شكري عبد الغني الزعيتري
نستقبل أراء القراء للكاتب على البريد الالكتروني : Shukri_alzoatree @yahoo. com
في ليلة ظلماء والنجوم غائبة متوارية خلف السحب لا ترى والسماء مليئة بالغيوم السوداء والناس نيام هتفت أحجار بناء المسجد الحرام بصوت عال سمعت صداه أهلة المآذن و صلائب الكنائس ونادت ( يا قدس) يا قبلة المسلمين الأولى يا قدس يا مسرى الرسول محمداً ومصلى الأنبياء يا قدس يامعراج خاتم الرسل يا قدس يا من أرضك باركها الرحمن وأنجبت الكثير ممن اصطفاهم الله برسالات الهدى وعليك نزلت الرسالات من رب السماء أسالك وقد أنطقني سكوت وصمت البشر : كيف حالك اليوم بعد رحيل الفاتح عمر و الناصر صلاح ؟
فأجابتها بعض أحجار بناء المسجد الأقصى بصوت يحمل أنين البكاء قائلة يا أختاه : أوجاعنا كثيرة والامها لا تهتدي وأبناءك المسلمين تفرقوا عنا : فمنهم من باع فينا واشترى ومنهم من نام عنا وغفل وخيرهم أمامنا يتقاتل مع بعضهم بعضا تاركين الزيتونة المباركة للأعداء وتقطع يا أختاه : حلوا اليوم في أرضنا وعلى باحة ساحتنا أناس غرباء يجهلون حرمتنا وقداسة مسجدنا الأقصى ويكفرون بمحمد نبيا مرسلا ويهدمون أحجار العمارة لمساجد مدينتنا ويدوسون على رقعة أراضيها بأقدامهم ينجسون طهارتها بخماراتهم و خمورهم يسقونها أصحابهم حتى أنهم تأذوا من تحت الثراء من شهداء مسجدنا الأقصى فلم يتركوهم وهم أموات في المقابر فجعلوا مساكن قبورهم للأبقار ترعى فسألت بعض أحجار بناء مسجد الحرام مستغربة قائلة : كيف يفعل الغرباء هذا بالقدس وأرضها؟ فأجابت أحجار المسجد الأقصى بالقول : أنهم يقولون بأنهم مؤمنون ودينهم دين موسى وأن لهم ألف بل خمسة آلاف بل عشرون ألف من الرسل والأنبياء أرسلوا إليهم من رب السماء ويقولون بأن كتابهم التوراة ويقولون بأنهم من نسل إسرائيل ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم أبو الأنبياء (عليهم السلام ) فسألت أحجار المسجد الحرام : كيف يؤمنون بالله ويدعون بأنهم من أبناء وحفدة الأنبياء وهم يعتدون على حرمات الله ؟ كيف يقولون بأن كتابهم التوراة وهو كتاب الله الذي حرم فيه الاعتداء؟ أم أن تحريفهم فيه أباح لهم الدماء والاعتداء؟ فأجابت أحجار المسجد الأقصى قائلة : يدعون هؤلاء اليهود من بني (إسرائيل) بادعاءات ينقلونها من توراتهم المحرفة من إعطاء الله سبحانه هذه الأرض لإبراهيم ونسله ومما جاء في توراتهم المحرفة والتي نصت على ( وقال الرب لإبراهيم : اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك… فذهب إبراهيم كما قال الرب فأتوا إلى أرض كنعان وظهر الرب لإبراهيم وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض ) وجاء في توراتهم المحرفة أيضاً : (وسكن (إبراهيم) في أرض كنعان فقال له الرب : ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد ) وجاء في توراتهم المحرفة أيضاً : (قطع الرب مع إبراهيم ميثاقاً قائلاً : لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ) وهم الآن يحتجون بتراث أنبياء بني إسرائيل في الأرض المقدسة ويسعون لإسكان أتباعهم فيها ومد نفوذهم عليها بزعم أنها ارض أنبياء بني إسرائيل ( موسى ويوشع وداود وسليمان (عليهم السلام ) فردت أحجار المسجد الحرام قائلة : أن الله سبحانه وتعالى أعطى هذه الأرض لبني إسرائيل لفترة محدودة عندما كانوا مستقيمين على أمر الله وعندما كانوا يمثلون أمة التوحيد في الأزمان الغابرة ومن ذلك قول موسى عليه السلام لقومه : (?يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ?) (سورة المائدة 20) غير أن هذه الشرعية ارتبطت بمدى التزامهم بالتوحيد والالتزام بمنهج الله فلما كفروا بالله وعصوا رسله وقتلوا الأنبياء ونقضوا عهودهم وميثاقهم ورفضوا إتباع الرسالة الإسلامية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم والذي بشر به أنبياء بني إسرائيل قومهم (?الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ?( سورة الأعراف 157 ) ?وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ?)( سورة الصف 6 ) فلما فعلوا ذلك حلت عليهم لعنة الله وغضبه ?فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً?( سورة المائدة 109 ) وقال تعالى (?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ?)( سورة المائدة 60 ) وبذلك تحولت شرعية حكم الأرض المقدسة إلى الأمة التي سارت على منهج الأنبياء وحملت رايتهم وهي أمة الإسلام فالمسألة ليست متعلقة بالجنس والنسل والقوم وإنما بإتباع المنهج لقد شوه اليهود جمال التوحيد وافتروا على الله الكذب، وزوروا تاريخ أنبيائهم فقالت أحجار المسجد الأقصى : ليس هذا وحسب بل امتدوا وقاحة وسفورا وإلى أسفل درجة من الانحطاط إذ يذكر تلمودهم الكاذب : ( إن الله ((تعالى عما يقولون علواً كبيراً)) يلعب مع الحوت والأسماك كل يوم ثلاث ساعات وأنه بكى على هدم الهيكل حتى صغر حجمه من سبع سماوات إلى أربع سماوات وأن الزلازل والأعاصير تحدث نتيجة نزول دمع الله على البحر ندماً على خراب الهيكل)
وردت أحجار المسجد الحرام قائلة : لقد ذكر القرآن الكريم من ادعاءاتهم وافتراءاتهم السافرة فقال الله تعالى : (?وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ?)(سورة المائدة 4) و قال الله تعالى: (?لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء?)( سورة آل عمران 181 ) و قال الله تعالى: (?وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ?)( سورة التوبة 30 )
وقالت أحجار المسجد الأقصى : وأيضا ينسب اليهود إلى سيدنا يعقوب عليه السلام سرقة صنم ذهبي من أبيه وأنه صارع الله قرب نابلس وسمي بذلك بإسرائيل كما تنسب له رشوة أخيه وخدعة أبيه وأنه سكت عن زنا ابنتيه وأنه أشرك بربه!! وقسن يا أخواتي أحجار المسجد الحرام على ذلك ما ذكروا من افتراء ووقاحة سافرة على الله سبحانه وتعالي تنزه عما يقولون وما قالوه عن باقي الأنبياء (عليهم السلام) وما فعلوه بهم من القتل فقالت أحجار المسجد الحرام : والله لسنا نستغرب هذا عن بني إسرائيل فتلك أخلاقهم مع موسى (عليه السلام) تشهد بذلك وقد نزل القرآن الكريم يشير إلى أنهم غيّروا وبدَّلوا وقتلوا الأنبياء فقال الله تعالي : (?لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ?) (المائدة 70) فقالت أحجار المسجد الأقصى : نعم يحدثنا التاريخ أنهم قتلوا النبي حزقيال حيث قتله قاضٍ من قضاتهم لأنه نهاه عن منكرات فعلها وأن الملك منسي بن (حزقيا) قتل النبي أشعيا بن أموص إذ أمر بنشره على جذع شجرة لأنه نصحه ووعظه وأن اليهود قتلوا النبي أرميا رجماً بالحجارة لأنه وبخهم على منكرات فعلوها
فردت أحجار المسجد الحرام طيب : إذا كان الله قد أعطى إبراهيم عليه السلام ونسله هذه الأرض فإن بني إسرائيل ليسوا وحدهم نسل إبراهيم فالعرب العدنانيون هم من نسله أيضاً وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) وإليهم تنتمي قبيلة قريش التي ينتسب إليها محمد (صلى الله عليه وسلم) وبالتالي فللعرب حقهم في الأرض وقد قال الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِونَ)) (سورة البقرة 124) فعندما سأل إبراهيم الله أن تكون الإمامة في ذريته بيّن الله له أن عهده لذريته بالإمامة لا يستحقه ولا يناله الظالمون وأي ظلم وكفر وصد عن سبيل الله وإفساد في الأرض أكبر مما فعله بنو إسرائيل في الماضي منذ بدء الخلق أيام النبي نوح (عليه السلام) ويفعلونه اليوم وفجأة صدر من بعيد صوت خافت من احد صلائب الكنائس ولم يعرف من أي كنيسة صادر قائلا لأحجار المسجد الاقصي ولا تنسي ما قالوه بني إسرائيل في مريم القديسة من بهتان فاجر وطاردوا عيسي وبالحوارين تقتيلا ولولا رحمة الله بعيسي أن رفعه إلى السماء وحماه لكان قتيلا