محمد بن ناصر الحزمي
قال تعالى :(وإذا قلتم فاعدلوا) كم نحن بحاجة أن نقف أمام هذا التوجيه الرباني وخاصة عندما تنشأ خصومة أو خلافاَ بيننا كمسلمين وما حدث مؤخراَ بين بعض العلماء وبعض الصحفيين عندما خرج بعضهم تهجم بلا وعي أو إدراك أو تثبت على العلماء الذين قاموا على الفضيلة وما تبعه من ردود قد تكون بعض الأحيان حادة ،ومن هنا أقول إن من الخطأ الشنيع أن ننظر إلى الصحفيين أنهم كلهم عورة أو ننظر إلى العلماء أنهم كلهم قدوة أو العكس فهذا لاشك خلل في التفكير وخروج عن منهج القران الكريم، ومن هنا فانا ادعوا الصحفيين والعلماء بل و السياسيين وكل الخصماء إلى كلمة سواء هي العدل في حق بعضنا وينصف بعضنا بعضاَ حتى يقتنع الناس بخطابنا، إن من الصحفيين من يجهد نفسه في تبيين حق أو إرساء فضيلة أو نصرة مظلو م من خلال كلمة صادقة أو مقال حان وهم كثر والحمد الله إن منهم ذهبت القلة الليلة وإنهم إلى الخروج على هذا المنهج فراح يشبع رغبته ويتبع هواه وشهوته فذهب يعبث بالقيم والأخلاق ،فعليمنا بعد الإنصاف التقويم بالكلمة الحانية والعبارة الدافئة وان كان في بعض الأحيان يتطلب شدة بلين كما فعل صلى الله عليه وسلم وهو زعيم المربين عندما قال لأبي ذر وهو يقومه (انك امرؤ فيك جاهلية ) هذا من جهة الدعاة العلماء أما من جهة الصحفيين فأنهم مطالبون أن ينظروا إلى العلماء بنفس المنظار مستلهمين قول النبي صلى الله علية وسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه)وقوله صلى الله عليه وسلم (انزلوا الناس منازلهم )وأنا أتحدث عن العلماء العاملين الزاهدين الذين لا يتاجرون في الفتاوى ولا يركنون إلى الذين ظلموا، يوجهون ويرشدون ولا يخافون في الله لومه لائم وهم بحمد لله كثر أيضا ومن شذ عن هذه القواعد نتبع معهم نفس الأسلوب هذا هو المنهج الإسلامي الذي وضع قواعد أخلاقية مهمة للحكم على الناس والأشخاص ولتحري قول العدل فيهم ،بدءاَ من النفس ،يقول الله جل وعلا : "ولو على أنفسكم ،ويقول سبحانه ، "أو الوالدين والأقربين "،ويقول تعالى "ولو كان ذا قربى" :ثم المختلف والبعيد حتى للمجافي المبغض،يقول تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا "،بل أوجب الله العدل مع أولئك المشركين المخالفين الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من ديارهم ،وصدوهم عن المسجد الحرام ،يقول تعالى:"ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب" وحتى الذين يقاتلون المسلمين أمر الله برد ظلمهم ،وقتالهم ونهى عن الإسراف والاعتداء فيه لان ذلك نقيض العدل"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدو إن الله لا يحب المعتدين" فقول العدل أساس محكم من القواعد الحكم على الناس في الإسلام، أوجبه الله مطلقاً في كل الظروف والأحوال والأشخاص للمتفق والمختلف و ألان والآخر، والمسلم والكافر، في كلية من الكليات، أو جزئية من الفرعيات ويعد من الأمور البديهية، التي لا تقبل جدالاَ أو نقاشاَ. إن الإنسان الذي يتبع الهدف القرآني في أمانة الكلمة، في كل موقع من مواقع الحياة، وفي أي مجال من مجالات أنشطتها المختلفة، خاصة إذا كان المؤمن الكيس الفطن ممن يحملون مسؤولية علمية كانت دينية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو عسكرية، والإنسان الذي يتحرى أمانة الكلمة في كل ذلك، لا بد أن يكون عمله كذلك مسايراَ لقوله صدقا وأمانة، وفي هذا الشأن يقول المولى سبحانه تبارك وتعالى:[ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه] فما أجل وأعظم، وأكرم وأروع مبادئ الإسلام وقيمه ومثله، التي تقوم في أساسها على العدل والإحسان، وصدق المولى سبحانه تبارك وتعالى حيث قول:[ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون] ،ومن معلم العدل والإحسان في الحكم على الناس تجنب الإجمال والتعميم، فأحكام الجملة تخفي في طياتها الكثير من الاختلافات والفروق الداخلية التي قد لا يعتبرها القائل، فالمسؤولية الفردية في الإسلام تجعل المسلم مسؤولاً بشكل مباشر عن قوله ورأيه وحكمه واعتقاده هو وليس رأي جماعته أو قبيلته أو حزبه أمام الناس وأمام الله، في الدنيا والآخرة، يقول الله جل وعلا" وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراَ، ويقول الله سبحانه: "كل أمرءٍ بما كسب رهين".
وأمر الله معاملة الناس بالحسنى ليكون أقرب للعدل معهم، وفيهم، وشرع الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، يقول تعالى:"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان اللإنسان عدواَ مبيناَ"، وجمل الدعوة بالحسنى يقول تعالى:" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" [النحل:125]، وأمر بالقول الحسن العدل في الناس كلهم جميعاً، ويقول الله تعالى:" وقولوا للناس حسناَ" وهذا المعنى يزرع في عقل المسلم وعلاقته مع الآخرين روح العدل والاعتدال والإنصاف، وليس من الحق في شيء الاعتداء على الناس بالقول، ورجمهم بالظنون، والظن الآثم سبيل الظالمين في القول الله تعالى:" يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" وأكثر البغي باللسان والمقال مبعثه الظنون الواهية، والانطباعات العامة التي لا يملك الإنسان لها دليلاً، ولا يستطيع أن يقيم عليها حجة.
أما صناعة العداوة "الاستعداء" بالبغي باللسان وتصعيد الاعتداء بالتزام السب واستغلال الأخطاء وتضخيمها، فذلك ظلم رخيص مهما تذرع بأشكال الحق ، وأظهر التجرد والنصيحة في الخلاف وكلما ابتعد الناس عن خلق الرحمة اقتربوا من ضروب البغي والاعتداء بالقول، ونسوا قوانين الإسلام في التعامل مع الموافق والمخالف بالحسنى وبدأوا يميلون إلى المبادرة بالظلم والبدء بالاعتداء القولي الذي نهى الإسلام عنه.