;

محاضرة في منارات أزمات تمر بها الأمة الإسلامية بين الشورى والمذهبية .. الحلقة الثانية 775

2008-07-03 11:23:10

أخبار اليوم/ إياد البحيري

أكد الدكتور عبدالله عبدالله الشماحي أن الأمة ا لإسلامية تعاني من أزمة غياب الآلية الحقيقية لممارسة الشورى والتي تكفل التداول السلمي للسلطة بعيداً عن حلبات الصراع، وأضاف الشماحي في محاضرته التي ألقالها بالمركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" أن أزمة ثانية تعاني منها الأمة الإسلامية إضافة إلى الأزمة الأولى وهي تكريس غياب الآلية الحقيقية لممارسة الشورى وذلك من خلال إيلاج الأمة في متاهة الحق الإلهي المدعى لطبقة من الناس.

وكان عنوان المحاضرة التي حظيت بحضور إعلامي وثقافي كبير "الأمة الإسلامية بين الشورى والمذهبية" وهنا سنتناول المحاضرة كاملة في حلقتين.

لقد كان وما يزال النص الإلهي الموحَى به لرسول الإسلام هو ما ينقض ويرد على عقيدة الحق الإلهي، ناهيك أنه لا يوجد أي نص إلهي يؤيد تلك العقيدة.

أما جيل الصحابة فهم قد صنعوا تاريخاً ترجموا فيه عملياً منهج الإسلام، ورسالة نبيه- صلوات الله عليه وآله وسلم- ترجمة بعيدة كل البعد عن نظرية الحق الإلهي تلك بعيدة عن أي تمييز سلالي، ترجمة وممارسة عاش فيها العربي والفارسي والرومي والحبشي جنباً إلى جنب، بعيداً عن أي تمييز، يتمتعون بحقوق وواجبات متماثلة.

ولقد سعى حملة نظرية الحق الإلهي - للخروج من حرج النص الإلهي الذي لا يؤيد موقفهم، وكذا الحرج تجاه تاريخ الإسلام الأول وجيل الصحابة الذين كانوا نماذج في صياغة ذلك التاريخ- سعى هؤلاء إلى خطوتين متلازمتين:

الأولى: القول بوجود ظاهر وباطن النص الإلهي، أما ظاهر النص فهو ليس المطلوب، وهو -كما يزعمون- ما تفهمه العامة من الناس حسب فهمهم الظاهر للنص وقواعد اللغة المعروفة، أما الدلالة الباطنة المقصودة - بزعمهم- للنص الإلهي فهي ما يفسره الخاصة، من الأئمة المختارين، والأصفياء المقربين، وقد منح غُلاة الباطنية أئمتهم الحق في تفسير النص كما يشاؤون، حتى ولو خالف ذلك التفسير -القواعد العقلية، أو قواعد اللغة العربية، إذاً فنحن أمام عملية مقصودة لتعطيل النص الإلهي ورفضه، تحت غطاء التفسير الباطن للنص.

الثانية: القول بإنحراف الصحابة ونفاقهم، بل وكفرهم، لأنهم اختاروا غير علي لإمامة المسلمين بعد رسول الله، وعلى -كرم الله وجهه- في نظر هؤلاء الغُلاة، الإمام بعد رسول الله بلا فصل ولم يستثن هؤلاء في تكفيرهم أحداً من جيل الصحابة عدا أفراداً لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة.

إن الزيدية عبر تاريخها الأول كانت بعيدة كل البعد عن مسار غلاة التشيع هذا، إلا أن فترات تاريخية لاحقة، قد شهدت بعضاً من منتسبي الزيدية، من يتبنى أطروحات غلاة التشيع وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.

لقد كانت الفرصة سانحة أمام الزيدية -عبر تاريخها- أن تكون حركة سياسية وفكرية تعبر عن وجدان أمة الإسلام، وعلى نطاق واسع، لا ينحصر برقعة جغرافية ضيقة، في اليمن أو بعض أجزاء صغيرة من اليمن.

وفي رأيي أن مما أعاق تلك الانطلاقة العملاقة للزيدية هو ذلك التأثر المبكر، في أوساط زيدية، بنظرية أو عقيدة (الحق الإلهي) تأثراً تجلى ابتداء بتبني قطاع منهم، لمسألة حصر الإمامة، أو الولاية الكبرى، أو قل الرئاسة العظمى في آل البيت، والذين حصروها في ذرية فاطمة الزهراء -عليهم السلام- أو ما عرف بالبطنين أي ذرية الحسن والحسين ابني علي -كرم الله وجهه-.

