عبد الوارث النجري
لقد استطاعت المخابرات الإيرانية والأميركية ومعها الموساد أن تلعب دوراً كبيراً في حرب صعدة منذ إعلان الصريع حسين بدر الدين الحوثي تمرده على النظام والقانون والشرعية الدستورية في جبال مران صيف 2004م وحتى اليوم، وقد استطاعت بالفعل أن تتحكم في مجريات الحروب الثانية وحتى الخامسة التي شهدتها مديريات صعدة بين عناصر التمرد وميليشيات الحوثي وأفراد الجيش، ونظراً لضعف المخابرات اليمنية بشكل عام فقد استطاعت المخابرات الإيرانية بالتعاون مع المخابرات الأميركية والإسرائيلية وبصورة غير مباشرة إطالة أمد الحرب وتأخر الحسم العسكري وتوقفه من حين لآخر، خاصة عندما تكون القوات المسلحة قد قاربت من القضاء على كافة المخربين من عناصر الحوثي، فعندما انتهت الحرب الأولى بمصرع زعيم المتمرد حسين الحوثي أدركت الجهات الخارجية الداعمة للتمرد أن حسين بدر الدين الحوثي قد تسرع في إعلان التمرد ومواجهة الجيش اليمني، وإصدار فتواه حول قيادة البلاد وولي الأمر لذا ما كان على أفراد أسرته سوى القدوم إلى العاصمة صنعاء والإقرار بالذي أرتكبه أبنهم حسين وفي مقدمتهم بدر الدين الحوثي وأبنه يحيى وغيرهم وبعدها سعت تلك العناصر التي استطاعت المخابرات الثلاثية السابقة الذكر اختراقها لمحاولة الدفاع عن الفكر الحوثي الأنثى عشري وربط أسباب الخلاف والحرب الأولى إلى سعي الدولة ومعها السلفيين للقضاء على المذهب الزيدي ومعاهده وأتباعه والبداية من صعدة، كما تم الترتيب لإعلان الحرب الثانية والعمل على تجاوز مكامن القصور والأخطاء التي حدثت ورافقت الحرب الأولى ومنها ضرورة إيجاد العنصر السياسي في المخطط وكذا الجانب الإعلامي إلى جوار الجناح العسكري للتمرد والذي اكتفى به حسين الحوثي، وعليه فقد استدعى الأمر سفر يحيى بدر الدين الحوثي إلى خارج الوطني كلاجئ وممثل سياسي لحركة التمرد بهدف التنسيق عن قرب مع الأطراف الخارجية الداعمة للتمرد ومخابراتها أيضاً كسب تعاطف العديد من الدول الأوروبية الأخرى والتضليل على أسباب الحرب ودوافعها ومخططاتها الحقيقية، وخاصة من خلال العمل بالتقية وإبراز الجانب الإنساني للعمل على كسب تعاطف المنظمات المدنية وحقوق الإنسان وإظهار حسين الحوثي وكافة أسرته ما هم إلا أناس يتطهرون في صعدة ويتمسكون بمذهبهم الزيدي ودخولهم الحرب ليس سوى الدفاع عن النفس كما تدعي إسرائيل وتبرر عملياتها الإجرامية بحق الأخوة في فلسطين، ومن خلال عمل قراءة لمجريات الحرب الأولى نجد أن الحوثيين لديهم نوايا للقضاء على النظام والتربع على الحكم، فهم الأحق والأجدربة، وعلى ضوء ذلك أعلنوا التمرد على النظام ومواجهته، وقد لاقوا من خلال ذلك التأييد والدعم من قبل الكثير من العناصر والقوى الظلامية المتواجدة في كافة المواقع والمرافق الحكومية سواء كان الدعم اللوجستي أو المادي وغيرها، أما إيران التي كانت المحرك والراعي الرئيسي للتمرد منذ البداية فهدفها الوحيد هو التوسيع للمد الشيعي ليشمل منطقة الشرق الأوسط، وقد وجدت في آل الحوثي ضالتها، لذا أبلغت المخابرات الإيرانية حسين الحوثي باستعدادها لدعم التمرد وإيجاد جناح مسلح في صعدة لكن بشرط أن تحل الكتب والملازم والفكر الاثنى عشري محل كتب ومذاهب الزيدية، وهو ما قبل به حسين الحوثي لاحقاً، أما المخابرات الأميركية فقد رأت من تمرد الحوثيين بصعدة عن نظام صنعاء يصعب في تنفيذ المخطط التآمري الذي يستهدف تمزيق دول المنطقة إلى دويلات متناحرة فيما بينها وهو نفس المخطط الذي يحمل اسم "مشروع الشرق الأوسط الكبير" كما رأت المخابرات الأميركية أن وجود مثل هذا التمرد المسلح جنوب المملكة العربية السعودية يمثل ورقة ضغط على المملكة يمكن أن تستخدمها المخابرات الأميركية كورقة ضغط على السعودية حين تستدعي الضرورة، لذا رأت المخابرات الأميركية الصهيونية ضرورة دعم تمرد الحوثيين على نظام صنعاء مادياً ولوجستياً، ليس بهدف القضاء على نظام صنعاء خاصة الوقت الراهن، بل العمل على إبقاء الجناح المسلح للتمرد متواجد في المنطقة بصورة دائمة على غرار الحركات المتمردة في بقية الدول الأخرى، وكذا على غرار حزب الله اللبناني، أما العناصر الأمامية والرجعية المتواجدة بالداخل فقد كان لها الدور الأبرز في رسم خطط الحرب وطول أمدهما وإيقافها عندما تكون في صالح القوات المسلحة، فقد كانت تلك العناصر تسقى في كل حرب وأثناء تقدم القوات المسلحة ومصالع المتمردين لتسخير العديد من الوسائل الإعلامية والوساطات وبعض مشائخ صعدة لمطالبة رئاسة الجمهورية بإيقاف الحرب وحقن الدماء وإبراز القضايا الحقوقية وآثار الحرب والنازحين وغيرها، أما وقف الحرب فتلتزم الصمت وتبدأ بالحديث عن بطولات المتمردين متجاهلة كافة الخروقات التي تقوم بها عناصر التمرد لكل صلح وهدنة، كما حاولت تلك العناصر الأمامية التي استطاعت اختراق كافة مؤسسات الرملة، حاولت منذ اندلاع أول مواجهة بين العناصر المتمردة ولا تزال إلى اليوم لإحداث شرخ عميق داخل رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، فأثناء السلم أو الهدنة تتناول حرب صعدة بأنها ليست سوى خطر من رئيس الجمهورية للنيل من قائد الفرقة الأولى مدرع من خلال إقحامه مع أفراد الفرقة والضباط في مواجهة المتمردين وذلك بهدف إضعاف معنويات أفراد الفرقة وكسر شوكة قائدهم خاصة في الفترة الأخيرة لجعل الطريق ممهدة أمام نجل الرئيس لتولي القيادة بعد أبيه حسب ما تطرحه تلك العناصر الظلامية وتبرر ذلك بالقول أن الحوثي ومن معه كان الرئيس والمؤتمر هم أول من قدم الدعم لهم ولمدارس الشباب المؤمن في صعدة لمواجهة مقبل الوادعي ومن معه من السلفيين، أما أثناء الحرب وعندما تشتد المواجهة ويتقدم الجيش تبدأ تلك العناصر الظلامية نفسها بالمطالبة لوقف الحرب وحقن الدماء وتظهر قائد الفرقة ومن معه من أبطال القوات المسلحة الشرفاء كأنهم تجار حروب وأنهم محسوبين على التيار السلفي ويريدون الانتقام من الزيديين، والسعي من خلال ذلك لإظهار الحرب بأن لا علاقة لها بالوطن والثوابت الوطنية بقدر ما هي حرب مصالح وطوائف، كما أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الوطن بالإضافة إلى تجذر الفساد المالي والإداري في معظم المرافق الحكومية، هذان أهم الأسباب التي ساعدت المخابرات الثلاثة السابقة الذكر وكذا القوى الظلامية لاختراق العديد من مؤسسات الدولة والتحكم في خطة سيرها ونشاطها!!! كما أن وجود يحيى الحوثي خارج البلاد ولقائه بقادة المعارضة في الخارج ساهم بشكل كبير في تنسيق الأدوار بين الطرفين تمرد صعدة واضطراب وغليان المحافظات الجنوبية من خلال رسم خطة مشتركة تشرف عليها تلك المخابرات والعمل على تنفيذها في جدول زمني معروف ومتفق عليه مسبقاً يعمل على أستمرار القلاقل والاضطرابات في اليمن تنتقل بين الجنوب والشمال والشرق، فكلما حدثت هدنة في صعدة تبدأ الاعتصامات والمظاهرات في عدن وردفان والضالع ترافقها أعمال تخريب تستهدف كل المنشآت الحكومية، أي جانب التفجيرات التي شهدتها المناطق والمحافظات الشرقية، وكل ذلك بالفعل يصب في خدمة ومصالح دول خارجية وضمن مخطط تآمري يستهدف المنطقة بشكل عام، ولعل التغطية الإعلامية التي رافقت حرب صعدة الأخيرة وأحداث التخريب في المحافظات الجنوبية في ظل ضعف الخطاب الإعلامي الرسمي أسهم بشكل كبير بعمل تعبئة خاطئة لإعاقة الناس حول ما يجري داخل البلاد، لكن لولا خطنا تصريحات عبدالملك الحوثي وأخيه يحيى حول الدعم الإيراني خلال الفترة السابقة نجدهما لم ينفيا ذلك في الوقت الذي لم يطرحا أسباب المواجهة المسلحة مع الجيش سوى كلمة الدفاع عن النفس، وأن الدولة تستهدف المذهب الزيدي ولو سلمنا بالأمر وبصحة ذلك لوصلنا إلى سؤال هام وهو لماذا تستهدف الدولة المذهب الزيدي في صعدة وتحارب الزيديين في صعدة وتتركهم وشأنهم في صنعاء وحجة وذمار وغيرها؟! ولو كان قائد الفرقة يريد القضاء على الحوثيين لانتقام السلفيين لتم ذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي أثناء تلقي تلك العناصر الدعم من اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام؟! وكذلك هو الحال بالنسبة لما يسمى بمطالب أبناء الجنوب لو كان الهدف من تلك الاضطرابات وأعمال التخريب إعادة الأراضي المغتصبة والحقوق والحريات لكانت المحافظات الجنوبية قد شهدت تلك الاضطرابات عقب حرب صيف 94؟! لكن السكوت قرابة أربعة عشر عامًا ثم إثارتها يثير الكثير من التساؤلات والاستفسارات التي بلا شك أن الإجابة عليها تؤكد ما توصلنا إليه وهو وأجوبة المخطط التآمري تجاه وحدة الوطن وأمنه واستقراره ونظامه وخبراته.