظفين.
أما التخلف في أساليب ووسائل ومعدات العمل فيتمثل في عدم إدخال أجهزة الحاسوب الآلي، "الكمبيوتر"، في معظم أجهزة الشرطة، وقلة الإمكانات واستخدام الأدوات والمعدات الاستخدام غير الأمثل والإسراف فيها، بالإضافة إلى استعمال السيارات والتلفونات للأغراض الشخصية.
د. التخلف في التخطيط
والتخطيط هو ربط الحقائق ببعضها ومعرفة القروض المتعلقة بالمستقبل ووضع الاقتراحات بشأنها والدراسات النظرية تؤكد أن أسباب قصور أجهزة التخطيط في إعداد الخطط والاستعداد للمستقبل يعود إلى "انشغال القيادات العليا عن مسؤولياتها في التخطيط وعدم مشاركة القيادات التنفيذية عند وضع الخطط أو تهميش دور أجهزة التخطيط وهدم الخطط باللجوء إلى القرارات الفجائية.
كما أن صعوبة المعلومات والبيانات وقلة الإمكانيات يؤدي إلى فشل الخطط أو التخطيط للمستقبل، فمشكلة التخطيط تعتبر مشكلة أساسية تعاني منها أغلب الأجهزة، فبعضها لا يسير وفقاً للخطط المرسومة، وإنما بصورة ارتجالية، وقد يوجد التخطيط ولكن سوء التنفيذ والمتابعة والمكاسب الشخصية تؤدي إلى فشله.
ه. التخلف في الرقابة والإشراف:
وذلك لكون أجهزة الرقابة ضعيفة ولم يعط لها الدور اللازم الذي تقوم به، كما أن ضعف مستوى الإشراف يكون نتيجة لغياب نظام الضبط والربط في الخدمة وضعف نظام التأديب.
ويعود أيضاً الضعف في هذه الأجهزة لكون "أغلب المخالفات تأتي من الرؤساء الإداريين أنفسهم أو تماديهم في ارتكاب المخالفات، وخوفهم من تشجيع أجهزة الرقابة وذلك حتى لا يقعوا في مصائدها، بالإضافة إلى وجود الروابط والعلاقات الشخصية والعائلية والحزبية بين الرئيس والمرؤوس والارتباط بالمصالح المشبوهة.
< ثانياً: الفساد الإداري:
ويقصد به "استغلال الوظيفة العامة للصالح الشخصي أو الخاص"، والفساد هو ناتج عن فعل الإنسان وله صور متعددة وهي كالتالي:
1- تركيز السلطات وعدم تفويضها من قبل القيادات العليا خوفاً منها على مكانتها وهيبتها وعدم ثقتها في قياداتها ومرؤوسيها التنفيذيين ولحب الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة.
2- سيطرة المصالح الشخصية بين الرئيس والمرؤوسين وتسخير التنظيم نحو تحقيق مصالح ومكاسب شخصية وتقريب الشخصيات القادرة على التملق والنفاق للرؤساء.
3- التغيير في حركة نقل القيادات من إدارة إلى أخرى أو من جهاز إلى آخر دون أن يكون منيناً على أسس صحيحة وعملية مدروسة، وهذا بدوره يؤدي إلى تأثير كبير على العاملين والعمل وعلى خدمات ومصالح المواطنين، أضف إلى ذلك ما تحدثه القيادات الوافدة والجديدة عند وصولها من تغييرات في صفوف العاملين، بالقضاء أو عدم إسناد أعمال إلى بعضهم وتقريب المقربين وتعيينهم في الوظائف.
4- تفشي ظاهرة الغياب والتأخير عن العمل والسلبية واللامبالاة وظهور أعراض الشللية والطائفية والمناطقية داخل صفوف الأجهزة منية، وكذلك عدم الجلوس في المكاتب والتسكع والتجول من مكتب إلى آخر أو الانشغال بمتابعات للآخرين في إطار إدارته.
5- تفشي ظاهرة الإدارة بالكلام وبالتقليد والمراوغة وظهور أصناف قيادية تدير أعمالها من منازلها وليس من على كراسيها.
6- شعور بعض الموظفين بأن الوظيفة العامة حق مطلق وأن الانضباط والأداء الوظيفي المسؤول واجب سلبي وإهمال التدريب.