ومسألة حصر الإمامة هذه برزت عند قطاع من الزيدية في اليمن، في فترة القرن الثالث الهجري، وكان لمدرسة الزيدية في المشرق: في بلاد الجيل والديلم وطبرستان، الدور المؤسس لنظرية حصر الإمامة هذه، والتي ألقت بظلالها على قطاع من زيدية اليمن.

وبالتأثر هذا في وسط قطاع من زيدية اليمن، بمدرسة الزيدية في المشرق، شاعت - ومن خلال تطور تاريخي- مسألة حصر الإمامة في البطنين في الوسط الزيدي اليمني، حتى صارت هي السمة الغالبة، والصفة الطاغية لزيدية اليمن في الفترات اللاحقة.

ويأتي القرن السادس الهجري، وإذا بتأثير مشرقي جديد، يصيب زيدية اليمن، بعد أن تطورت زيدية المشرق، متشبعة بشكل أوسع بنظرية (الحق الإلهي) وتداعياتها، فإذا بنا أمام زيدية مشرقية، لا تكتفي بمسألة حصر الإمامة في البطنين فقط، بل أنها قسمت المجتمع المسلم إلى طبقتين، طبقة السادة والأشراف وطبقة العامة.

وفي الطبقة الأولى هذه لا تنحصر الإمامة فقط، بل تنحصر القيادة والريادة الدينية والدنيوية المدنية، وبالتالي ففي هذه الطبقة تنحصر الإمامة والحكم، وأفرادها هم المراجع في فهم الدين، واستنباط الأحكام، وهم رجال العلم الذي يتوارثونه كابراً عن كابر إلى جدهم رسول الله، وهم أهل الفضل والحكمة.

أما طبقة العامة - إن أرادوا الفوز بالجنَّة والنجاة من النار- فما عليهم إلا الإتباع والسمع والطاعة للطبقة المصطفاة، في كل أمور حياتهم الدينية والدنيوية.

وإذا بنا أمام مجتمع يتكون -في نظر هؤلاء المتزيدين- من مواطن درجة أولى، ومواطن درجة ثانية، كل ذلك باسم الدين، وتحت راية قالوا: إنها راية سيد المرسلين، ونهج اعتبروه نهج الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- أما الإمام علي فقد أضفوا عليه من الصفات والنعوت ما لم يَدَّعِهَا لنفسه، فكيف أن يقبلها لبنيه من بعده، من عصمة، وغيرها من تزكية وأفضلية، وكانت النتيجة أن الزيدية في المشرق استمرت في مراحل التأثر المتطور بنظرية (الحق الإلهي) وتداعياتها، حتى سقطت الزيدية المشرقية، وذابت معالمها تحت وطأة أفكار وعقائد غلاة التشيع، ولم ينجل القرن العاشر الهجري، إلاَّ والزيدية المشرقية أثر بعد عين.

أما في اليمن، ولوجود حركة علمية قوية، وكذلك لوجود أئمة أعلام أمثال: نشوان بن سعيد الحميري، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن إبراهيم الوزير، وصالح بن مهدي المقبلي، ومحمد بن إسماعيل الأمير، والحسن الجلال، ومحمد بن علي الشوكاني، لذا فلم تسقط الزيدية في اليمن، كما سقطت في المشرق، لكن زيدية اليمن، غلب عليها الصبغة السلالية، فكانت النتيجة، انحصار الزيدية في بقعة جغرافية يمنية ضيقة، بل وتتحول كلمة (زيدية) أو (زيدي) في أوساط عدد من رجال الفكر، إلى مصطلح يُنفر منه، ويُستهجن تبنيه.

وهكذا ضاعت فرصة تاريخية أمام الزيدية كان بإمكانها أن تكون رائدة فكر، وحركة تغيير في الوسط الإسلامي الواسع الممتد من المشرق إلى المغرب الإسلامي.

إننا وفي ختام هذا المقام لا نريد أن نتحول إلى قضاة لنفي الإسلام أو إثباته لأي إنسان يرفع شعار الإسلام، لكننا في نفس الوقت لا نريد خلط الأوراق مع عقائد وأفكار لأقوام، كانت لهم ظروفهم التاريخية المتعددة الجوانب لتشكل تلك العقائد والأفكار.

