تغطية/إياد البحيري
بداية. . أتقدم بالشكر والتقدير للمركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات"، لاستضافته لي للحديث عن "مشروع موسوعة اليمن الكبرى".
استهلال
طبعاً هناك موسوعات طبعت ليس في اليمن، ولكن ربما خارج اليمن عن تاريخ دولة من الدول، أو جنس من الأجناس فيها – منها ما يعرفه الدكتور نزار الحديثي – مثل "موسوعة تاريخ العراق" و"موسوعة تاريخ الجنس العربي" لمحمد عمر دورزة، أيضاً هناك في أوروبا "موسوعة تاريخ الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية".
أما هنا عندنا في اليمن فقد بدأت محاولات لإخراج أعمال موسوعية، سبقتها بانجاز موسوعات في التاريخ الإسلامي، كتاب ابن خلدون الذي يعتبر بحد ذاته عملاً موسوعياً و"صبح الأعشى" للقلقشندي، و"تاريخ الطبري" وغيرها مجموعة كبيرة من الكتب الموسوعية، وكل موسوعة من هذه الموسوعات أخذت بطبيعة ونظام "منهج" أسلوب الدراسة المأخوذ به في الزمن الذي كتبت فيه هذه الموسوعة أو تلك.
أعمال موسوعية. . في تاريخ اليمن الحديث
عوداً على بدء. . هنا في اليمن، تم في التاريخ الحديث إعداد موسوعة سميت ب "/وسوعة اليمن". . هذه الموسوعة طبعت لمرتين: الأولى في جزئين، والثانية في أربعة أجزاء، غير أنها كانت موسوعة عامة ولم تكن متخصصة في تاريخ اليمن.
أيضاً هناك "موسوعة العفيف" وهي نتاج جهد يشكر عليه صاحبه كما تشكر عليه مؤسسته وكل من ساهم معه في إنجازه، وإن كان ثمة مأخذ على هذه الموسوعة يتمثل في اقتصارها أو انتقاءها لبعض النباتات والمدن والجزر اليمنية والشخصيات أو الأحداث والتنظيمات السياسية في اليمن والقضايا محط ووجهة الاهتمام فيها مثل قضية الحدود، والكتابة عنها دون سواها، على كل حال فهذا المأخذ لا يقلل من شأن هذا العمل الموسوعي الكبير وقيمته لا سيما في طبعته الثانية.
"موسوعة تاريخ اليمن". . أعاقها "التمويل"
يتداعى بذاكرتي أنني والدكتور نزار الحديثي عندما كنا معاً في "عدن". . كنا قد بدأنا العمل في مشروع موسوعة يمنية كبرى أسميناه "موسوعة تاريخ اليمن"، بيد أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح لوقوف مشكلة التمويل حجر عثرة في طريق إنجاحه؛ لأن عملاً موسوعياً كهذا لن يتأتى إنجازه خلال أسبوع أو أسبوعين ولا حتى شهر فهو يحتاج إلى ما لا يقل عن سنتين أو ثلاث سنوات من البحث العلمي والعمل الدؤوب المتواصل الذي – ولا شك – سيحتاج إلى تمويل.
ومع هذا – من يدري – فربما استطاع المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" اجتياز هذا العائق "التمويل".
دواعي أن تكون لتاريخ اليمن. . موسوعة كبرى
ثمة دواعي ومبرروات جمة تستدعي لأن يكون لتاريخ اليمن موسوعة كبرى، وحسبنا أن نذكر من هذه الدواعي والمبررات: أنه حتى الآن لا يوجد كتاب أو مادة تاريخية تشمل وتلم بكل حلقات التاريخ اليمني، بالرغم من أن هذه المادة يحتاج لها طالب الدراسات الجامعية، كما يحتاج إليها المهتم بتاريخ اليمن، سواء كان يمنياً أو غير يمني، وهكذا الحال بالنسبة للباحث في شؤون تاريخ اليمن، معنى هذا أن هناك أكثر من مبرر وضرورة لهذه الموسوعة التي إذا ما كتب لها أن ترى النور سيكون بالإمكان بعد كل خمس أو عشر سنوات أن تتوسع في مادتها وحجمها بإضافة ما يستجد من أحداث تحدث أو معلومات أكثر جدية تضيفها الوثائق والنقوش والمخطوطات التي يتم الكشف عنها أو العثور عليها.
"موسوعة اليمن الكبرى". . لماذا؟
أولاً: باعتبار أن المادة التاريخية اليمنية – حتى الآن – مبعثرة في كتابات وكتب كثيرة، ولم تجمع وتلم شتاتها، موسوعة، فإن هذا يعني أن هناك ما لا يقل عن خمسمائة كتاب تتحدث عن تاريخ اليمن مراحله المختلفة كتبت باللغة العربية أو بلغات أجنبية وبأقلام يمنيين وعرب وأجانب.
غير أن هذه الكتب – كما قلنا – لا نجدها في شكل مادة علمية بين دفتي موسوعة، وبالتالي فإن على من يروم الكتابة عن تاريخ اليمن، العودة للعديد من الوثائق والكتب والمراجع ليجمع المادة في المجال الذي سيتناوله أو يستهدف الكتابة فيه، وهنا تبرر صعوبة كثيراً ما واجهها كثير من الباحثين.
ثانيا: هذا الكم مما أشرنا إليه من كتب عن اليمن، تعتورها - بقصد أو بدون قصد - بعض المعلومات الخاطئة، كما تشوبها - فيما أرى - تشويهات وتحريفات استشراقية خاطئة، وهي تحتوي على استنتاجات خاطئة أيضاً، وفيها من المعلومات ما يتكرر بتكرار النقل، بل وأحياناً - وبدون قصد - ما يتم تكرار نقلها وكتابتها في مراجع أخرى والتعامل معها باعتقاد أنها صحيحة.
ثالثا: من جملة ما تتوخى هذه الموسوعة تحقيقه من أهداف، الاضطلاع بعملية "غربلة" لما كتب عن تاريخ اليمن، وإعادة كتابته بصياغة جديدة متواشجة مترابطة الحلقات والمراحل. . صياغة يتوحد فيها التحليل والآراء والمصطلحات، كما تتوحد الصياغة اللغوية، وكذلك المعارف، والنواقص، كما لن تكون فوق النقد أو بمنأى عن التصويب.
رابعاً: هذه الموسوعة لن تكون – فقط وكما سيتبادر لأذهان البعض – موسوعة للتاريخ اليمن، ولكنها إلى جانب إيلاءها للتاريخ ما يستحقه من الاهتمام، ستكون شاملة على كشافات توضيحية للقارئ عمن وردت أسمائهم فيها من أعلام اليمن ومدنها التاريخية وقبائلها وغير ذلك مما سيرد بين دفتيها من أسماء لأماكن ومواقع.
إلى هذا ستشمل الموسوعة على قائمة بما هو متوفر من مصادر "تم مراجعتها" وبالتالي فإن باستطاعة الباحث الرجوع إلى هذا المصدر أو ذاك إذا عن له التأكد من صحة ما ورد من مادة بين دفتي الموسوعة.
رؤية وطنية للتاريخ اليمني: رؤية ذات طابع وطني لتاريخ اليمن
إلى هذا وذاك فإن الموسوعة تهدف إلى الانتقال بتاريخ اليمن من شكله المجزأ المتناثر إلى شكل كامل متكامل بحفظه في مجلدات تشكل في مجملها الموسوعة التي يمكن إذا ما شارك في العمل على إنجازها عدد كبير من المؤرخين والباحثين، أن تكون عند إصدارها بمثابة رؤية وطنية للتاريخ اليمني. . رؤية تحريرية ذات طابع وطني لتاريخ اليمن، إذ أن خلاف أهل اليمن الذي أحياناً ما وصل إلى نشوب حروب ما بينهمن في مختلف المراحل والعصور بما في ذلك التاريخ الحديث والمعاصر كثيراً ما كالن هذا الخلاف بسبب "كتابة التاريخ"، فهناك – مثلاً – شخصيات تصطنع أو تختلف لنفسها أدواراً ومواقف في أحداث لم يكن لها من دور أو موقف مشهور فيها، فيما شخصيات أخرى صنعت أحداثاً وشاركت فيها. . ومع هذا لم تذكر هذه الشخصيات ولا تلك الأحداث، وهذا شهدته المرحلة المعاصرة من تاريخنا. . فمثلاً عن تاريخ الثورة اليمنية "26 سبتمبر، 14 أكتوبر" ما أكثر من يتحدثون عن بطولات مزعومة وأدوار اضطلعوا بها في أحداث ربما لم يكن لها أدنى صلة بها، كذلك ثمة من يتحدثون عن أحداث فيغمطون أدوار صناع هذه الأحداث ويمنون عليهم بإعطاءهم المكانة التي يستحقونها نظير أدوارهم تلك.
