محمد أمين الداهية
بماذا أعزيك أيه القدس الحبيب، وكيف أستطيع أن أواسيك يا أيته الأرض المنكوبة؟ وما باليد حيلة، فهذا هو قدر الله الذي لا مفر منه، لقد رحل محمود درويش لكنه ترك ما يجعله خالداً، فرغم رحيله إلا أنه ما زال يقاوم ويقود معارك ضارية لم ولن يستطيع العدو الغاصب أن يقاوم تلك الرشقات من الحمم التي سطرتها روح عملاق الأدب والشعر محمود درويش، وأطلقها لسانه لتصل إلى صفوف الغاصبين الصهاينة فتحرقهم وتقذف في قلوبهم الرعب، إن سلاح المقاوم محمود درويش سيظل يرعبهم وسيظل الأبطال يستقون منه كرامتهم ومجدهم، فسلاحك يا درويس تفتخر به الأوطان ويتغنى به الشرفاء ليقودهم نحو الحرية والنصر كيف لا وقد غرس فيهم شاعر الثورة بغض الذل وعزة المقاوم وإيمانه بالنصر مهما طال الظلم أو تعمر، فأي كلام أقوى من هذا الذي قلت أيه العملاق، فالوحش يقتل ثائراً، والأرض تنبت ألف ثائر، يا كبرياء الجرح، لو متنا لحاربت المقابر. لم تمت أيه العملاق إن روحك باقية تلامس مشاعر الأبطال وتدفعهم إلى مقاومة الظلم والظالمين المحتلين وأعوانهم من الخونة والجبناء، لقد عجز الصهاينة وحلفائهم أن يأتوا بسلاح أو قوة تفتك بسلاحك الخالد الذي لن يختفي أو يزول أبداً، أيه الأدب لا تحزن فرغم هذا المصاب الجلل الذي أفجع العالم بأسره إلا أن سيدك لم يرحل إلا وقد أسس وأوجد من ينهج نهجه ويواصل دربه، نقدر تلك الخسرة التي أصابتك ولكن هذه مشيئة الله، وهذا هو حال الدنيا. إن العملاق محمود درويش قد ترك ثروة هائلة من الأدب والشعر، وقد منح هذه الثروة كل من على هذه الأرض ممن يمتلكون العزة والنخوة والكرامة، إنما ترك ثميناً جداً ولا يستحق هذا المنح الضعفاء الذين يقولون ما لا يفعلون، كم هو مؤلم أيه العملاق فراقك، نحاول أن نقاوم حزننا إلا أن طيفك أقوى، فبذكرك صعب أن نحبس دموعنا أو نطفئ حزننا، كم هو قوي ما رسخت يا درويش في قلوب عشاق الحرية والنصر، إن صوتك ما زال يعصف في وجداننا وكأنك موجود بيننا، سيدي العزيز قد ربما حلمك الغالي في استقلال وطنك وخلاصه من قبضة الطغاة لم يتحقق إلا أنك لم تيئس أبداً وسيأتي اليوم الذي يتحقق ذلك الحلم الكبير، سيدي العزيز يبدو أن ما أوجع قلبك هو حال أبناء وطنك الذين صار بهم الحال إلى غير المتوقع، رغم محاولتك تحمل تلك الصدمة لكنها كانت أقوى؛ لأنك لم تكن تتوقع يوماً أن ترى أبناء وطنك في مثل هذا الحال السيء الذي وصلوا إليه، لم تكن تتوقع أبداً أن يأتي اليوم الذي ترى فيه دماءً فلسطينية تسفك بأيدي أهلها، لم تكن تتوقع يوماً أن ترى وطنك الغالي ينهش ويدمر بأيدي أبناءه، لم تكن تتوقع أن تسمع أو ترى في يوم من الأيام أبناء وطنك وهم يستنجدون بالصهاينة الملاعين ضد أبطال المقاومة الشرفاء ويطلبون علناً من أميركا أن تقضي على إخوانهم الأبطال المقاومين الذين اتهمهم الخونة بأنهم قاعدة إرهابية.. سيدي درويش، ربما هذه الأسباب قد ضاعفت من ألمك وأوجاعك، وما أكاد أن أجزم به أن الذي أخترق صدرك وأدمى قلبك وأودى بحياتك هو ما أدركه حدسك النبيه من معاناة ومأساة تمر بها عزة وأبناؤها، لقد شكلت لك صرخات الأطفال واستغاثة النساء ودموع الشيوخ التي احتقرها العرب ولم يحركوا ساكناً أمام ما تتجرعه غزة وأبناؤها من حصار ظالم وموتٍ بطيء يفتك بكل ما هو حي، لقد شكل لك كل ذلك نوبات متفاوتة وكأنك كنت تريد في كل نوبة توقضك، أن تنهض لترشق بسلاحك ذلك الذل وتلك الخيانة التي تقف عائقاً تجاه نصرة غزة وإنقاذ أبناءها مما لا يحتمل سماعه ورؤياه.. وداعاً أيها العملاق ولا نامت أعين الجبناء.