محمد أمين الداهية
الوالدان هما النور الذي يضيء طريقنا وهما الرحمة التي نجدها عندما نكون في مأزق فبركة دعائهما تصل إلينا في أي مكان نكون فيه،الوالدان هما النعمة العظيمة التي لا يشعر بها إلا من كان يتيماً وتربى ونشأ محروم من حنان الأم وعاطفة الأب أو أحدهما، وأيضاً لا يشعر بعظمة وقيمة الوالدين إلا من يملك من العلم والأخلاق ما يؤهله لمعرفة قدر الوالدين ولا توجد هذه المعرفة إلا بالتربية الحسنة والنشأة الصالحة، أكتب اليوم عن الوالدين لموقف شاهدته أتمنى أن أنشاه من شدة هوله وفضاعته، فبيما أنا مار في أحد االشوارع الرئيسية في العاصمة صنعاء أتفاجئ برجلان قد ظهر الشيب على لحاهما وشاب في الثلاثين من عمره تقريباً حيث كانوا يشكلون حلقة متقطعة على رجل مسن في الثمانين من عمره.
أسلوبهم وطريقة تخاطبهم مع ذلك المسن اضطرني إلى الفضول والذهاب إليهم، المهم أنني عرفت أن أولئك الثلاثة كانوا يتحدثون مع ذلك الرجل العجوز عما إذا كان يملك أي هوية أو رقم هاتف للتواصل مع أسرته أو أحد أقرباءه أو أي شخص يختاره العجوز غير ابنه الأكبر، لم يكن ضياع ذلك المسن في العاصمة صفاء بسبب أنه ظل الطريق لا، إن الأمر أشد من ذلك وصعبٌ أن تستوعبه العقول، وبعيداً عن الاسهاب، قصة ذلك الرجل ذو الثمانين عاماً أنه جاء إلى صنعاء من إحدى المحافظات لغرض العلاج وزيارة ابنه الأكبر الذي سيمكث عنده حتى يتم تشخصي مرضه ويحدد العلاج الذي سيستخدمه ثم يعود على حيث إقامته في الريف، ولكن وللأسف الشديد وحسب ما تحدث لنا ذلك العجوز والدموع تنهمر من عينيه أنه حدثت مشكلة بينه وبين زوجة ابنه التي رفضت أن تفتح له الباب بحجة تكرار خروجه ودخوله وعندما هددها بأنه سوف يشكوها إلى ابنه انتظرت حتى جاء زوجها فأصرت عليه وخيرته بينها وبين أبيه، فما كان منه إلا أن رضخ واستسلم لزوجته وفضلها على أبيه وبأسلوب حقير وطريقة جبانة قام بإخراج والده من المنزل واتجه به مباشرة إلى الفرزة المخصصة وحجز له مقعداً في إحدى السيارات وقال له بلهجة حادة "أرجوك يا أبي لا تأتي إلى مرة ثانية وإذا كان لا بد من العلاج ففي محافظتنا أفضل المستشفيات" أي عقوق هذا؟ فقد بلغ ذروة العصيان، لايمكن أن تكون هذه االبجاحة إلا في رجل لا يعرف أي شيء عن الإنسانية وبعيدٌ كل البعد عن الله عز وجل، وما يؤلم حقاً أن هذا يحدث في بلد الحكمة والإيمان، ولكن ورغم ذلك فالحقيقة هي أن كل شخص يمثل نفسه ولا يمكن أن يكون قياسً لغيره، وأنا أذكر هذا التنويه حتى لا يفهم المعنى والمقصود بطريقة أخرى، فأشكر من قام بتنبيهي على ما كتبته في مقال "لباس المرأة يتعدى الحدود الشرعية"، حيث وما كتتبه عن لباس المرأة لم يكن المقصود منه إلا فئة قليلة من النساء في مجتمعنا كما أشارت الزميلة الفاضلة ولا يمكن أن يكن هؤلاء النساء قياساً للنساء في مجتمعنا، وعودة إلى موضوعنا إن ذلك الرجل الذي فضل زوجته على والده وقام بفعلته الشنيعة لا نستطيع أن نقول غير كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" فكيفما كان الأب لا يمكن أبداً أن يستحق هذه المعاملة من الابن، ولا هذا الجزاء الذي تنشق له الجبال، فإذا كان القرآن الكريم وكلام الله عز وجل يأمرنا بأن لا نزعج الوالدين حتى في أصغر الأمور والتي قد يظن البعض أنها بسيطة ولا تضر قال تعالى: "ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما"، فمهما كان تعرف الوالدين لا يرضينا فما لم يكن هناك شرك بالله سبحانه وتعالى يأمرنا ربنا ويقول: "وصاحبهما في الدنيا معروفا" والكثير من الآيات والأحاديث التي تبين وتوضح الثواب والعقاب الذي يستحقه الإنسان من خلال طاعة الوالدين أو عقوقهما، فيا أيه الأبناء ويا من ينعمون بوجود الوالدين، استغلوا وجودهما قبل أن تفقدوهما، وقوموا بواجبكم وبما أمركم الله به نحوهما، فخيرهما وبركتهما تحل على من قام بواجبه وخاف الله واتقاه فيهما، ومن فاز برضاهما فعناية الله تحرسه سواءً في حياتهما أم في مماتهما، فهما النور الدائم الذي لا ينقطع أبداً.