هناك عدد كبير ممن ساهموا في انتصار الثورة وتحقيق الوحدة والدفاع عنها. . هؤلاء يغيبهم الموت – والموت حق – الواحد تلو الآخر عن كوكبنا كما أن ذاكراتهم تكل فتختلط فيها الأحداث أو تنسى بتقادم سنين أعمارهم، وفي الحالين "الموت، وتقادم سنين العمر" يكون مآل بعض الحقائق إلى الضياع والنسيان أو مواراة الثرى مع من يحملونها.
من هذا المنطلق فإن هذه الموسوعة يمكن أن تسهم في تجميع ما لم يجمع أو يعرف بعد من تاريخنا لا سيما هذه المرحلة المعاصرة منه، كما أنه إذا ما تم التسريع في إنجاز هذا العمل الموسوعي يمكن تضمينها ما يمكنه جمعه من بيانات ومعلومات وحقائق جديدة من مضانها ومصادرها الموثوقة والعمل على تدقيقها، وفي هكذا توجه ما يؤكد الزعم بأن للموسوعة أهدافاً كبيرة وعظيمة، ولكن دون أن يعني هذا أن ما ستنطوي عليه وتحتويه، قرآناً منزلاً، فيما هو في حقيقة الأمر اجتهاد يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب، وما من شك أن ثمرة هذا الاجتهاد ستكون عرضة للنقد والنقاش والتعديل، وربما جاء جيل بعد جيلنا فأعاد صياغة "موسوعة اليمن التاريخية" بطريقة أخرى مغايرة للطريقة التي أنتهجناها في إعدادنا للموسوعة؛ لأن "المشكلة" في كتابة التاريخ أنه مرتبط بوثائق ونقوش ومخطوطات وبالتالي كلما ظهر أو اكتشف نقش ألقي بظلال ومعلومات جديدة على موضوع معين، وعلى هذا الاساس فنحن دائماً لا نقول "كتابة التاريخ" ولكننا نقول كتابة وإعادة كتابة التاريخ باعتبارها عملية متواترة ومعايشتنا للأحداث ومعاصرتنا لها، ربما لا ينظر لها جيل قادم من هذه الزاوية فهو لم يشهد أو يعايش هذه الأحداث، فينظر لها برؤية مختلفة عن رؤيتنا، وحتى لا نذهب بعيداً فهذه ثورة "26 سبتمبر" لم تعد الرؤية لها كما كانت يوم قيامها، فثمة آراء ووجهات نظر مختلفة حولها، وهناك معلومات جديدة عنها.
ما ستشتمل عليه "الموسوعة"
يفترض في هذه الموسوعة من الناحية الشكلية أن تشتمل على أربعة عصور أو أربعة مراحل على اعتبار أن تاريخ العالم مقسم على هذا النحو.
المرحلة الأولى "التاريخ القديم"، وتبدأ بقيام الإمبراطورية الرومانية، وقبلها اليونانية، وتنتهي بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية.
المرحلة الثانية "التاريخ الوسيط"، ويعتبرها المؤرخون ممتد ومستمر بإمتداده الزمني منذ نشوء الإمبراطورية الشرقية أو بيزنطا وحتى سقوط القسطنطينية وعاصمتها اسطنبول على يد العثمانيين، وسقوط غرناطة العربية، ذلك أن السقوطين حدثا في وقت واحد، إذ انتصر المسلمون في مكان وانهزموا في مكان آخر.
المرحلة الثالثة "التاريخ الحديث" ويعتبرها المؤرخون تمتد من سقوط القسطنطينية إلى انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918م، يلي ذلك التاريخ المعاصر، وهو كما يعتبره البعض تاريخ سياسي أكثر منه تاريخ يعني بالعلوم، أما امتداده الزمني فمن 1918م وحتى الوقت الراهن، هذا بالنسبة للعالم الإسلامي ومنه اليمن، وربما اختلفت كتابة مراحل التاريخ لدى البعض، فاعتبروا أن ما قبل الإسلام أي ما قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهور الرسالة المحمدية هو التاريخ القديم.
الممولون ل "مشروع: موسوعة اليمن الكبرى"
ما من شك أن ما نحن بصدده عمل موسوعي كبير، وعلى هذا الأساس أتمنى لهذا العمل أن ينجز كما أنني على استعداد للمشاركة في إنجاعزه ومثلي الأساتذة الاختصاصيين في جامعة صنعاء والجامعات اليمنية الأخرى سيشاركون هم أيضاً في الإعداد لهذه الموسوعة في مختلف مراحل الإعداد لها، لكن قبل هذا علينا أن نبحث عن التمويل، من سيمول؟ هل ستمول الدولة؟
على الرغم من أنني وزير وجزء من الحكم، إلا أنني وكما أرفض أن يتولى "الخارج تمويل إصدار الموسوعة كذلك لا أريد للدولة – هي الأخرى – أن تتولى تمويل إصدارها، وكما قلت وأقول دائماً: إذا أردنا أن نكتب التاريخ. . علينا أن نبعده عن الدولة، ولا بأس من أن تشارك بتقديم بعض المساعدات والتسهيلات، ذلك حتى لا تفرض علينا كمؤرخين وأساتذة تاريخ، لأن نكتب في مواضيع معينة وفق أمزجة وأهواء عقليات من في الدولة في الزمن الذي تتم فيه الكتابة فنضطر تحت وطأة "التمويل" لممالاتهم ومجاملتهم.
من هنا أرى من الأجدى جذب القطاع الخاص وإقناعه بالمشاركة في التمويل بتبرعات غير مشروطة تودع "التبرعات" في حساب خاص بالموسوعة يتم الصرف منه بنظر مركز "منارات" وبطرق قانونية ومحاسبية صحيحة، وبالتالي – كما أرى – فإن من سيكتب. . ومن سيراجع. . ومن سيسجل المعلومات. . سيكونون أخرار من أي ضغوط تمارس عليهم وحتى من سيتبرعون من التجار ورجال الأعمال مساهمة منهم في تمويل الموسوعة ينبغي ألا يكون لهم علاقة بإعداد مادتها أو أدنى تدخل فيما سيكتب فيها بغية تحقيق ما يريدون تحقيقه أو تريد تحقيقه الدولة، الأهم من هذا كله أن يحقق هذا العمل الموسوعي ما يريده العلم. . وما تريده الحقائق التاريخية والأمانة الأ>بية وموضوعية المنهجية العلمية، بالرغم من أنه لا توجد موضوعية مطلقة. . لأنه لا توجد حقيقة مطلقة باعتبار أن كل شيء في العلم والحياة نسبي، لكن أن تكون نسبة موضوعيتك عالية، أفضل من أن تكون ناقصة، وأن تكون غير متهم بمداجاة هذا الطرف أو ذاك وفرض شروطه عليك بدعوى تمويله لمشروعك، فهذا يعني فيما يعنيه أن تكون أكثر حرية في إعدادك لكتاباتك التاريخية.
. . وبعد
ما أتيت عليه. وسقته ليس إلا موجز تصور أولي أو هيكل عام لخطوط عريضة للنحو الذي يمكن تحتويه وتكون عليه الموسوعة، وبرأيي أن تشكل مجموعة عمل من أساتذة التاريخ القديم والإسلامي والحديث والمعاصر لتعمل سوياً على إعداد كتاب يتضمن تصوراً لمادة الموسوعة وشكلها والبرنامج الزمني المقترح لإعدادها وكذلك الكلفة المالية التي تحتاجها مهمة الإعداد بمختلف مراحلها.
وإذا ما أ،جز هذا الكتاب يمكن توزيعه للهيئات والمؤسسات الخيرية لتسهم – إذا ما رغبت – في تمويل إعداد وإصدار الموسوعة ولكن دون تدخل منها في إعداد المادة أكان بغرض أهواءها وأمزجتها على تفسير الأحداث أو إصباغها بوجهات نظرها، ودون أن يعني هذا إسقاط حقها في أن تذكر أسماءها كجهات مساهمة في تمويل إنجاز المشروع "الموسوعة" وإخراجه إلى النور.
هذا كل ما أردت أن أقوله، وما ستأتون عليه من إضافات وستبدونه من آراء، كفيل بإثراء الموضوع وإغناءه، وشكراً لكم.