إننا نعيش في هذه الدنيا ونجهل تماماً مصيرنا وما ستؤول إليه الأمور رغم ما نسمع ونرى من مشاهد متكررة وأحداث مستمرة سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي أو على مستوى الفرد وأيضاً الجماعة، فقد يمسي الإنسان فقيراً ويصبح غنياً والعكس أي أنه لا يمكن لأحد أن يضمن نفسه أو أن يأمن مكر الله عز وجل، فالبعض من الناس ممن أنعم الله عليهم وآتاهم من فضله يعتريهم الغرور والكبر وينسون تماماً أنهم كانوا ممن تربوا في ظل ظروف صعبة وفقر مدقع وبفضل الله ومنته أصبحوا من أصحاب الأموال والمشاريع الضخمة، ولكن يبدو أن هذه النعمة التي أصابتهم قد سلبت منهم أفئدتهم وأعمت أبصارهم، فأصبحوا لا ينظرون إلى الفقراء إلاعلى أنهم منظر مشوه وغير لائق للمجتمع، سواءً في أشخاصهم أو في ممتلكاتهم كالبيوت المتواضعة التي ينظر إليها بعض المغرورين بأنها غير منظمة ويجب أن تزال أو يعاد بناها بشكل أفضل، عجباً كيف يستطيع المال أن يغير حتى المبادئ والقيم، فبدلاً من أن يراعي الإنسان نعمة ربه عليه وينظر إلى من دونه بعين الرحمة والإحسان يستحوذ عليهم الشيطان ويجعلهم يتشاءمون ويسخرون من الفقراء، إن مثل هؤلاء البشر قد أصابهم الكبر المزري، وهم في الحقيقة لا يعبرون إلا عن معدنهم وأصلهم؛ لأن الناس في حقيقة الأمر معادن، فصاحب المعدن الأصيل لا يتغير أبدًا مهما طرأ عليه من تحول مادي وتقدم اجتماعي، والإنسان العاقل هو الذي يعرف تماماً ويؤمن بأن الناس سواسية كأسنان المشط وألا فرق بين عربي وأعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى، وأن أمرنا بيد الله عز وجل، وصدق الشاعر حين قال "ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال".. وسأذكر قصة أتمنى أن نستفيد منها جميعاً "حكي أن رجلاً جلس يوماً هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية فوقف سائل ببابه فخرج إليه وانتهره وطرده، ودارت الأيام وافتقر هذا الرجل وزالت نعمته حتى أنه طلق زوجته، وتزوجت من بعده برجل آخر جلس يأكل معها في أحد الأيام وبين أيديهم دجاجة مشوية، وإذا بسائل يطرق الباب، فقال الرجل لزوجته ادفعي إليه هذه الدجاجة، فخرج بها إليه فإذا به زوجها الأول، فأعطته الدجاجة ورجعت وهي تبكي فسألها زوجها عن بكائها فأخبرته أن السائل كان زوجها الأول وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول وطرده فقال لها زوجها ومما تعجبين وأنا والله السائل الأول" فمن خلال هذه القصة وحتى وأن اختلف المعنى بعض الشيء فالهدف واحد وهو يجب ألا نعرف أولاً أننا ضعفاء مهما بلغت قوتنا ومهما بلغ جاهنا وسلطاننا، فهناك من هو أقوى منا ومن بيده عزنا وذلنا فلا تغرنا الدنيا وزخرفها ولا يأمن الدهر إلا جاهل معدوم البصيرة فالزمان لا يثبت على حال، قال الله عز وجل: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" فتارة فقر وتارة غنى وتارة يفرح الموالي وتارة يشمت الأعادي، فالإنسان النبيل هو من لا زال أصلاً واحداً على كل حال وهو تقوى الله عز وجل فإنه إن استغنى زانته وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر وإن عوفي تمت النعمة عليه وأن ابتلي جملته ولا يضره أن نزل به الزمان أو صعد أو أعراه أو أشبعه أو أجاعه.. والفقر ليس عيباً فيكفي الفقراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه وقال: "اللهم احشرني في زمرة الفقراء" إنه غاية الشرف وقمة الكرامة أعطيت للفقراء.. أما الفقير الذي يجب أن يحزن على نفسه هو فقير الأخلاق الذي لا ينظر إليه الناس إلا مثلاً سيئاً ويستعاذ منه كلما ذكر.