شكري عبد الغني الزعيتري
إن الله سبحانه وتعالى فطر الإنسان على الخير . وخلقه مخلوقاً اجتماعياً ويحمل صفات الميل نحو التعايش والمعاشرة مع الغير فلم يفطره بصفات الانعزالية والانفراد بنفسه عن غيره فهو يستأنس ويميل إلى إقامة العلاقات الاجتماعية مع من حوله سواء في مجتمعه أو خارج مجتمعه ويحب مشاركة الآخرين سواء بالأحاديث أو الأفعال بخلاف مخلوقات أخرى خلقها الله سبحانه وتعالى، إذ أنه سبحانه خلق المخلوقات من حيث الآلفة على قسمين القسم الأول : مخلوقات أليفة تتعايش مع غير جنسها وتسمى الحيوانات الأليفة
والقسم الآخر: مخلوقات غير أليفة لا تقبل التعايش مع غير جنسها و تميل إلى الانعزال عن غير جنسها وتستوحش من التعامل مع الحيوانات الأخرى مثل الأسود والثعابين الخ وتسمى بالحيوانات المتوحشة .
والإنس تعد من مخلوقات الله التي تحمل صفة الألفة . فالإنسان - ويطلق عليه اسم الحيوان الناطق لدى علم الحيوانات - مخلوق اجتماعي بطبعه إذ انه يقبل التعايش مع الغير و يميل إلى ذلك حتى مع غير جنسه وغير نوعه، فتراه يتعامل مع حيوانات أليفة غير نوعه ويربي بعضها في حظائره وفي منزله بل تراه يسعى إلى ترويض حيوانات متوحشة لتقبل التعايش والتعامل معه . إذ أن الإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى وخلق فيه صفات اجتماعية ومنها: الميل الاجتماعي، الحب، الود، الرحمة الخير، التسامح، والعاطفة وكثير من الصفات الإنسانية الطيبة التي تتوافق مع فطره كمخلوق اجتماعي ولهذا كل إنسان يذهب إلى إنشاء وإقامة علاقات الصداقة والصحبة مع آخرين أين ما كان أو ذهب وهذه الصفة الاجتماعية والتي هي ميل ورغبة إنسانية فطرية لا يستطيع أحد تجاوزها فعلى المستوى الأسري وبخصوصية لا يستطيع أحد من الآباء أو الأمهات احتجازها أو منعها لدى الأبناء .
كما أن الإنسان في ذات الوقت مخلوق يميل إلى الصلاح والإصلاح سواء لنفسه أو لغيره من البشر ويسعى نحو الوصول إلى الأفضل سواء في الأخلاق أوفي التعامل مع الغير وحتى في العيش ومع هذا من حب الخير والصلاح ومع ذاك من الميل الاجتماعي وتلك الصفات الاجتماعية؛ تجد البعض ممن تؤثر فيهم الظروف وعوامل البيئة المحيطة ومكوناتها وتذهب بهم بعيداً عن الصفات والسجايا الإنسانية الخيرة والطيبة التي فطرهم الله سبحانه عليها، إذ تجعلهم ظروف البيئة المحيطة بهم أناس يحملون صفاتاً مناقضة لما أودعه الله فيهم من صفات الخير والطيبة فتجعلهم أناساً قساة القلوب في التعامل مع الغير أو انعزاليين أو عدائيين، ويذهب بعضهم إلى الإجرام فيكون مجرماً وكارهاً لغيره الخ، ومن أهم عوامل ومكونات البيئة المحيطة بأي فرد وتؤثر فيه بالغ التأثير هي عامل الصداقة والصحبة فإذا سعى إنسان ما لإقامة علاقات صداقة وصحبة وتعامل يومي مع أصدقاء من الأفراد الخيرين والصالحين فإنهم يؤثرون فيه ويصنعون فيه من أعمال الخير والصلاح وبما لديهم حتى و إن كان لديه بذور شر اكتسبها من مكونات بيئة أخرى كظروف معيشية صعبة وحرمان أو تربية أسرية قاسية وخاطئة الخ .
وفي المقابل إن كان إنسانا ارتبط بعلاقات صداقة وصحبة وتعامل يومي مع أصدقاء وصحبة من غير السويين وممن هم أهل الشر أو الإجرام فإنهم يؤثرون فيه من خلال غرس مفاهيم وسلوكيات خاطئة لديه والتي قد تبدأ بالظهور لديه كممارسات عملية إن كان التلقي غير عاقل لا يفكر بعقل العقلاء ولا يضع الأمور في ميزانها الصحيح ويزنها قبل تناولها وممارستها عملياً، فالبعض تجده سرعان ما يجره أصدقاؤه السيئون إلى وحل ممارسة الأخطاء في حياته العملية وفي تعاملاته مع الناس والتي أحياناً قد تصل بعضهم إلى ارتكاب الجريمة بحق الآخرين من الأبرياء بفعل ودافع سلوكيات وممارسات لتصرفات عملية منها ما قد تكونت بفعل غرس أحقاد وكراهية في نفوسهم على آخرين ممن يحققون نجاحات في حياتهم العملية أو ممارسة سلوكيات وتصرفات عملية تدفعهم إليها نزوات شخصية وفردية أدمنوا على فعلها بفعل تأثير صحبة الأصدقاء السيئين كأن يتعاطوا الخمور أو يتعاطوا المخدرات الخ؛ ويصبح بأن تكون الأفعال عادات يعتادونعلى ممارستها في سلوكياتهم ولا يستطيعون تركها ويدمنون على فعلها وتدفعهم شيئاً فشيئاً لتصل نحو ارتكاب الجرائم في حق الآخرين؛ على الإنسان السوي أن يحسن اختيار أصدقائه وصحبته ولهذا على كل أب له أبناء وأم لها فتيات أن يتفحصوا ويدققوا في اختيار أبناءهم لأصدقائهم وصحبتهم ويراجعوا سلوكياتهم وممارسة أعمال يوميات أبناءهم الحياتية والتأكد من السيرة الذاتية لمن يختارونهم من أصدقاء وصحبة وتاريخهم الذاتي والأسري من خلال السؤال والتقصي عنهم لدى جيرانهم ومدرسيهم وأصدقاء آخرين سابقين لهم أو يجالس الآباء أصدقاء أبناءهم المختارين ويفتعلوا معهم حوارات ونقاشات حول قضايا وشؤون يستطيع الآباء من خلالها معرفة الأفكار التي يحملها أصدقاء أبناءهم المختارين وتوجهاتهم الذاتية وكيف يفكرون؛ فإن وجد خطأ فكري يقوم الآباء بدور إنساني إصلاحي لأصدقاء أبناءهم بان ينصحوهم ويرشدوهم وان وجدوا ما فيه خلل نفسي لدى أصدقاء أبناءهم المختارين فيذهبوا إلى تحذير وإرشاد أبناءهم بما أدركه الآباء.