عبدالوارث النجري
كم هو جميل أن نتحدث اليوم عن النظام والقانون بعد أن بلغ السيل الزبى، وبعد أن وصل أصحاب الكفاءات والمؤهلات إلى قعر الأرض باسم النظام والقانون وحصل الأغبياء والمخالفون والمستهترون من أبناء الكبار في بلادنا على أعلى المناصب والوظائف الحكومية باسم النظام والقانون!!! كم هو جميل أن نتحدث اليوم عن النظام والقانون في ظل وضع صار فيه السكان في بلادنا عبارة عن طبقتين الأولى برجوازيين وتجار ومقاولين وأصحاب مصانع وعقارات والثانية كداحى وعمال وموظفين وشحاتين وأصحاب سوابق ومجرمين وإرهابيين؟! وكل ذلك باسم النظام والقانون. لقد اخترت عنوان هذا الموضوع لكثرة تردده علينا أثناء إطلاعنا على كافة أوراقنا الرسمية والمعاملات في الدوائر الحكومية، فما إن تقدم مقترحاً أو مشروعاً أو حتى شكوى إلى مسؤول كبير في إحدى الدوائر الحكومية حتى يخرج الرد كالآتي: " الأخ... للإطلاع واتخاذ إجراءاتكم حسب النظام والقانون"، وفي الأخير نجد أن التوجيه في وادي وما تم اتخاذه في واد آخر لا علاقة له لا بالنظام أو القانون ... من المسؤول عن النظام والقانون؟ ومن المكلف بتطبيق النظام والقانون في بلادنا؟ بعد أن جعلت الإجراءات الروتينية المتبعة في مختلف دوائرنا الحكومية جعلت النظام والقانون شماعة للهبر من المال العام والعمل بالمحسوبية والرشوة والمناطقية والحزبية والطائفية وغيرها على حساب الكفاءة والمؤهل والقدرات والخبرة والأولوية والاحتياج وحسن السيرة والسلوك وغيرها من المعايير التي يحددها القانون ويوصي النظام باتباعها ...لم يعد الحديث اليوم عن النظام والقانون مجد بعد أن أوجد أعداء النظام والوطن آلاف الثغرات لإتباعها والعمل في كل قانون. وطرق التحايل الملتوية الأخرى على النظام والقانون.. لم يعد اليوم الحديث عن النظام والقانون مجد خاصة بعد أن عجزت الدوائر والمؤسسات الحكومية الرقابية والتفتيشية قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والإدارات القانونية في كل وزارة ومصلحة حكومية، وإدارات الرقابة والتفتيش ونيابة الأموال العامة وغيرها من تلك الجهات وأثبتت اليوم عجزها عن حماية النظام والقانون في ردع المخالفين ومحاسبتهم وإنزال العقوبات فيهم لتحديهم للنظام والقانون!!! وها هي اليوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي الأخرى يبدو أنها قريباً ستعلن عجزها عن محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين والمخالفين والمتطاولين على النظام والقانون!! إذاً فكيف نتحدث عن ضرورة إعادة اعتبار لهيبة النظام ولقوة القانون في الوقت الذي نجد فيه المئات من تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مكدسة في مخازن وأدراج فروع الجهاز بالمحافظات وفي مخازن الوزارات ومختلف المرافق الحكومية؟! كيف نتحدث عن النظام والقانون وهناك العشرات بل المئات من قضايا الاختلاسات والفساد المالي والإداري والمخالفات مجمدة في نيابات الأموال العامة؟! كيف نتحدث اليوم عن النظام والقانون وهناك العشرات بل المئات من الفاسدين والمخالفين خارج أسوار السجون يسرحون ويمرحون والبعض منهم لا يزالون في مواقع وظيفية عليا بمختلف المرافق الحكومية؟! حدثني أحد الزملاء عن ظلم تعرض له والده من قبل أحد النافذين في مديريتهم وسجن وبتواطؤ من قبل أمن المديرية وأيضاً من قبل مدير أمن المحافظة، وكان لعبارة "اتخذوا إجراءاتكم بحسب النظام والقانون" دوراً في ذلك، فعندما قام والد هذا الزميل بتقديم شكوى إلى مدير أمن مديريتهم مستنجداً به لرفع الظلم الذي أوقعه فيهم ذلك النافذ، فما كان من مدير أمن المديرية سوى طلب خصمهم وطلب من الطرفين التحكيم وطرح العدال، ولأن ظروفهم المعيشية صعبة غضب مدير أمن المديرية وأدخل والده السجن، وبعد عشرة أيام أفرج عنه ولكنه ظن بأن النظام والقانون سينصفه فقام بتحرير شكوى ضد غريمه وضد مدير أمن المديرية ووجهها إلى مدير أمن المحافظة، والذي بدوره رد عليها بالقول: "الأخ مدير أمن المديرية لاتخاذ إجراءاتكم حسب النظام والقانون"، لكن والد زميلي كونه لا يقرأ قام بإيصال رد مدير أمن المحافظة إلى مدير أمن المديرية الذي ثار غضبه بسبب قيام الرجل بتقديم شكوى ضده إلى مدير أمن المحافظة فما كان من مدير أمن المديرية سوى إيداعه السجن مرة أخرى ولمدة شهر قائلاً له: هذه هي إجراءاتنا التي تستحقها فماذا أنت فاعل؟!!.. من خلال ما سبق لا يعني أننا ضد النظام والقانون، حاشا لله، بل على العكس سبق وأن نادينا باحترام النظام والقانون أكثر من مرة، سبق وأن طالبنا بضرورة معاقبة المخالفين والمتحدين للنظام والقانون في أكثر من موضوع، لكن لا حياة لمن تنادي، فالقانون لا يزال باقياً والمخالفون والفاسدون والمستهترون أيضاً يمارسون نشاطاتهم ومخالفاتهم بحرية تامة، والضحية في الأخير هو الوطن بأمنه واستقراره وخيراته، والمواطن بحقوقه ومكتسباته وآدميته، لذا نريد أن نرى محكمة تنفذ حكم قصاص بقطع يد سارق وسجن فاسد وإنزال أشد العقوبات بكل عابث ومتمرد ومستهتر حينها فقط سنرد للنظام هيبته وللقانون قوته، فهل ننتظر؟!!!