ممدوح طه
من واشنطن تسربت أنباء صحافية عبر صحيفة الواشنطن بوست، كما أصدرت الخارجية الأميركية تعليقات رسمية عليها، تفيد بأن لويس أوكامبو المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، سيتقدم بطلب لإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، بينما اعتبرت الخرطوم أن قرارا بهذا الشأن هو جزء من الحملة السياسية الغربية ضد السودان، يمثل كارثة قانونية وتسييسا لقضية دارفور يكشف وجوه الذين يدعون العمل من أجل سلام دارفور.
وكانت أميركا وفرنسا وبريطانيا قد فشلت في إصدار قرار من مجلس الأمن يلزم السودان بتسليم وزير الشؤون الإنسانية السابق، بالإضافة إلى أحد القياديين بميليشيات التمرد في دارفور، بناء على اتهام سابق للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
عرف النظام القضائي الدولي عدة أنواع من المحاكم الدولية الخاصة، منها محكمة »نورمبرغ« التي أقامها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية لمحاكمة خصومهم النازيين المهزومين في تلك الحرب.
فكان القانون هو قانون القوي الذي انتصر، وكان القضاة هم جنرالاته المنتصرون، بغض النظر عن موقع العدالة في الواقع الذي أصبح فيه القوي لأنه انتصر وليس لأنه صاحب الحق أو القاضي العادل، هو الخصم والحكم، وهو القاضي والجلاد!
كما شهد النظام القضائي الدولي بعد ذلك عدة محاكم خاصة، شكلّها أيضاً هؤلاء المنتصرون الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن مُلاك الفيتو الانتقائي، مثل المحكمة الخاصة برواندا، والمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا، حتى برزت أخيرا إلى الوجود »المحكمة الجنائية الدولية«..
والغريب أن الولايات المتحدة الأميركية وهي الدولة الأعظم في مجلس الأمن الدولي التي كانت وراء فكرتها، رفضت التوقيع على الاتفاقية الدولية لإنشائها، خوفا من محاكمة الأميركيين، لأن قانونها يرفض استثناء الأميركيين من المحاكمة على جرائمهم، سواء في العراق أو أفغانستان أو في فلسطين وغيرها من مناطق العالم!
لكن الأغرب هو وقوف الولايات المتحدة بقوة لدفع هذه المحكمة بالأدلة الصحيحة أو المفبركة على محاكمة خصومها، سواء من الدول أو من رؤساء هذه الدول، بالحق أو بالباطل، ليس طلباً للحق وإنما لتوظيف وتسييس هذه المحكمة ولو بالمخالفة لقانون إنشائها، للضغط والابتزاز لتحقيق الأجندة السياسية الأميركية، ولو بعيداً عن أية شرعية قانونية أو عدالة دولية سليمة.
وهذا بالضبط ما حدث من ضغط وابتزاز سياسي تجاه السودان، من خلال تحرك الدول الكبرى عبر المحكمة الجنائية الدولية.. فمن يحاكم المحكمة الدولية؟!
استقر النظام القضائي على أن تتم درجات التقاضي على ثلاثة مستويات.. ابتدائي واستئناف ونقض، ضماناً لتصحيح الأخطاء الموضوعية لأحكام القضاة في الاستئناف، ولتطابق أحكام الاستئناف مع صحيح القانون في النقض، حتى تتحقق العدالة بسلامة الإجراءات وبموضوعية الأحكام وبقانونية المحاكمات.
غير أن الضمانات الأولى لشرعية أي محكمة ولسلامة أي ادعاء ولعدالة أي حكم.. هو اقتناع المدعين أو المهتمين بنزاهة وسلامة وحياد هيئة المحكمة ذاتها من ادعاء وقضاء وضمان حق الدفاع، وعدم التناقض بين المحكمة وقانونها، وبين سلامة القانون وسوء تطبيق هذا القانون..
وسواء بالانتقائية أو بغير الاختصاص أو بازدواجية المعايير، فإن ذلك لا يخالف القانون ذاته فقط، بل يقلب دور القضاء من القضاء على الظلم إلى القضاء على العدالة والقانون معاً. وبعدم المساواة أمام القانون بين المتقاضين، يفقد القضاء هيبته وشرعيته وأهليته للتصدي للقضايا المطروحة موضوع النزاع.