7- عدم نزاهة الموظف أدت به إلى سرقة المال العام واستثماره بطرق غير مشروعة، ولغير صالح العمل، أيضاً ما يجنيه من أموال وأرباح من وراء وظيفته فلا يتخذ قراراً ولا يؤدي خدمة إلا بمقابل.
وتفشي ظاهرة الرشوة وعرقلة المعاملات وإطالة الإجراءات من أجل الحصول عليها.
ي- بالإضافة إلى أن مقياس الأداء لا يتوقف على معايير عامة جزاءاً أو ثواباً بقدر ما يخضع لنوع العلاقة والحماية بين الرئيس والمرؤوس، مما أدى إلى أداء الأعمال من قبل الموظفين بدون إخلاص وتفان وسيطرة شعور الضجر والملل عليهم عند أدائها، فلم تعد للعمل قيمته ولم يعد العامل يحترم عمله بل إن ما حدث فيه من خلل وما اعتراه من فساد وانحراف أصبح عامل إحباط للمخلصين والجادين.
وهذه هي مجمل صور الفساد الإداري التي ترتكب من قبل العنصر البشري داخل الجهاز الإداري والتي تؤثر على الأداء، إلى جانب ما ذكرناه من أسباب ومشاكل ومعوقات في البناء التنظيمي والنظم القانونية ووظائف الإدارة والتي أطلقا عليها مصطلح التخلف، وسوف نوضح في الفرع التالي أهم العوامل الخارجية المؤثرة على الجهاز الإداري العام ووزارة الداخلية بشكل خاص.
الفرع الثاني:
العوامل الخارجية للإصلاح الإداري العام
الجهاز الإداري نظام مفتوح، يؤثر ويتأثر بالعوامل الخارجية المحيطة به، وتتميز هذه العوامل بالتغير المستمر وهذا أدى إلى قصور أو خلل في نتائج الأعمال كنتيجة حتمية للعوامل الخارجية وما تعانيه من عوامل داخلية، ومن هذه العوامل:
< أولاً/ الحالة الاجتماعية
تعتبر الحالة الاجتماعية لأي مجتمع وظروفه الثقافية والاقتصادية من أهم العوامل المؤثرة على قطاع الشرطة، بالإضافة إلى التطوير والتوسع وجغرافية المدن والبلاد، فالإدارة تتأثر بالمجتمع الذي تعايشه وبما فيه من عادات وتقاليد وقيم ومعتقدات وبمدى الوعي الثقافي والحالة الاقتصادية السائدة فيه.
ومن أهم مظاهر الفساد الاجتماعي في الجهاز الإداري ما يلي:
1- الوساطات في التعيين وجهل الموظف لأعباء وظيفته وعدم درايته بكيفية القيام بها أدى إلى تملقه لرؤسائه وكسب عطفهم بطرق أخرى غير طرق العمل، فهي قضية إدارية أفرزتها ظروف اجتماعية مختلفة، وأوصلت الرجل غير المناسب إلى المكان المناسب والرجل المناسب إلى المكان غير المناسب، بالإضافة إلى أن جهله بقواعد وقوانين الوظيفة جعله إما أن يتجاوز القانون أو يضعه جانباً ويتصرف من تلقاء نفسه دون مستند قانوني لتصرفه.
2- تفشي الأمية في المجتمع، حيث تصل نسبتها إلى 66- 6% من إجمالي أعداد السكان الذين أعمارهم من عشر سنوات فأكثر، وكذلك زيادة حجم السكان ومعدلات النمو أدى إلى نقص الوعي القانوني لدى المواطنين وعدم احترامهم للنظام، وأوصلت إلى الأجهزة الإدارية الأفراد الأميين للعمل داخل مختلف القطاعات دون الاهتمام بمؤهلاتهم العلمية وكذلك صعوبة مجاراة التوسع الهائل في الانفجار السكاني.
3- الاستعمار، وكذلك الإمامة رسخا في قلوب الناس الخوف من الموظف، نتيجة لبطشهم بكل من يعارضهما أو يقلل من شأنهما مما أدى إلى عدم مجابهة الموظف بأخطائه ومخالفته وصلفه وغروره في أداء وظيفته، كما أساء إلى صورة رجل الشرطة عند المواطن.
4- قلة الوعي الثقافي والاجتماعي أدى إلى انتشار بعض العادات الشعبية، وأظهرت مخالفات متعددة في صفوف أفرد المجتمع، ومنها على سبيل المثال جرائم الثأر وحمل السلاح وخاصة داخل المدن وجرائم التقطع والنهب، أضف إلى ذلك سعي بعض الجهات المعادية إلى استغلال بعض الفئات أو الأفراد للقيام بأعمال مخلة بالأمن.
