أقام مركز الدراسات التاريخية اليمنية "منارات" محاضرة للدكتور عبد المجيد ياسين الويس من أصل سوري تحت عنوان "اللغة المهرية بين العربية الفصحى والعجمية"، وقد حضر المحاضرة عدد كبير من المثقفين السياسيين والباحثين وعلماء اللغة حيث أثروا المحاضرة بتعقيباتهم ومشاركاتهم حول اللغة المهرية.
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور الويس هو متخصص في اللغة المهرية وألم كثيراً بدراستها حتى أصبح يدقنها ،ونظراً لأهمية المحاضرة تقدم "أخبار اليوم" تغطية شاملة لها تبدأها اليوم بلمحة تاريخية عن اللغة لمهرية وامتدادها إلى قاموس اللغة وكذا انتشارها فإلى التفاصيل.
ردودنا: أولاً: إن الحقائق التي ذكرها الباحث والأدلة التي ساقها لم تقنع ابن اليمن والمحافظ الأسبق المهرة والباحث فيها -حسن مقبول الأهدل- الذي علق على ما ذكر بقوله: (لقد حاول المؤلف أن يثبت أن المهرة لهجة عربية قديمة جداً، ولكن الأدلة التي ساقها ليست كافية للإقناع. . ).
والسؤال للباحث: كيف عرفت أنها أصل اللغات السامية؟ وأين النصوص والشواهد التي تثبت ذلك؟
إن النصوص والنقوش التي أشار إليها الباحث لم تكن مكتوبة بالمهرية المزعومة، وإنما بالسبئية والمعينية وغيرها، والكتاب الذي أشار إليه (العمدة المهرية) مكتوب بالعربية، فأين هي المهرية القديمة؟ أما الشواهد التي ساقها، فهي كلمات لهجية حديثة يمكن لأي واحد منا أن يكتب عن لهجة القرية أو المدينة التي ينتمي إليها ويجعل منها لغة على مزاجه، أما أن يجعلها شواهد على لغة تاريخها ثلاثة آلاف عام أو يزيد كما يقول فهذا كلام لا يقبله عاقل، فضلاً عن أن يكون باحثاً مختصاً باللغات وتاريخها، كما أن المساحة الجغرافية اليوم ليست دليلاً على قدم اللغة وأصالتها.
- نريد نصاً مكتوباً باللغة المهرية قبل ثلاثة آلاف عام، ألفي عام، ألف عام، بل حتى قبل يوم واحد من نزول القرآن، بل حتى نهاية عصر الاحتجاج (150)ه لتكون إحدى اللغات العربية الفصيحة، فضلاً عن أن تكون أصل اللغة العربية، مع الإشارة إلى أن علماء اللغة لم يأخذوا نصاً واحداً من هذه المنطقة كلها لاختلاطها بالأعاجم، مثلها مثل العراق والشام ومصر، لاختلاطهم بالفرس والروم وغيرهم، وحتى قبائل الحجاز نفسها لم تكن تؤخذ اللغة منها كلها، بل حتى القبيلة الواحدة، فقد أخذوا من أعالي هوازن، وتركوا أسفلها.
- السؤال المهم الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن لغة عمرها ثلاثة آلاف عام، تنقل شفاهاً عبر الأجيال إلى يومنا هذا وتحافظ على نفسها كلغة مستقلة ذات كيان خاص بها في منطقة متحركة مضطربة، قبيلة هو يعترف أنها متنقلة مهاجرة محتكة، ولا أقول اللغة العربية فحسب، بل القرآن الكريم ذاته أقدس نص سماوي، أكثر كتاب في العالم كله أحيط بالرعاية والعناية الإلهية والبشرية منذ نزوله وإلى قيام الساعة، ولقد حصل له ما حصل لولا تدارك الخلفاء والعلماء للأمر وقيامهم بتدوينه ونقطه وتشكيله.
- جاء في كتاب مصادر التراث العربي للدكتور عمر الدقاق عميد كلية الآداب في جامعة حلب ما يأتي:
(أما عملية التدوين الثانية فكانت في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه، فقد أقلق بعض أصحابه وأعوانه وأمرائه وفي مقدمتهم حذيفة بن اليمان "وهو يماني كما يبدو من اسمه" ما رأوه من اختلاف الناس في قراءة القرآن، وقد استقر رأي عثمان على تدوين مصحف موحد معتمد تلافياً لما قد يجر إليه تعدد النصوص واختلاف القراءة من عواقب وخيمة، وهكذا استعاد عثمان من حفصة رضى الله عنها ما كان مخطوطاً لديها من صحف الأديم التي كانت قد دونت في عهد أبي بكر، ثم أمر الصحابة والحفّاظ وفي طليعتهم زيد بن ثابت أيضاً بنسخ الآيات في سجل واحد عرف بمصحف عثمان، وقد دونت بضع نسخ منه، فوزعت على الأمصار وأصبحت هي المعتمدة، ثم أحرق ما عداها من الرقاع، بما فيها نسخة الإمام علي ونسخة عبدالله بن مسعود رضى الله عنه).
- فإذا كان القرآن الكريم على الرغم من كثرة الحفظة والقراء وفي عصر الفصاحة والعلم، اختلف المسلمون في بعض ألفاظه وقراءاته في فترة لا تتجاوز عشرين عاماً من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بالك بلغة غير مكتوبة وتتناقلها الألسنة غير الفصيحة والأجيال المختلفة، وبعد ثلاثة آلاف عام يأتي المستشرقون بدوافعهم المعروفة وبعض من وافقهم عن جهل أو عن علم بما يريدون، يأتون ليكتبوا لغة من شفاه الناس العامة دون أن يأخذوا من وثيقة أو كتاب أو مخطوطة، أيعقل هذا ويقبل؟! إن علماء اللغة المختصين وأصحاب العقول السليمة والفكر القويم يرفضون مثل هذا الكلام جملة وتفصيلاً ولا يقفون عليه كعلم يدرس. . فضلاً عن أنه جاءنا من صناعة المستشرقين اليهود في معظمهم.
لقد حاول المستشرقون جاهدين ربط المهرية بالأمهرية اليهودية الأصل العربية الارتباط اللغوي، وإدخال أفكار في أذهان الناس تشككهم بعروبتهم وانتمائهم وتحاول تهويدهم وخلق كيان صهيوني آخر كما فعلوا في فلسطين، أو خلق جيب عميل كما فعلوا في شمال العراق وجنوب السودان، أو نقلهم إلى فلسطين المحتلة كما فعلوا مع الفلاشا الذين اكتشفوا يهوديتهم المتأخرة وعربيتهم وإسرائيليتهم. ولولا أصالة أهل المهرة وعمق انتمائهم العربي والإسلامي، ومجيء الوحدة المباركة لتحقق للمستشرقين ما أرادوا والله أعلم.
رابعاً: أنها لغة عربية حديثة:
وهذا أخطر الآراء وأسوأ الطروحات، لما ينطوي عليه من نتائج مدمرة تهدد الوحدة الوطنية والقومية والدينية، وتضرب الأمة في أهم عنصر من عناصر وحدتها وقوتها (لغتها العربية) المرتبطة ارتباطاً مصيرياً بوحدتها كأمة، وبقرآنها وبدينها الإسلامي.
وهناك ثلاثة بحوث هي أهم ما كتب في هذا الجانب كما أحسب، وهي:
أ. بحث بعنوان: (بعض سمات اللغة المهرية، ومقارنتها باللغة العربية) تأليف المستشرقة الفرنسية (كلود سيمون) جامعة السوربون، ترجمة مسعود عمشوس، مجلة سبأ أبريل 1987).
ب. بحث بعنوان: (موقع اللغات العربية الجنوبية الحديثة بين اللغات السامية) للدكتور مسعود عمشوش، ندوة الألسن واللهجات اليمنية جامعة عدن، مركز البحوث والدراسات اليمنية-عدن 2-3 أبريل2000م).
ج. اللغات العربية الجنوبية الحديثة والعربية الفصحى-دراسة مقارنة، للأستاذ مصطفى زين العيدروس، صحيفة اليمن-عدد 12- نوفمبر 2000م، مطبوع باللغة الإنجليزية، قمت بترجمته إلى على العربية.
وسأقدم عرضاً سريعاً موجزاً لأهم ما جاء فيها، ثم أقول كلمتي في النهاية:
- بحث كلود سيمون، تقول فيه: " تعد اللغة المهرية اليوم إحدى اللغات الحديثة في جنوب شبه الجزيرة العربية، وتاريخياً لغات جنوب شبة الجزيرة العربية إحدى مجموعتين كبيرتين من لغات شبه الجزيرة العربية، أما المجموعة الثانية فتتكون من اللغة العربية ولهجاتها المختلفة، وكما هو الحال بين جميع اللغات السامية، توجد بين العربية والمهرية بعض السمات المشتركة، وستركز في هذا البحث على الخصائص الصرفية والنحوية للغة المهرية كما تقول:
- في المفردات:
كتب بالعربية كتوب بالمهرية
صيد " صيد "
بيت " بيت "
خبر " خبور "
أما الدلالات المختلفة -كما تقول- فتذكر مثالاً: (أجزون في المهرية) تعني: النساء بالعربية، وهذا غير صحيح وأجزون بالمهرية المزعومة أصلها عجوز أو عجائز بالعربية الفصيحة الغنية بمفرداتها ودلالاتها.
- في الاسم: في العربية أداة التعريف أل، وتحذف في التنكير، في المهرية ها:
وادي أو الوادي بالعربية بالمهرية هاوودي
رف أو الرف "" هارفوف
باب أو الباب "" هابوبت أو بوب
بئر أو بئر أو الآبار "" هابور
- في التنكير والتعريف في المهرية يزاد (أون) أو (إن) أو (إيت) أو (أت):
قارنيت بالمهرية زاوية بالعربية (قرنة)
خلفيت "نافذة خلفية "
مروت بالمهرية، مرآة بالعربية. وهكذا. . .
شجرت-شجير - أشجار - حبيت -حبات -حب بالعربية
- في عدد الأيام:
نهور - يوم - نهار
نهوري ترتي يومان نهاران أو نهارين
ثليت يوم ثلاثة أيام
ريب يوم أربعة أيام
خيسة يوم خمسة أيام
سيت يوم ستة أيام
وهكذا تستمر الدراسة حتى تصل إلى النتيجة المهمة في خاتمة بحثها وهي: أن عملية التوصيل بين المتكلم باللغة العربية، والمتكلم باللغة المهرية غير ممكنة، وهذا هو بيت القصيد والخدمة العظيمة التي تقدمها لنا كلود سيمون التي استحقت عليها التكريم والاحتفال بها والثناء عليها والترحم على روحها، أن عملية التواصل بين أبناء الوطن الواحد والأصل الواحد والدين الواحد، غير ممكنة لا لغة ولا أصلاً ولا نتماءاً إلا ساء ما يحكمون، وبئس ما يصنعون.
- وخلاصة البحثين الآخرين ما يأتي: سرد وتعداد للباحثين الأجانب من المستشرقين الكثر، وذكر تواريخهم وذكر البعثات الكثيرة التي زارت المنطقة واكتشفت هذه الاكتشافات الخطيرة والمهمة بالنسبة لهم ولمن أنسجم معهم، تبدأ بالضابط البريطاني (ريموند جيمس) 1835، مروراً بالقنصل الفرنسي بجدة 1838، وويلستد 1840، وبعثة نمساوية 1898م. . . الخ، وأهم إنجازاتهم اكتشاف ست لغات حية كما يصفونها هي: (اللغة الجبالية، واللغة الطحرية، واللغة الحرسوسية، والهوبيوتية، إضافة إلى السقطرية والمهرية)، وكل هذه الاكتشافات اعتمدت على المشافهة وتسجيل النصوص من شفاه الناس، وهذا لا يصح عندنا اليوم ولا يجوز فقد انتهى عصر الفصاحة وعمت اللهجات والعجمة والعامية.