وهذا لا يعني بطبيعة الحال عدم فتح باب الحوار مع أي فئة ترفع شعار الإسلام، عسى من خلال ذلك الحوار تقريب وجهات نظر، ولم شعث، ودرء فتنة.

إن معالم الزيدية الأصيلة المعاصرة قد أصابها الغبش، فاهتزت صورتها، وسيء فهمها من قبل أطراف متناقضة على الساحة الإسلامية، وكل طرف لا ينزع للتعايش مع الزيدية، بل يطمح إلى احتوائها بل تصفيتها، وهذا ما نجده عند البعض عندما يصف الزيدية بالرفض والمغالاة، وليس هناك حل عنده إلا اجتثاثها وكأنها رجس يجب إزالته أو منكر يجب نفيه، وفي الجهة المقابلة نجد من ينظر إلى الزيدية كفئة مارقة على التشيع المتأخر فيتحايل لاحتوائها، ومصادرة معالمها واحتضان رجالاتها ورموزها.

وختاماً فإن المرجعية العليا في دين الله - الإسلام- هي الكتاب والسنة، وما المذاهب الإسلامية على الساحة إلا رُوى لفهم الكتاب والسنة، وهي رُوى مُقيدة بالزمان والمكان، ولذا كانت رُوى أئمة تلك المذاهب تختلف من وقت لآخر.

وإذا كانت المذاهب رُوى لفهم دين الله، فلا نجعلها اليوم سبباً لفُرقة الأمة وتشتتها بل - وربما- لتناحرها، ولتكن المرجعية العليا للأمة هي الكتاب والسنة.

وفي عصرنا قامت المجامع الفقهية، ومجالس الإفتاء بدور عظيم للمِّ شمل الأمة، فلم تتقيد هذه المناشط الفقهية بمذهب معين، بل استندت إلى الكتاب والسنة، واستأنست بما تراه مناسباً في المذاهب الإسلامية المتعددة على الساحة الإسلامية.

وفي يمننا قامت اللجنة العلمية أو الجمعية العلمية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية بدور رائد طوال أكثر من ربع قرن مضت، وقد استفادت من رُوى المذاهب المتعددة وبخاصة الشافعية والزيدية، وكان لنتاجها الفائدة العظمى ليس على المستوى اليمني فحسب بل على المستوى الإسلامي.

حقيقاً إن المجامع الفقهية المعاصرة هي في الساحة الإسلامية اليوم تقوم بالدور الذي قامت به المذاهب الإسلامية في الماضي، ومذهبية اليوم من خلال هذه المجامع، تمتاز أنها مذهبية جماعية تنظر إلى الأمة في مجالها الجغرافي الواسع، ولا تنحصر في الإطار الإقليمي الضيق، فهي مجامع تتمشى مع متغيرات العصر ومتطلباته.

إنه لمن المهم أن نؤكد أن المذاهب المتعددة ليست إلا رُوى فقهية متعددة متنوعة، تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع الزمان والمكان، وبالتالي فالمذاهب ليست تعبيراً عن شخصية وهوية الأمة أو الوطن الذي تظهر فيه، والأمة عندما تبتعد عن منابع العلم وأصوله، تعتقد مجاميع العوام فيها أن المذهب أو الرؤية الفقهية إنها تعبير عن هوية الأمة وشخصيتها، وهذا لا شك فيه من الجهالة الكثير.

إن العالم الإسلامي في خضم التفاعلات الكبرى عبر تاريخه، والحضارة الإسلامية التي شهدها، قد شهد شيوع مذاهب فقهية في مناطق واختفاء أخرى، ولم يكن في ذلك غضاضة بل كان تعبيراً عن حراك فكري وعلمي في أمة تقيم حضارة وتخاطب فكرا.

وإذا كانت المذاهب بالأمس هي آلية لفهم الدين وممارسته، فالمجامع الفقهية وأمثالها اليوم تقوم بالدور، ولكن من خلال رؤية أوسع تتجاوز الحدود الإقليمية والجغرافية الضيقة.

والأمة إذا كانت بالأمس محتاجة إلى آليات لتفعيل الشورى، فهي اليوم قد عرفت آليات علينا أن نسعى لتطويرها، والاستفادة من تجارب العالم من حولنا، ولكن من خلال هويتنا وخصوصيتنا.

وبذا عسى أن تخرج الأمة اليوم من أزمة عاشتها عبر تاريخها في محوريها الشورى وآلياتها، والمذهبية وانفراجاتها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد