كروان عبد الهادي الشرجبي
عزيزي القارئ قد أزعجك بكثرة إصداري أثناء قراءتك بعض المواضيع التي اكتبها ولكن لا أقصد ذلك وإنما واقع الحياة الذي نعيشه والصور الحياتية الموجودة فيه تجعلني أصر على ذلك، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بالآباء لأنهم أغلى شيء في الوجود ويجب أن نقف أمام أي مواضيع قد تسيء إليهم وقصدنا في الأخير هو المصلحة للجميع.
فما حصل قد يحصل في كل أسرة لأن كل ولد وابنه مصيره في الأول والآخر سوف يترك منزل والديه ويذهب إلى منزله الخاص به، ولكن هل معنى أن تنتقل إلى منزل آخر، أن تترك كل شيء وراءك وأن لا تتذكر من كان وراء وجودك في هذه الدنيا أساساً؟!
فهل تصدق عزيزي القارئ أنه جاء الوقت الذي "تشحت" أو تطلب الأم من أبنائها مجرد رؤيتها أو زيارتها، قد لا تصدق ذلك ولكن هذا حصل وأقول حصل لأنه حدث أمام عيني وسمع أذني إذ جاءت إحدى قريبات أمي إلى منزلنا وما إن بدأت الحوار حتى انهمرت الدموع من عينيها وهي تشتكي - بالأصح - تحكي قصة معاناتها مع أبناءها، فهي بعد أن ضحت وكافحت وصبرت حتى تربي أولادها بعد أن توفي والدهم وانتظرت أن تحصد ما زرعته، ولكن للأسف اكتشفت أنهم تجردوا من كل عاطفة تجاهها وتنكروا لها وابتعدوا عنها، وانصرف كل منهم إلى حال سبيله وكأنه لم تكن لهم أم عاشت من أجلهم، وتنتظر الآن أن تعيش بينهم، فهي لم تكن تصدق أنه سيأتي عليها اللحظات التي تعيش فيها سجينة بين أربعة جدران ولا ترى أبناءها إلا بعد أن تتوسل إليهم وتلح عليهم أن يزوروها، وإذا أتوا لا يجلسون معها سوى لحظات وينصرفون بعدها بسرعة، وعندما تقتلها الوحدة تذهب لزيارتهم، تشعر وكأنها حمل ثقيل سقط فوق رؤوسهم، فتعود مسرعة إلى بيتها وهي تعتذر لابنها وزوجته عما سببته لهما من ضيق.
السؤال هنا هل أصبحت لهذه الدرجة الأم ثقيلة على أبنائها؟ أين ذهبت الرحمة والشفقة والحنان من قلوب الأبناء؟ أين ضاع العمر الذي أضاعته من أجلهم ولم تنتظر مقابل؟
مع الأسف حين يمضي قطار العمر بالآباء ينشغل الأبناء عنهم بحياتهم وينسون مع مرور الزمن من رباهم، ومن منحهم الرعاية والأمان، والعذر الذي لا يُقبل هو أن متطلبات الحياة ومسؤولياتها هي السبب، هل نسي الأبناء أنهم سيكون يوماً ما آباء، وأن السنين ستمر بهم وسيتلهفون على من يسأل عنهم "أي ان الحياة سلف ودين".