الكاتب/شكري الزعيتري
نعيش اليوم وكل يوم ظروفاً معيشية صعبة بسبب غلاء أسعار تتزايد والتزامات أسرية يقف الإنسان أمام معظمها حائراً... بل يقف البعض عاجزاً... تعمل على دفع الإنسان ليكون آلة عمل مادية لا تتوقف... وتجعل الإنسان يطحن نفسه طحناً... وفي صراع يومي مع معيشته تبدأ عند الصباح... وتنتهي في الليل بخروج الإنسان عن الحياة بغيبوبة – بالموتة الصغرى "النوم"... إذ يصل الحال عند بعض الناس البسطاء مادياً وفي وجود العجز لديهم... بالشعور بآلم أب... وأنين آنيين أم... وبكاء طفل... ليس في اليمن فحسب بل في كثير من بلدان العالم وخاصة بدول أفريقية وتزايد هذا الأنين مؤخراً بظهور موجة ما سمي بجنون ارتفاعات أسعار الغذاء... فبعد أن تخلص العالم من جنون البقر... ظهر جنون أسعار الغذاء.. ومع هذا الجنون كله وجد حنون ثالث ومن نوع خاص جداً.. إذ دعيت يوماً إلى حضور عرس ، فلبيت الدعوة وحضرت العرس مشاركاً... فذهبت إلى قاعة الأفراح التي أقيم فيها العرس وأول ما دخلت القاعة "وتسمى قاعة الخيول" والتي سميتها حين الموقف "قاعة الأحصنة من الناس الذين يتسابقون للبذل والتفاخر الاجتماعي..." المهم.. أخذت مقعدي وجلست في أحد أركان القاعة وكان يملؤها الكثير من الناس أشكالاً وألواناً وأطيافاً... ليس من حيث جمال الروح والوجه... لأن هذا من خلق الله سبحانه وتعالى... وإنما من حيث ما يرتدون من ملابس وساعات فاخرة وسيارات متوقفة خارج الصالة... الخ لدى كثير من الحاضر المدعوين ... المهم... جاء إلى أحد المضيفين وأحضر مستلزمات المقيل من الماء والمشروبات والسجائر بداخل كيس بلاستيكي وجاء آخر بأربع ربط من القات من النوع الممتاز "لو ذهبت للسوق لشرائها لطلب مني ثمنها ما يجاوز الخمسة ألف ريال"... قدمت لي وأخذتها وقلت له شكراً... وبدأت بتناولها... وأثناء المقيل كانت أصوات الغناء تهز القاعة، وتشجي آذان الحاضرين... وكنت الحظ نشوة العرس لدى كثير من الحاضرين يظهر بتفاعل وتصفيق وترديد كلمات الأغاني... وتارة أخرى يتوقف الغناء ويبدء المنشد بالإنشاد... وهكذا يتم تبادل أدوار الغناء والإنشاد... وأثناء هذا وذاك تم إدخال شوالات "حمائل" من الشوال وأربطة البلاستيك مليئة بالقات ويحمل كل واحدة منها أربعة أشخاص ووضعت أرضاً في أماكن متفرقة من الصالة وفتحت وبدءوا بتوزيع القات على الحاضرين... حتى أنهم حضروا إلي ثلاث مرات لإعطائي القات وكنت أردهم بالقول شكراً... لعدم حاجتي له لأن معي ما يكفي ويزيد... انصرفت عند أذان المغرب عائداً إلى منزلي... وفي اليوم التالي ذهبت إلى نادي ضباط القوات المسلحة والذي أقيم فيه وليمة غداء الطعام للعرس بعد صلاة الجمعة... وعند وصولي إلى حوش النادي.. وإذ بي أرى الكثير من الناس الحاضرين وقد تجمعوا في حوش الناس ينتظرون لإدخالهم إلى موائد الطعام التي كانت تجهز... وبعد نصف ساعة تم دعوة الجميع وإدخالهم إلى موائد الطعام.. وإذا بهم يتزاحمون عند مداخل الصالات المؤدية إلى موائد الطعام وكنت بينهم حتى أنه تم التدافع بي شمالاً ويميناً من شدة الزحام وكثرة الناس الحاضرين... لدرجة أني شعرت وكأني في موسم حج... ولكن من نوع آخر خاص... دخلت وجلست عند أحد الموائد والتي كان يملؤها الكثير من أنواع الأطعمة وبما لذ وطاب لدرجة أن العين أشبعت النفس وأقنعت الشهية.. وفكرت متعجباً سبحان الله... غلاء الأسعار وضيق الحال... لم يؤثر بصاحب هذا العرس... وظليت أتعمق في تفكيري أثناء تناول طعام الغداء... لدرجة أني سألت في نفسي: كم كلف هذا العرس صاحبه؟ وباحتساب سريع وبسيط في ذهني أجبت على نفسي: ربما أربعة مليون "القيمة" إيجار صالة المقيل بالأمس وقيمة القات ومستلزماته والفنان والمنشد... ووليمة الغداء اليوم قد تصل إلى اثنين مليون بالإضافة إلى تكاليف المهر والدفع لوالد العروسة... وقيمة أثاث منزل العريسين... وقيمة السيارة ذات الموديل الحديث نورع بورش أمريكي الصنع والتي قدمت للعريسين هدية.. قد يصل تكاليف العرس إلى خمسة وعشرون مليون تقريباً إذ أن قيمة السيارة مائة ألف دولار تقريباً كحد أدنى ما يعاد تسعة عشر مليون... فقلت لنفسي لو أن صاحب هذا العرس تصرف بتصرفات الحكمة والرجل الصالح والبار الذي يحبه الله تعالى ورسوله وخلقه... أن وفر على نفسه هذه الخسارة... وتوجه إلى طلب رضاء الله خالقه بأن عمل العرس بالشكل المعقول.. وفر الخسارة والتبرع بجزء كبير من خسارة العرس ولتكون صدقة جارية له في ميزان أعماله بأن عمل على تأسيس معهد تعليمي وتدريبي لعلوم العصر الكمبيوتر ولغات ومهن أخرى... الخ وتخصيصه للأيتام والفقراء أو لمهن الخياطة وفن الطبخ وأعمال السكرتارية.. الخ وخصصها للفتيات الأيتام والنساء الأرامل والفقيرات.. أو أن يؤسس أعمال خيرية وصدقات جارية تكون ذات مشاريع تعليمية وتدريب أو إنتاجية.. واسهم في تأهيل جيل منتج لبلده وشعبه اليمني ولأمة الإسلام ونفع نفسه بصدقات جارية تكتب له.