5- تدهور الظروف الاقتصادية، وما رافقها من غلاء في المعيشة وعدم استقرار أسعار الصرف، مضافاً إلى سوء توزيع الدخول وأوجه الإنفاق جعل من جرائم السرقة والاختلاس والرشوة تطغى لدى الموظفين وأصحاب المصالح.
6- تدني مستوى الأجر الذي يتقاضاه الموظف وعدم التناسب بين المرتب وعمل الوظيفة، بحيث لو أتيحت له الفرصة لدى القطاع الخاص لحصل على دخل ورواتب أكبر من ذلك، علاوة على ذلك سوء توزيع المكافآت والحوافز، والنقص في الرعاية الطبية والغذائية والسكنية، ساعد كل ذلك في إهمال الموظف لوظيفته وسعيه للحصول على المال بطرق غير مشروعة.
وتساند العوامل المذكورة آنفاً عوامل أخرى جغرافية وبيئية متعددة منها اتساع مساحة الشريط الساحلي وتنوع الجرائم باختلافها من منطقة إلى أخرى.
< ثانياً: الحالة السياسية
يعزى بعض كتاب الإدارة مشاكل الجهاز الإداري إلى أنها في حقيقتها مشاكل سياسية وربطوا بين الحاجة إلى الإصلاح وهذه العوامل من أمثال مونتجمري وكيدن.
ونحن نشاطرهم الرأي إذا كان المقصود من ذلك هو تسييس الإدارة وإخضاعها لنظام الغنائم الحزبية، أما كونها أداة تنفيذ السياسة العامة، فهذا يخالف الواقع ويجافي الحقيقة، لأن العملية السياسية لا غنى لها عن الإدارة، بالإضافة إلى عدم إغفال العوامل الأخرى سابقة الذكر.
ووزارة الداخلية كأحد الأجهزة التنفيذية للدولة على علاقة مباشرة بالقيادة السياسية وبالسياسة نفسها، وهناك عدة عوامل سياسية أثرت عليها وشوهت صورة العمل الأمني لدى المواطن.
ومن أهم هذه العوامل ما يلي:
- عدم الاستقرار السياسي خلال الفترات الماضية نتيجة التآمرات الداخلية والخارجية لأعداء الوطن والثورة والوحدة، وكان آخرها إشعال نار الفتنة والدعوة إلى التشطير من خلال الحرب التي قادها الانفصاليون الخونة، بالإضافة إلى ما خلفته هذه الحرب من مآسي، ودمار أضف إلى ذلك استغلال بعض القيادات الحزبية لمناصبها، كل ذلك أثر سلباًً على عمل جهاز الشرطة وتهميش دورها ودعم الخارجين على القانون للنفاذ من خلالها إلى مآربهم الشخصية والحزبية.
كما شكل الدمج لأربعة أجهزة كانت قائمة قبل الوحدة في وزارة واحدة عبئاً ثقيلاً وموروثاً تاريخياً وأمنياً يصعب على جهاز واحد بإمكانياته المادية والبشرية المحدودة تجاوزه، وهذا ما حصل بالفعل بعد قيام الوحدة.
ويشير كتاب وعلماء الإدارة إلى عودة عوامل سياسية تؤثر على سير العمل الإداري ومنها:
1- المحسوبيات الحزبية في شغل الوظائف الشاغرة بالأقارب والأصدقاء والحزبيين دون أي اعتبار للكفاءة والتأهيل، وإخضاع قواعد التعيين والنقل والترقية للمعايير السياسية مثل مبدأ التقاسم الحزبي للوظائف محل المبادئ العلمية.
2- استغلال الوظيفة العامة وتوجيهها في الخط السياسي أدى إلى تضارب التوجيهات وكثرة الصراعات بين الموظفين ووجود الرقابة الحزبية وخضوع الجزاء التأديبي للحزبية كذلك.
فهذه العوامل إلى جانب ما ذكرناه من أسباب داخلية، والعوامل الاجتماعية أثرت بشكل مباشر على الجهاز الإداري العام للدولة، وتأثرت بها وزارة الداخلية وقطاعاتها المختلفة بصورة خاصة، وهذا يتطلب منا بيان أهم طرق العلاج والأسس التي يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ برامج إصلاحات إدارية شرطية، وهذا ما سنبينه في الفصلين القادمين.