;

التحرك ضد البشير ... هل يوحّد الصف في السودان؟ 1431

2008-08-09 05:34:39

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية

ترجمة: شيماء نعمان

هل يصبح تحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني "عمر البشير" حجر الزاوية لوحدة صف غير مسبوقة في السودان؟ وهل يمكن أن تتحول "الضارة إلى نافعة"؟

أثارت مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق البشير، بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور العديد من علامات الاستفهام. وقد تبارى السياسيون والمحللون في تقديم سيناريوهات محتملة للأوضاع التي ستشهدها السودان إذا ما تم اعتقال البشير، فمنهم من توقع أن تتحول البلاد إلى "صومال" جديدة، بينما أوضح آخرون أن الحكومة قد تنهار لتحل الفوضى محل النظام، غير أن بعض المبادرات من قبل خصوم للبشير داخل السودان ربما تضع تصورًا جديدًا.

فقد كشف تقرير نشرته مؤخرًا صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن السودانيين يتحركون لتوحيد جبهتهم خلف رئيسهم.

وجاء في التقرير الذي أعده مراسلو "نيويورك تايمز" في الخرطوم- "ليديا بولجرين"، و"جيفري جيتلمان":

تعرض الرئيس السوداني "عمر حسن البشير" للاتهام من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بارتكاب عمليات إبادة جماعية، كما أنه قد شهر به عالميًا معتبرًا إياه قاتلاً عتيدًا دأب على ارتكاب المجازر في حق أبناء شعبه. إلا أن الوضع داخل السودان- في الوقت الراهن- يشير إلى أن سلطة البشير قد صارت أكثر رسوخًا عن أي وقت مضى.

وفي غضون الأسابيع القليلة الماضية، سعى خصوم سياسيون من ألد الخصوم واحدًا تلو الآخر إلى تضييق الهوة والاتحاد وراء الرئيس السوداني، متهمين مذكرة التوقيف التي تلوح في الأفق من قبل المحكمة الدولية بأنها عقبة أمام السلام وإهانة للسيادة السودانية.

وقد قوبل التحرك الدولي بإعادة تنظيم سريعة وجذرية للساحة السياسية الفائرة في السودان، مدفوعة في جزء منها بالعزة الوطنية، وكذلك بمخاوف عميقة الجذور من أنه إذا ما تم استبعاد البشير عن طريق أيدي التدخل الخارجي، فإن السودان يمكن أن يهوي بسهولة إلى فوضى من النوع الذي تشهده الصومال.

إن الحكومة تبدو في مخاطرة كبيرة، حيث تحاول على نحو دقيق تحديد كم تحتاج من تنازلات من أجل البقاء. ويجري حاليًا مناقشة مقترح كان يبدو غير منطقي فيما مضى، وهو ما إذا كان يتعين على الحكومة إلقاء القبض على كل من "أحمد محمد هارون"، وزير الداخلية السابق، و"علي قشيب"، أحد زعماء الميليشيات أم لا.

ويواجه الاثنان بالفعل مذكرات توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية عن اتهامات تتعلق بجرائم ضد الإنسانية في دارفور، غير أن الحكومة كانت قد رفضت تسليمهما. وقال مسئولون هنا: إن مثول الرجلين أمام محاكمة في السودان ربما يعد طريقًا لإقناع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتعليق قضية البشير.

وصرح وزير الخارجية السوداني "دينغ ألور"- عضو بارز بجماعة متمردة سابقة أصبحت الآن جزءًا من الحكومة- أن: "كل شيء فيما عدا الرئاسة مطروح على المائدة".

وطالما ركز الغرب بلا هوادة على مسألة دارفور. إلا أن هنا في السودان، ينظر معظم الشعب إلى الأزمة على أنها مجرد استمرار لسلسلة طويلة من الصراعات الداخلية بين حكومة استبدادية وشعب مدقع في الفقر يعيش على الهامش.

لقد ظل السودان في حالة حرب داخلية خلال حقبة ما بعد تاريخه الاستعماري تقريبًا. فقد قاتلت تقريبًا كافة جماعاته العرقية والدينية بعضها بعضًا، كما أن السياسة لا يزال يهيمن عليها انعدام الثقة، والتدخل الخارجي، والخصومات المتأججة.

وهناك العشرات من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، لكل منها أجندتها السياسية الخاصة.

وقال "صادق المهدي"، الزعيم السياسي المنتخب السابق الذي تمت الإطاحة به في عام 1989 على أيدي البشير، والذي عارضه منذ ذلك الحين حتى الآن: إن "الوضع في السودان في الوقت الراهن حافل بالمتاعب".

ويعد من بين أحد المخاوف المتصاعدة أنه بدون البشير، يمكن لاتفاق السلام الذي وقعته الحكومة المركزية ومتمردو الجنوب عام 2005 أن ينهار. فالسودان بلد يعاني انقسامات ضخمة عميقة، ما يجعل الاتفاق يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه بمثابة اللاصق الذي يضمها إلى بعضها.

ويدعو الاتفاق إلى إجراء انتخابات العام المقبل وتحديد سبل تقاسم الثروة والسلطة في البلاد. ويعود للبشير الفضل في الوقوف في مواجهة المتشددين داخل حزبه، وتقديم تنازلات حقيقية من أجل إنهاء الحرب.

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "لويس مورينو أوكامبو" قد وصف البشير بأنه العقل المدبر لعمليات الإبادة الجماعية، إلا أنه في الخرطوم يُنظر إليه على نطاق واسع كزعيم معتدل نسبيًا.

ويقول "غازي سليمان"، وهو محامي معني بحقوق الإنسان تعرض للسجن 18 مرة على أيدي حكومة البشير: "إنه- البشير- حمامة وليس صقرًا".

