;

قراءة في استراتيجية حزب الله .. حزب الله.. من النصر إلى القصر! .. الحلقة الثانية 896

2008-07-07 13:14:23

بقلم/ أنور قاسم الخضري

حزب الله والتحليل السياسي:

وعودا على مناسبة حديثنا عن التحليل السياسي مع عنوان البحث "قراءة في استراتيجية حزب الله"، ومواجهته الأخيرة مع إسرائيل، التي أثارت وجهات النظر المختلفة والمواقف المتباينة منها، فإن إخضاع الصراع القائم اليوم بين "حزب الله" و"إسرائيل" للمنهجية الموضوعية والعلمية للتحليل السياسي يتطلب منا إدراك المنطلقات الفكرية والثقافية والحضارية التي ينطلق منها كل طرف في الصراع، وإدراك رؤية كل من الطرفين للحدث وللآخر في سياسته وخططه الإستراتيجية والتكتيكية، واستقراء طبيعة العلاقة القائمة بينهما عبر التاريخ، وطبيعة تقدير كل من الطرفين للمصالح الخاصة به في ميزان الربح والخسارة!

إن التمايز القائم اليوم يستند -شئنا أم أبينا- على أسس عقائدية وخلفية فكرية وثقافية ومنهجية سارت عليها الأجيال تلو الأجيال حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه، كما تستند على طبيعة العلاقات والمصالح التي أصبحت اليوم متداخلة ومتشابكة بين أطراف التنازع والصراع!! كما أنه حقيقة قائمة وفاعلة في الأحداث! لا يمكن إنكارها!

إن "التفسير التآمري" للأحداث والوقائعالسياسية المختلفة، عند القائلين بهذا التفسير أو المنكرين له، جزء من التحليل السياسي، وقبوله مطلقا أو رفضه مطلقا بعيدا عن التناول العلمي والموضوعي والدراسات الجادة والقراءات المعمقة، دفع بالكثير إلى مجانبة الصواب في الأحكام يمنة ويسرة!

فالمؤامرة طبيعة بشرية وسلوك إنساني قديم، ولها في العديد من الأيديولوجيات الوضعية ما يبررها! بل وما يجيزها!

و"استبطان منهج التحليل ودراسة المعطيات لاستقراء صيرورة الأحداث خدمة للجانب السياسي لا يصادم الإسلام ولا يناقض مقتضيات الإيمان بنفاذ مشيئة الله تعالى وإحاطته بكل شيء علما، بل إن ذلك يعتبر من مقتضيات العقلية المسلمة الواعية التي تراعي في حركتها وملاحظتها السنة الكونية".

إن أي تحليل لا يصدر عن التصوير الرباني للحقائق ولا يستلهم السنن الربانية في الآفاق والأنفس والمجتمعات، ينبغي الحذر والتحذير منه، كونه سيكون قرين الهوى وصريع الظنون مهما تلبس به من الثياب وقدم بين يديه من عذب الخطاب! فللحق أحيانا مرارة سرعان ما تزول إذا وقر في القلب وسلم له العقل. .

ومن المؤسف أن يكون بعض المنتسبين للفكر والعلم هم أول من يجتزئ الأحداث من نسقها التاريخي والحضاري والواقعي، ويسلبها طبيعتها المتسلسلة والتراكمية!!

صحيح أن الاعتماد على عامل واحد في التحليل السياسي، مهما كانت أهميته، خطأ فادح، لأن كثيرا من الظواهر الاجتماعية والسياسية معقدة في تركيبها ومتشابكة في تكوينها، وبالتالي فإن النظرة الأحادية لفهم ظاهرة ما يضطرنا لتبني المعالجة الأحادية، الأمر الذي يغلق سبل الحل والعلاج.

فلأي ظاهرة سياسية خلفية تاريخية وواقع حي وتأثير مستقبلي، ولكي نفهم الظاهرة السياسية بأبعادها وأعماقها ينبغي أخذ الأبعاد الزمانية الثلاثة في الاعتبار، بل وأبعادها المكانية والشخوصية بل والذاتية (النفسية)! ولن نتمكن من الإفادة مما يجري على الساحة الدولية دون تقدير أبعاد المجريات على كافة أطراف مكونات المجتمع البشري والاستفادة منها عبر توظيفها التوظيف الأمثل!

إن السياسة اليوم تمثل أبلغ صور التحكم والنفوذ والسلطة في الحياة الاجتماعية، ومن الخطأ أن نلج إليها من غير منافذها الشرعية فهما وتطبيقا، وسبب جميع ما آلت إليه الأمة هو انحرافها في هذا الباب ف"أول ما تفقدون من دينكم الحكم"!

وإذا كانت الأمة اليوم غير قادرة -فرضا- على التمكن من ممارسة السياسة وفق المنهج الإسلامي فلا أقل من أن تقرأ الأحداث السياسة وتحللها بشكل صحيح. . لأن ذلك هو الخطوة الصحيحة نحو وعيها وإدراكها السياسي وبالتالي إلى ممارسة سياسية ناجحة. .

إيران. . البداية والنهاية

الحديث عن "حزب الله" اللبناني، شئنا أم أبينا، يجرنا للحديث عن إيران حيث النشأة والبعد العقدي والمذهبي والسند اللوجستي والدعم المالي والمرجعية الدينية والسياسية!1 جميعها معا تتداخل لتؤكد أن أي قراءة لمواقف حزب الله تستثني هذا البعد وهذه العلاقة قراءة مبتورة عن نسقها وسياقها!

وهذه الحقيقة ليست من صنع أعداء الحزب! أبدا بل هي في أدبياته وتصريحات قياداته مبثوثة ومنشورة وواضحة! ولا مجال لإنكارها هروبا من الصورة الإجمالية والكلية لطبيعة حزب الله، الذي أصبح اليوم مثار قلق لبناني وحضور عربي واهتمام دولي!

ولكي نبدأ بداية صحيحة دعونا نؤكد مقولة الشيخ صبحي الطفيلي2، الأمين العام الأول لحزب الله، "من يقول في لبنان أن إيران لا تتدخل كاذب! القرار ليس في بيروت وإنما في طهران"! "حتى خلال ولايتي كان للقيادة المركزية في إيران موقعها في القرار. لكن حينها كان هناك انسجام في المواقف والقرارات. ولم نكن نعتبر أن القرارات تملى علينا، بل هي قناعاتنا. وحين يأتي أمر من الإمام الخميني أو غيره ممن يعينهم يقول لنا قاتلوا إسرائيل، فنحن لا نعتبره أمراً بل هو من قناعاتنا"!3

إذن فتغييب إيران عن المشهد السياسي في لبنان هو تغطية للحقائق ومغالطة للواقع بل للتاريخ القريب!

لذا كان من الضروري الحديث والتعريج في مقدمة هذا البحث على إيران، إيران الثورة الإسلامية. . الرؤية والدور.

قراءة في (دستور جمهورية إيران الإسلامية4، الصادر في عام 1992م):

"يعبر دستور جمهورية إيران الإسلامية عن الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإيراني"، لذلك كان ولا بدَّ من قراءة هذا الدستور، باعتباره تجليا لعقلية النظام الحاكم القائم في إيران بعيدا عن الاتهام والتخرص!

وأول ملمح يواجهنا في هذا الدستور انطلاقه من ثورة الخميني التي يصفها الشيعة بأنها ثورة إسلامية عقائدية. . "إن الميزة الأساس لهذه الثورة بالنسبة إلى سائر النهضات التي قامت في إيران خلال القرن الأخير إنما هي عقائدية الثورة وإسلاميتها"! و"من هنا فإن الضمير اليقظ للشعب بقيادة المرجع الديني الكبير حضرة آية الله العظمى الإمام الخميني5 قد أدرك ضرورة التزام مسار النهضة العقائدية والإسلامية الأصيلة، وهكذا كانت هذه المرة انطلاقة لحركة تغييرية جديدة بقيادته الحكيمة"!

وتقوم فكرة الخميني الذي ينتسب إلى الطائفة الشيعية الجعفرية (الإثنى عشرية)، وهو مذهب لا يجيز إقامة حكومة إسلامية للشيعة في ظل غياب الإمام المعصوم، على نظرية (ولاية الفقيه)، "طرح الإمام الخميني فكرة الحكومة الإسلامية على أساس ولاية الفقيه"!

و(ولاية الفقيه6) تتلخص في فكرة إقامة مرجع ديني ينوب الإمام المعصوم (الغائب)!! للقيام بمصالح الطائفة الشيعية! كما تنص المادة الخامسة من الدستور، ونحدد الطائفة الشيعية -بالذات- لأن إدارة مصالح الأمة عند مذاهب أهل السنة جميعا يتولاها من تختارهم الأمة، من خلال أهل الحل والعقد، دون أن تشترط فيه العصمة! فالمهم أن يلتزم بالإسلام في ذاته وفي حكمه للأمة، وتظل الأمة مرشدة وناصحة له، كائنا من كان، وفق شروط بسطها الفقهاء في كتب السياسة الشرعية!

إلا أن نظام الحكم في إيران يجمع في صفته الإسلامية والجمهورية، جمهورية إيران الإسلامية، وهي فلسفة تناهض الحكم الفردي (الديكتاتوري) برأي واضعي الدستور، وكأن رهن طائفة الشيعة بكاملها ولتاريخ يزيد على ألف عام لإمام غائب لا أثر له، تقوم عليه مصالح الدنيا والدين، ليس من باب الحكم الفردي (الديكتاتوري)!

بل إن هذا المعتقد، وإن كنت لست في صدد نقضه، هو الذي أحال الشيعة كطائفة إلى مستضعفين لكل طاغية! عبر سيرتهم التاريخية! في حين يحملون العداء لأهل السنة كفئة تكفر بهذا الارتهان الجماعي لفرد يدعي عصمته فئة من المسلمين دون نص جلي وقاطع!

لذلك يشير الدستور لهذه الأزمة بالقول: "ومع الالتفات لمحتوى الثورة الإسلامية في إيران -التي كانت حركة تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين- فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصا بالنسبة لتوسيع العلائق الدولية مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية؛ حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم"! وهذا ما عرف في سياسة الخميني بمبدأ (تصدير الثورة)، والذي استهدف أمن دول المنطقة أكثر مما استهدف دول الكفر الطاغية!

وقد جرى الاستفتاء العام على إعلان قيام نظام الجمهورية الإسلامية بمشاركة شعبية، بما فيهم مراجع الشيعة، و"قد أعلن الشعب قراره النهائي والحاسم بتأسيس الجمهورية الإسلامية وصوّت بالموافقة على نظام الجمهورية بأكثرية 98. 2%"!

ولغرض ضمان الدستور لصيانة الأجهزة المختلفة من الانحراف عن وظائفها التي جاء بها الخميني، و"اعتمادًا على استمرار ولاية الأمر والإمامة، يقوم الدستور بإعداد الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائع والذي يعترف به الناس باعتباره قائدًا لهم"!!

ولتحقيق الإسلام بهذا المفهوم ونشره في العالم يتركز الاهتمام في مجال بناء وتجهيز القوات المسلحة الإيرانية "على جعل الإيمان والعقيدة أساسًا وقاعدة لذلك، وهكذا يصار إلى جعل بنية جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور، ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسئولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم"! ". . . . في مستهل القرن الخامس عشر لهجرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) مؤسس الدين الإسلامي المحرر للبشرية، على أساس الأهداف والدوافع التي سبق ذكرها، على أمل أن يكون هذا القرن قرن تحقق الحكومة العالمية للمستضعفين وهزيمة المستكبرين كافة"!

إذن ففي الرؤية الإستراتيجية لحكماء جمهورية إيران وآيات ومراجع المذهب الجعفري، الذين يرون بنظرية ولاية الفقيه، القرن الخامس عشر الهجري هو محل آمالهم لتحقيق "الحكومة العالمية"! وهو ما يفسر تحركهم الدؤوب في كثير من البلدان للوصول إلى السلطة، في: أفغانستان، العراق، لبنان، سوريا، اليمن7، باكستان!

لقد كرس دستور جمهورية إيران الطائفية من الفصل الأول، الأصول العامة، ففي المادة الثانية ينص الدستور على أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على أساس عدة قضايا منها "خامسا، الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام"، وعلى أنه "نظام يؤمّن القسط والعدالة، والاستقلال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتلاحم الوطني" عن طريق ثلاث أمور، منها "الاجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط، على أساس الكتاب وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين"! وتلخص المادة الخامسة مبدأ قيام حكومة إسلامية في ظل غياب الإمام المعصوم بأنه: "في زمن غيبة الإمام المهدي -عجل الله تعالى فرجه- تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقًأ للمادة 107"!

وفيما تنص المادة الحادية عشرة أنه "على حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي"، تنحاز جمهورية إيران في المادة الثانية عشرة إلى المذهب الجعفري الإثنى عشري، "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنا عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير"! ولعل قائلا يورد أن المادة ذاتها تنص على أن "المذاهب الإسلامية الأخرى، والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي، فإنها تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية)، وما يتعلق بها من دعاوى المحاكم. وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة -في حدود صلاحيات مجالس الشورى- تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى"! غير أن واقع الحال يثبت أن أتباع هذه المذاهب الإسلامية الأخرى لا يتمتعون في إيران بما يتمتع به اليهود والنصارى والوثنيين حسب المادة الثالثة عشرة، "الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها، وتتمتع بالحرية في أداء مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون، ولها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية"!

ومن الغريب أن هذه الدولة الإسلامية لا تعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وعوضا عن ذلك تنص المادة الخامسة عشرة في (الفصل الثاني: اللغة والكتابة والتاريخ والعلم الرسمي للبلاد) على أن "اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة: هي الفارسية لشعب إيران، فيجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة، ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جنب اللغة الفارسية"! أما العربية حسب المادة السادسة عشرة فبما أنها "لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية،. . . . . وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل؛ لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية"!

ومن المفارقات أن يستخدم الدستور الأشهر الفارسية أو اللاتينية وليس العربية! كما يعتمد في التقويم الرسمي على السنة الشمسية، (الفرس كانوا عبدة للنار والشمس!)!

وفي حين تدعي الجمهورية الإيرانية تطبيق الشريعة الإسلامية، التي لا تجيز الردة عن الدين أو الابتداع فيه، تنص المادة الثالثة والعشرون من الدستور على أنه "تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة"! هكذا على إطلاقه! كما أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون"! (المادة السادسة والثلاثون)!. . . <

وتخضع جميع السلطات الحاكمة في جمهورية إيران: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، لإشراف "ولي الأمر المطلق وإمام الأمة"! ويتألف مجلس "الشورى الإسلامي"! في حكومة إيران من أعضاء منتخبين من الشعب! وبحسب المادة الرابعة والستون "ينتخب الزرادشت واليهود كل على حدة نائبًا واحدًا، وينتخب المسيحيون الآشوريون والكلدانيون معًا نائبًا واحدًا، وينتخب المسيحيون الأرمن في الجنوب والشمال كل على حدة نائبا واحدًا"!! ووفقا للمادة السابعة والستين يؤدي "نواب الأقليات الدينية اليمين مع ذكر كتابهم السماوي"! ومجلس الشورى هذا "يسن القوانين في القضايا كافة"، المادة الحادية والسبعون، لكن "لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو المغايرة للدستور"، المادة الثانية والسبعون!

وتصف المادة السابعة بعد المائة الخميني بأنه "المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية"! وتشترط المادة التاسعة بعد المائة في القائد الذي ينبغي أن ينوبه في قيادة الثورة وعلى خطاه أن يكون متصفا ب: "الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه، والعدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية، والرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة"! ووفقا للمادة الخامسة عشرة بعد المائة "ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين" ويشترط فيه أن يكون "مؤمنا ومعتقدًا بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد"! ويؤدي رئيس الجمهورية اليمين على أن يكون -فيما ينبغي عليه أن يكون- "حاميا للمذهب الرسمي"! و"متبعًا لنبي الإسلام والأئمة الأطهار عليهم السلام"! المادة الحادية والعشرون بعد المائة! كما أن على جيش جمهورية إيران أن يكون جيشًا إسلاميًا عقائديًا يضم أفرادًا "مؤمنين بأهداف الثورة الإسلامية، ومضحين بأنفسهم من أجل تحقيقها"! المادة الرابعة والأربعون بعد المائة. و"تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية -التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة- راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها"، المادة الخمسون بعد المائة!

إذن نحن أمام مواد تكرس هيمنة طائفة مذهبية على حساب بقية المذاهب التي تدعي مساواتها في الحقوق والحريات والمواطنة! ولن تحلم أي طائفة بتغيير الوضع سلميا مهما بلغ تعددها السكاني وثقلها الانتخابي ففي حين تسمح المادة السابعة والسبعون بعد المائة بإعادة النظر في دستور جمهورية إيران في الحالات الضرورية، إلا أن "مضامين المواد المتعلقة بكون النظام إسلاميًا وقيام كل القوانين والمقررات على أساس الموازين الإسلامية والأسس الإيمانية، وأهداف جمهورية إيران الإسلامية وكون الحكم جمهوريًا، وولاية الأمر، وإمامة الأمة، وكذلك إدارة أمور البلاد بالاعتماد على الآراء العامة، والدين والمذهب الرسمي لإيران، هي من الأمور التي لا تقبل التغيير"!

ومن العجيب أن المادة الرابعة والخمسون بعد المائة، في شأن السياسة الخارجية تنص على أن "جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشئون الداخلية للشعوب الأخرى"! وشعار المستضعفين ضد المستكبرين اليوم يستخدم في أدبيات الأقليات الشيعية في المنطقة وهي تثور بمساندة بالولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) للوصول إلى السلطة!

1 كما سيأتي معنا في البحث!

2 ولد الشيخ صبحي ملحم الطفيلي في بلدة جنوب مدينة بعلبك عام 1947م، ودرس الفقه في العراق من أوائل الستينات إلى أواسط السبعينات حيث غادرها هارباً إلى لبنان بسبب ملاحقة النظام العراقي له بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة. مكث فترة في لبنان وعاد إلى إيران لمتابعة الدرس والتدريس في حوزات قم إلى حين قيام ثورة الخميني التي شارك فيها من خلال التحركات المناهضة لنظام الشاه. وعاد نهائيا إلى لبنان عام 1979م ليساهم عام 1982م في تأسيس "حزب الله" وكان أبرز أعضاء مجلس الشورى الذي كان يقود الحزب. وفي عام 1989م انتخب كأول أمين عام للحزب واستمر في موقعه حتى العام 1991م عندما خرج من الحزب. (انظر: حوارا مع صبحي الطفيلي، الشرق الأوسط عدد 9067، في 25/9/2003م.

3 انظر: حوارا مع صبحي الطفيلي، الشرق الأوسط عدد 9067، في 25/9/2003م.

4 المصدر: معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي- طهران، 1992م، نقلا عن موقع الإسلام أون لاين، وجميع العبارات الموضوعة بين قوسين مأخوذة بالنص من الدستور الإيراني.

5 الإمام الخميني: هو روح اللّه بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني، أحد علماء الإمامية، ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، ولد سنة 1320ه في مدينة خمين بإيران، ونشأ يتيماً منذ عامه الأول تحت رعاية والدته وعمته.

أكمل دراسة الفارسية وعلومها قبل سن الخامسة عشر، ثُمَّ شرع بدراسة العلوم الإسلامية على يد أخيه الأكبر مرتضى سنديده، ثم انتقل إلى مدينة آراك حيث مركز الحوزة العلمية في إيران آنذاك، وتابع تحصيله العلمي فيها، حتّى صار من أعلامها البارزين، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة قم مع أستاذه الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم، وأقام فيها.

بدأ الخميني بانتقاد سياسات الشاه محمَّد رضا بهلوي وتوجهاته أثناء دروسه ومحاضراته التي كان يلقيها في مدينة قم، واتخذت هذه الانتقادات طابع العلن والتصريح سنة 1944م. ونادى بإقامة الحكومة الإسلامية على أساس المذهب الإثنى عشري ونظرية ولاية الفقيه! وقاد ثورة شعبية ضد الشاه، وأفتى بعد خروجه من الاعتقال بحرمة استخدام التقية، ونُفي في عام 1964م إلى تركيا فبقي فيها نحو سنة، ثُمَّ انتقل إلى النجف بالعراق، وبقي هناك حوالي ثلاث عشرة سنة، عمل خلالها على مواصلة قيادة الثورة داخل إيران، إلى جانب إلقاء الدروس والمحاضرات.

وتحت ضغط حكومة الشاه طلبت منه الحكومة العراقية مغادرة أراضيها، فغادر العراق عام 1978م متوجهاً إلى الكويت، لكنَّ الحكومة الكويتية منعته من دخول أراضيها، فتوجه إلى فرنسا، وأقام في باريس، ليواصل من هناك قيادة الثورة في بلاده، وفي عام 1979م عاد إلى طهران ليقود الثورة التي أطاحت بحكم الشاه وليعلن قيام الحكومة الإسلامية التي رأسها حتى توفي عام 1989م.

أعلن الخميني نيته تصدير ثورته الإثنى عشرية مهددا بذلك دول المنطقة، الأمر الذي دفعه لحرب العراق وزعزعة أمن دول الخليج! ورغم مهاجمته لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي وصفها ب"الشيطان الأكبر" إلا أن إيران كونترا فضحت طبيعة علاقة نظامه بهما! وقبره اليوم يعد مشهدا ومزارا يقصده ملايين الحجاج والزائرين من الشيعة من أنحاء العالم!

أعلن العديد من عقائده الباطنية الإثنى عشرية في مؤلفاته المختلفة، منها: مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، وشرح دعاء السحر لشهر رمضان، والأربعون حديثاً، وأسرار الصلاة أو معراج السالكين، وكشف الأسرار، وآداب الصلاة، والرسائل، وكتاب البيع، وكتاب المكاسب المحرّمة، وكتاب الطهارة، وتهذيب الأصول، وجهاد النفس، والجهاد الأكبر، والحكومة الإسلامية، وحاشية على الأسفار وغير ذلك! وقد أصدر فيه العديد من علماء الإسلام فتوى مختلفة، بعد أن تباينت مواقفهم من ثورته، وآراؤه تجد انتقادا حتى في إطار المرجعيات الشيعية! وليس هنا محل بسط الحديث حول شخصيته وآراءه وأدواره السياسية.

6 ولاية الفقيه ليس عليها دليل شرعي لا من القرآن ولا من السُنة وهي فكرة ظهرت متأخرة يعني في القرون الأخيرة في الوسط الشيعي وهي أقرب إلى البدعة منها إلى الاجتهاد لأنه حينما لا يكون لها أساس فقهي لا من القرآن ولا من غيره فكيف يمكن أن تسميه اجتهادا أضف إلى أنه القرآن الكريم والسُنة الشريفة توجه الأمور نحو صيغة أخرى وهي صيغة الشورى وأن الأمر للأمة! (راجع: حوار مع الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام الأول لحزب الله، الجزيرة، في 23و30/7/2004م).

7 دخلت الحكومة اليمنية على مدار أكثر من عامين في مواجهات عسكرية مع ما عرف ب"تنظيم الشباب المؤمن" الذي مثل امتدادا للمذهب الجعفري الإثنى عشري في اليمن، وقد أثبتت الوقائع والأحداث والتقارير الرسمية والإعلامية تورطه في علاقات خارجية مع إيران وحزب الله!

وعلى الرغم من رفع التنظيم شعار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" لتشكيل ميليشيات قتالية! إلا أنه توجه بالتعبئة ضد النظام الحاكم والتيارات السنية! (راجع: تقريرنا عن تمرد الحوثي في اليمن، في التقرير الارتيادي الثالث 1427ه لمجلة البيان)

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد