د/محمد احمد عبدالله الزهيري
هذه المقولة الجميلة المعبرة الواعية للدكتور عبدالعزيز المقالح تعد استقراءً واعياً للتاريخ والمجتمع اليمني الذي لم يعرف هذه الأمراض المفرقة والاختلافات الممزقة والتعصبات المقيتة التي عرفتها بلدان وشعوب أخرى .
فقد رفض اليمنيون الغلول وكل دعوة غالية تبهت وتضطر إلى الاعتدال حيمنا تقبل اليمن أو ترفض.فالتشيع الغالي على الرغم من تملك ثلاث دول شيعية باطنية في اليمن هي "القرامطة و الصليحيون و الزريعيون" انتهت ولم يبقى في اليمن باطني واحد على الرغم مما ارتكبوا من جرائم ومجازر وانتهاكات في حق الشعب اليمني وعلى الرغم من حكم الإمامة الطويل الذي استمر ألف سنة وظهور غلاة متقمصين من الإئمة ومن العلماء كالجارودية مثلاً .
فإن هذه الأفكار لم تستطع ان تخترق النسيج الموحد للشعب اليمني على الرغم من التقسيم التقليدي المذهبي الذي قسم اليمنيين إلى شافعية سنة و زيدية شيعة إلا ان الملاحظ المستقرئ الذي ينتقل من أقصى الشمال المحسوب على الزيدية إلى أقصى الجنوب المحسوب شافعي لا يجد ثمة فرقاً إلا في مسائل اجتهادية موجودة داخل المذاهب الإسلامية إنما لم يكن موجود ما هو اكبر منها وقد حصرها العلامة اليمني المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير المشهور بالصنعاني في ثمان مسائل جمعها في كتابه" المسائل الثمان ".
فمصادر وكتب السنة هي مصادر وكتب الزيدية والسني يصلي خلف الزيدي والزيدي يصلي خلف السني .وقد تصدى علماء الزيدية وأئمتهم للغول الرافضى والباطني أكثر مما تصدى له الشافعية السنة حتى أنهم نكلوا بهم وصادروا كتبهم وأموالهم كما فعلو مع الجارودية والمطرفية و البهرة .
كما رفضوا الغلو الصوفي السخيه وقد تصدى أعلام وأئمة اليمن لفكر الحلول والإتحاد التي ابتدعها بعض كالحسين بن منصور الحلاج وابن عربي الطائي وأبو يزيد اليطاكي وغيرهم حتى تجد ان اغلب ديوان العالم الفقيه الشاعر إسماعيل المقري هو في الرد على غلاة التصرف وفكر والطيران .فضلاً عن ذلك فقد تصدوا للانحرافات الأخرى كالموالد والحضرات والأناشيد المصباحية للدفوف والطبراث
من مثل قول المقري :
برغم سنة خير العجم والعرب أضحت مساجدنا للهو واللعب
هذا الرفض والتصدي دفع بعض المتأثرين بدعوة الحول والاتحاد إلى إخفاء عقيدته ويظهر ذلك في بعض أشعارهم في ومنها:
تمادى الشاهدان بنور عيني فذا يحيى وذالك يريد قتلي
ولو أني نطقت على فنائي لقلت مقالة الحلاج قبلي
فضلاَ عن ذلك فقد رفضوا الغلو السلفي الذي أتبعه بعضهم حينما استباح دماء المخالفين من القبوريين وغيرهم فإذا بالشيخ محمد ابن الأمير الصنعاني يرجع في الذي كان قد امتدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب به بقصيدته المشهورة ":
سلام على نجد ومن حل في نجد وان كان تسليمي على البعد لا يجدي
محمد الهادي لشرعة أحمد فيا حبذا الهادي و يا حبذا المهدي
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع والشريف بما يبدي
فلما بلغه استباحته للدماء المخالفة فال فيه :
لقد عدت عما قلت في النجدي
وأنكر هذا الغلو الإمام الشوكاني، وفي العصر الحديث أجمع كل علماء اليمن وأدبائها ومثقفيها على رفض الطائفية حتى بلغ البعض إلى عدم الجواب على من يسأله هل أنت سني أو شيعي ويقول له:"أنا مسلم ،وقد صرح شاعر اليمن التاريخي أبو الأحرار محمود الزبيري بقصيدة رائعة رفض فيها التفرقة العنصرية العرقية والمذهبية الطائفية فقال :
نحن شعوب من النبي مبادئنا ومن حمير دما كنا الزكية
أرضنا تلعن الطغاة الأولى سادوا علينا بالفرقة المذهبية
أرضنا حميرية العرق ليست أرض زيدية ولا شافعية
وبنوها شم عروق كريمات لنا من جذورنا العربية
إنهم أخوة غير أسياد علينا في عنصر أو مزية
والمزايا للبعض دون البعض سم الأخوة القومية
وعدو الجميع من يحكم الشعب باسم القداسة العائلية
برئت منه هاشم واقشعرت في خلاياه النطفة اليعربيه
نحن أدنى الله من كل جبار وأولى بالشرعة النبوية
ويرفض هذه الدعوة كل اليمنيين حتى أصحاب الأصول الهاشمية كالأديب الشاعر احمد محمد الشامي الذي يقول :
شوهت في عقولهم صورة الإسلام فهي الخضوع والطائفية
وهي تمزيق الناس مذهب هذا شافعي وذا من الزيدية
هم على حالهم ضلالاَ وغياً.. واختلافاً كأمة وثنية