د. كمال بن محمد البعداني
لقد شكل خروج البطل/عبد العزيز الشهاري قائد اللواء "17" ومعه أبطال اللواء من الضباط والأفراد من جبال مران، شكل هذا الخروج منعطفاً تاريخياً مهماً لهذه المنطقة والمناطق المجاورة، فلقد استطاع هذا اللواء الصمود تحت الحصار الشديد من قبل المتمردين المزودين بكافة أنواع الأسلحة وفي تضاريس جبلية قاسية استطاع الصمود لأكثر من شهرين بعد أن كان المتمردون يعتقدون أنه سيستلم مع فرض الحصار عليه، ولكنهم فوجئوا بإرادة حقيقية وعزيمة لا تلين وإيمان لا يتزعزع يتمتع به أفراد اللواء وضباطه وقادته حتى أثناء القصف المستمر على مقر قيادة اللواء في الجميمة أعلى جبال مران فإن الأذان لم يتوقف من المسجد هناك عبر مكبرات الصوت المنصوبة فوق مقر القيادة، فلقد كان هذا النداء الخالد ينطلق وقت كل صلاة فيشق عنان السماء ويملأ جنبات الوادي فيردد معه الشجر والحجر بأن "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، غير أن أذان العشاء ليوم الأحد الموافق 17 رجب 1429ه هو آخر أذان ينطلق من الجميمة في مران وكانت الجمعة 15 رجب 1429ه - هي آخر جمعة هناك، فبعد ذلك لن يكون هناك جمعة ولا جماعة في قاموس هؤلاء الناس حتى يخرج من السرداب مهديهم المنتظر أو يحكم الله من عنده، ولعل من المصادفات الغريبة أن يكون آخر أذان يردد بمدينة غرناطة في الأندلس هو أذان العشاء في اليوم الثاني من يناير 1452م، ثم غادر العرب والمسلمون هذه المدينة والذي فوجأ سكانها فجر اليوم الثاني بأصوات أجراس الكنائس بدلاً من الأذان الذي استمر يردد أكثر من سبعة قرون، وفي مران بمحافظة صعدة كانت أصوات "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" هي البديلة لأذان الفجر يوم الإثنين الماضي، إن الفرنج عندما دخلوا مدينة غرناطة نكلوا ببقية المسلمين هناك وكونوا ما يعرف بالتاريخ بمحاكم التفتيش ضد كل من كان عربي أو مسلم أو متعاطف مع الدولة التي كانت قائمة هناك، مما اضطر هؤلاء الناس إلى الهجرة الجماعية ومغادرة الأندلس في إتجاه المغرب العربي، وفي منطقة مران وعندما انسحب الجيش من هناك قام المتمردون الذين هم في الأصل عرب مسلمون قاموا بتوجيه إنذار إلى كل أسرة هناك كانت متعاطفة مع الدولة بأن عليها الرحيل وإلا كانت عرضة للبطش، فاضطرت هذه الاسرة إلى مغادرة المنطقة ومرافقة الجيش الذي خرج منها، لقد مثل صمود اللواء "17" في مران مثل نموذجاً رائعاً لصلابة وعزيمة الجندي اليمني بصفة خاصة والجيش اليمني بصفة عامة والذي لم ينل منه الأعداء بقدر ما نالت منه السياسة، فتحية لكم أيها الأبطال من القادة والضباط والأفراد الذين قاتلتم في صعدة وفي حرف سفيان، تحية لكم من الأعاق، ورحم الله شهداءكم، وشفى الله جرحاكم، فمهما قالوا فيكم فلن ينالوا منكم ومن مكانتكم، فلقد فرض عليكم الشعب اليمني الإقامة الجبرية ولكن في القلوب وليس خلف الجدران وليكن شعاركم دائماً هو قول نبي الله يعقوب إلى أبنائه "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" وسيأتي الوقت الذي يتذكر فيه الجميع البيت الشهير لعنترة العبسي:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
|
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
|
التاريخ سيتحدث عن بزوغ فجر يوم الإثنين الماضي في منطقة مران وأنه كان مختلفاً تماماً عن الأيام التي سبقته، حتى العصافير هناك والتي اعتادت أن تغرد مع سماع صوت أذان الفجر يملأ الآفاق منطلقاً من الجميمة في مران، فاعتادت هذه العصافير أن تغرد مع سماع هذا الصوت معلنة فرحتها باليوم الجديد، وفي هذا اليوم تأخر تغريدها منتظرة سماع الأذان كالمعتاد، فإذا بها تسمع بدلاً عنه صيحات "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"، فمكثت هذه العصافير في أوكارها منكسرة حزينة، وربما أن جبل الجاري والخربان وجبل لحمان في منطقة الرقة ربما أنها قد تساءلت فيما بينها عن سبب إنقطاع الأذان وكأني بالشهداء أيضاً الذين يرقدون هناك في الشعاب وفي بعض البيوت التي تم دفنهم بها أثناء الحصار سيفتقدون لهذا النداء وسيدركون بعد ذلك أن إخوانهم قد رحلوا وتركوهم هناك، فلا شك أن الجميع سيتوجه بالسؤال إلى منطقة الجميمة في مران عن سبب إنقطاع الأذان، فلربما ردت عليهم بصوت متقطع يملأه الحزن والأسى فتقول "ألا قاتل الله السياسة"، ولو قدر للجميمة في بني حشيش والذي لا ننسى أن نوجه تحية لكل من قاتل هناك ضد التمرد ونترحم على شهدائهم، لو قدر لجميمة بني حشيش التواصل مع جميمة مران لكان رد الأخيرة "ألا قاتل الله السياسة".