محمد أمين الداهية
كان هناك رجلان تربطهما صداقة حميمة فوق المعقول حيث لم يكن يفرقهما غير الفراش عند الخلود إلى النوم، كانت صداقتهما قوية جداً إلى درجة أنه كان يخشى عليهما من أن تصيب هذه الصداقة عين حسود أو معجب، مرت أشهر وسنون وهم على هذه الحالة، لحظات الفرح يعيشانها معاً، لحظات الحزن كذلك، همومهما واحده أفكارهما متوافقة، عاشت صداقتهما بهذه القوة فترة طويلة..
ولكن من يأمن الدهر إن الدهر خوانٌ.
بدأت مؤشرات مزعجة أحدثت بعض الخلل في تلك العلاقة بين الصديقين، وبعيداً عن السرد.
تحطمت تلك العلاقة وانهارت تلك الأعمدة والجسور التي تأسست عليها صداقة حميمة جمعت قلبين لرجلين كان أحدهما في غاية الإخلاص والوفاء، ولكنها تسببت في مصرع أحدهما عندما أكتشف أن من ورطه بتهمة هو بريء منها ودخل على إثرها السجن أقرب الناس إليه وأغلاهم عنده، صديقه، مقابل بعض المال والفوز بمنصب مرموق إذا نجح بالايقاع بصاحبه.
وقد صدق من قال: أن أصعب ما يمكن على المرء تحمله أن يطعن في ظهره فيلتفت فيجد أن من قام بطعنه أقرب الناس إليه.
عزيزي القارئ هذا ليس فلماً رومنسياً، هذه قصة حقيقية من صميم الواقع، وليس الغرض منها التسلية أو اللعب بالعواطف، الغرض من ذكر هذه القصة التعريف بمعنى الصداقة الحقيقي، الصداقة الخالية من المصالح أو لمجرد التسلية وقضاء الوقت، إن من لا يملكون الشعور بالصداقة حتى وإن أظهروا تمسكهم بالصديقة فهم ما أسرع ما ينسحبون وينسلخون في اللحظات الحرجة والمواقف الصارمة التي يحتاج فيها الصديق صديقه إلى حتى لمجرد البث وطلب النصح والإرشاد، هناك أشياء كثيرة تعيق الصداقة بل تقتلها، ولكن هذه المعوقات بدرجات متفاوتة، وأخطر درجة التي قد ربما تؤدي بالصديق إلى "الخيانة"، وما أصعب حال من يتعرض للخيانة. لكي نحافظ على صداقتنا يجب أن نلتزم بمعايير الصداقة وأن نعرف جيداً من هو الصديق الحقيقي؛ إن الصديق الحقيقي هو من أخلاقه عالية بالذات مع صديقه ومن إذا قلت حقاً صدقك وإذا خدمته صانك، الصديق الحقيقي من قل شقاقه ومن لا يكثر انتقاده لك ولتصرفاتك أو يحاول أن يفرض نفسه عليك ويشعرك بأنه أفضل منك وأعلم بشؤون الحياة فلا يراعي لك رأياً ولا يقبل منك فكرة أو مشورة.
الصداقة شيء كبير لا يمكن أبداً أن تباع مهما كان الغرض وكانت الإمكانية فلا يضعف أمام المال أو المنصب من أجل خيانة الصديق إلا رجل زائف وبكل إخلاص ووفاء لصديقه لم يكن ذلك إلا مجرد سراب ينكشف بمجرد الاقتراب منه وما أجمل الشاعر الذي قال:
لا خير في ودامرئٍ متلون إذا الريح مالت مال حيث تميل
ما أكثر الأخوان حين تعدهم لكنهم في النائبات قليل.
يجب أن تتحلى الصداقة بالثقة المتبادلة، واستخدام الحلم والرفق واللين والكرم وترك المناقشة السلبية، والقبول بالصديق وأهم شيء أن "نتجنب الخيانة في الصداقة".