ومن وجهة نظر العديد من القادة السياسيين السودانيين، فإن إجراء المحكمة لم يكن ليأتي في وقت أسوأ من ذلك. حيث كان هجوم على العاصمة نفذته جماعة متمردة من دارفور في مايو الماضي قد تسبب في هزة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، كاشفًا عن ثغرات في هالة حصانته العسكرية.

وفي اعتراف نادر من قبل مسئول بارز بالحزب بقابلية التعرض لاختراق، قال "غازي صلاح الدين"- أحد كبار مستشاري البشير- إن "ذلك يكشف فحسب كيف أن الجيش منهك لأقصى الحدود".

وقد اندلع، عقب أسبوع واحد، قتال جديد بين الجيش الوطني وجماعة متمردة سابقة بمنطقة إيبي الغنية بالنفط المتنازع عليها، ما أجبر أكثر من 50. 000 شخص على الفرار وأثار المخاوف من جولة جديدة من إراقة الدماء.

من جانبه، صرح دبلوماسي غربي بارز في الخرطوم رفض الكشف عن هويته- حيث إنه من غير المخول له التحدث علنًا- أن "الكثير من الكيانات السياسية نظرت إلى الهاوية وتملكها الرعب".

ولقد دفعت العديد من السيناريوهات الكابوسية المتوقعة - والتي من بينها إمكانية الانهيار الداخلي للنظام السوداني، الذي قد يعيد القاعدة إلى السودان أو يشجع جماعات متمردة مختلفة لمحاولة الإطاحة بالحكومة - النخبة السياسية في السودان لتحديد خياراتهم. وقد اختارت معظمها الاتحاد في الوقت الراهن إلى وراء البشير.

وقال "جيمس مورجان"، وهو ناطق باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان التي وقعت على اتفاق السلام الشامل الذي وضع نهاية للحرب بين الشمال والجنوب السوداني: "إن هذه لحظات حرجة في تاريخنا"، مضيفًا أنه ينبغي منح البشير "متسعًا من الوقت لتنفيذ هذه الاتفاقات".

وجاء إعلان المحكمة الدولية كذلك وسط دلائل تشير إلى أن النظام السياسي السوداني الذي تسيطر عليه العسكرية كان على وشك التحول إلى الديموقراطية. وقد مررت فعليًا الجمعية الوطنية قانونًا انتخابيًا جديدًا، من شأنه أن يخلق أول حكومة منتخبة عن انتخابات حرة منذ أكثر من 20 عامًا. كما سيخصص القانون كذلك مقاعد للمرأة وغيرها من الجماعات ذات التمثيل غير القوي.

واعترف صلاح الدين أن هناك "أخطاء ارتُكبت في دارفور"، قائلاً: إن التحول السياسي المقبل، من خلال الانتخابات، سوف يتعاطى مع جذور أزمة التهميش السياسي لها.

ولقد كانت الحرب بين الشمال والجنوب دائمًا ما ينظر إليها على أنها التهديد الأكبر للسودان. لكن في عام 2003- بينما استمرت المفاوضات المتعلقة بإنهاء الحرب- ظهرت جماعة متمردة جديدة في دارفور لتطالب بنصيب أكبر من الثروة والسلطة لذلك الإقليم الغربي الذي ظل مهملاً لزمن طويل.

وردت الحكومة على ذلك بنفس التكتيكات القاسية التي استخدمتها في الجنوب، تاركة العنان للميليشيات العربية لتعقب المتمردين وأنصارهم إلى خارج قرى دارفور. ومنذ أن بدأ هذا الصراع في عام 2003، لقي نحو 300. 000 شخص حتفهم جراء أعمال العنف، والمرض، والجوع، كما تشتت 2. 5 مليون خارج القرى المدمرة.

إلا أن عددًا من الدبلوماسيين، وعمال الإغاثة، والمحللين ممن قاموا بزيارات للمنطقة مؤخرًا ذكروا أن الأوضاع قد تغيرت. وأن الصراع بات مفتوحًا أمام الجميع حتى أن فرقًا من المتمردين، وقطاع الطرق، والعناصر الميليشية يقومون بأعمال تخريبية دون رقابة من سلطة الحكومة.

وقد صرح الدبلوماسي الغربي الرفيع معلقًا على الأوضاع بقوله: "إن الحكومة قاسية، وغير جديرة بالثقة، وسافكة للدماء، ولكن الحقيقة هي أن معظم أعمال العنف في دارفور اليوم ليس للحكومة يد فيها. . . إن السؤال هو: هل هناك إبادة جماعية في دارفور في هذه اللحظة؟ والإجابة هي: لا، ليست هناك".

الصين تنتقد الاتهامات الدولية لرئيس السودان

ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن إحدى أهم الصحف الصادرة في الصين أن بكين أكدت أن قرار اتهام المحكمة الجنائية الدولية لرئيس السودان بتهم الإبادة الجماعية في دارفور يمكن أن يعرقل عملية السلام هناك.

وأعربت الصين- التي هي من أكبر المستثمرين في صناعة النفط بالسودان والتي تبيع الأسلحة إلى حكومته- عن "قلق بالغ" بشأن قرار المحكمة الساعي إلى إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس "عمر حسن البشير".

ونشرت صحيفة "الشعب" الصينية اليومية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي، تعليقًا جاء فيه: "إن أزمة دارفور لم يتسبب فيها زعيم معين بمفرده، بل تسببت فيها عدة قوى مشتركة من عوامل سياسية، واقتصادية، وثقافية، وبيئية مختلفة على مدار فترة زمنية طويلة".

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد