كروان عبد الهادي الشرجبي
في مساء اليوم الأول من ديسمبر عام 1995م كانت "روزا" عائدة من عملها تحمل في يدها كيساً ورقياً فيه مشترياتها المنزلية وقد أرهقها السير الطويل والعمل في برد الشتاء القاسي، لتصل إلى حيث موقف الباص، حيث جاءت الحافلة. صعدت من الباب الأمامي لتدفع للسائق ثمن التذكرة ثم نزلت لتصعد الباص من الباب الخلفي " المخصص للفئة السوداء أو من البشر" فقد كان في تلك الفترة يمنع صعود "السود" من الباب الأمامي الذي كان مخصصاً للبشر "البيض"، وكان هناك قانون يلزم بإخلاء "السود" أماكنهم ليجلس عليها " البيض" في حال ازدحام الباص، جلست تلك المرأة "روزا" على مقعدها وإذا بها تسمع صوتاً خشناً يقول "قوموا من أماكنكم",
فأسرع من كان راكباً بالنهوض ملبيين النداء ما عدا تلك المرأة لم تتحرك، وقالت بهدوء "لا".. سمعها السائق تصرخ فقال لها مهدداً: "سأستدعي الشرطة إذا لم تنهض"، فردت بإصرار.. أنا لم أركب الباص حتى أسجن وإنما ركبته كي أصل إلى بيتي..
بعد هذا الحوار قامت الدنيا ولم تقعد وبالفعل اقتيدت تلك المرأة إلى السجن، وتطوع محام أبيض للدفاع عنها ودفع كفالتها مائة دولار وحددت موعد المحاكمة وحكم عليها بدفع غرامة مالية.
فاحتشد الكثير من السود داخل في المحكمة وخارجها وهم غاضبون، ولكن على الرغم من الإدانة بدفع غرامة إلا أن المحكوم ضدها رفضت تنفيذ الحكم.
وهذا جعل الكثير يخاف عليها من أن يتم اغتيالها، ولكنها قالت: "إذا كان قتلي سيفيد بشيء سوف أكون سعيدة بأن أقتل".
وتصدى رجل العام كما أطلقت عليه الصحافة في ما بعد " مارتن لوتر كنغ" للدفاع عنها فدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذ قام اتحاد الإصلاح الذي يترأسه بطبع 25ألف ملصق يحمل صورة المرأة "روزا" ودعوة للتضامن لإزالة التفرقة العنصرية واقترح الإضراب عن استخدام سيارات النقل واستمر هذا الإضراب 381 يوماً خسرت فيه شركات النقل الملايين من الدولارات.
وعلى الرغم من أن "مارتن لوتر كنغ" قد سجن عدة مرات وضرب وفي النهاية تم اغتياله إلا أنه تبنى موقفاً واستطاع إلغاء قانون التفرقة ومساواة المواطنين السود بالبيض وأصبحت عبارته الشهيرة "لدي حلم".
ونال "مارتن لوتر كنغ" جائزة نوبل للسلام عام 1964م وبعدها بأربعة أعوام تم اغتياله وهو يخاطب العمال المضربين عن العمل في منطقة "ممقيس الأميركية".
الغريب في الموضوع أن الجميع يعرفون هذا البطل ولكن لا أحد يعرف دور تلك المرأة السوداء التي أشعلت الثورة بكلمة "لا". <