عبد الوارث النجري
دعونا نعترف أن هذا الحراك الديمقراطي والإعلامي الذي تشهده البلاد يعد إحدى ثمار وخيرات الوحدة الوطنية المباركة، حيث أصبحنا ومنذ صباح ال "22" من مايو 1990م ننعم بحرية الرأي والصحافة وحرية الانتماء السياسي والحزبي وحرية الفكر، ننتقد ونكشف ونلاحظ ونشيد ونستنكر بحرية تامة، ودعونا في نفس الوقت نعترف أن هذا النفس الأخير الذي نعتبره إحدى وأهم ثمار الوحدة الوطنية ما هو إلا "مجرد كلام" لصحافة وصحافيين "بياعين كلام" لا يسمن هذا الكلام ولا يغني من جوع، وصار لسان حالنا أكتب ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء!!! ولكن إذا استمريت في تلك الكتابة فتحمل متاعب وتهديد ووعيد ومشاغبة الكثير ممن يعتبرون أنفسهم فوق كل اللوائح والقوانين والدستور وما أكثرهم في بلادنا، هؤلاء الذين تعودوا على الفساد والإفساد والمخالفات والنهب والتجاوزات وعدم اللامبالاة واللهث وراء المناقصات والمزايدات وتجاهل المخططات والمقادير وغيرها، يرافق ذلك المدح والثناء لهم من قبل الإعلام الرسمي تحت عناوين عريضة أعلى الصفحات تبدأ "دشن، إفتتح، زار، اطلع، صرح، قام، جلس. . إلخ" هؤلاء يعتبرون انتقادنا لهم جريمة يجب إنزال أشد العقوبة لمن قام بها حتى يكون عبرة للآخرين حتى لا يفكروا في التطاول على هؤلاء "العظماء"!! مهما كانت مساوئهم وأخطائهم، بل إن البعض منهم يعتبر أي انتقاد له أو نصيحة جريمة وطنية تمس أمن واستقرار وخيرات الوطن!!! كيف لا وهو الرجل المسؤول في المؤسسة أو الوزارة وتحت إمرته وقيادته العشرات، بل المئات من الموظفين الذين يخضعون لتوجيهاته وأوامره "السابرة والعوجى" ويخشون بطشه في خصم وتوقيف مرتباتهم وحرمانهم من المكافئات والإضافيات والدورات وغيرها!!! كيف لا وهو المسؤول الأول الذي عن طريقه وبعد توقيعاته يتم تنفيذ المشاريع الخدمية في البلاد بغض النظر إذا كانت طريقة التنفيذ سليمة ومطابقة للمواصفات أم لا، ولا يهم إذا كان المشروع قد رسا على صديقه المقاول عن طريقة المناقصة أم بالتكليف؟! وبالمثل فإن هناك بعض من لا خير فيهم ممن اعتادوا على ملئ بطونهم من تلك الفتات التي تقدم لهم مقابل المزايدات والمجاملات والتشدق والتملق لمسؤوليهم ومرؤوسيهم، هم أيضاً رغم أنهم لا يفقهون شيئاً مما يحدث في تلك المؤسسات والمرافق الحكومية وخارجها من تمريرات مخالفة ومضرة باقتصاد الوطن وخيراته ومع ذلك فإن التعصب الأعمى جعلهم ينظرون إلى أولياء نعمهم "من الفاسدين!!" بالمنزهين والمخلصين والصادقين والوطنيين، وأي انتقاد لهم يعد جريمة تمس الوطن وأمنه واستقراره ممثلاً بتلك "الرموز المتعفنة" حتى صاروا يعتبرونهم "خط أحمر" يمنع الاقتراب منه أو الحديث عنه، ولمثل هؤلاء وغيرهم من مسؤوليهم نقول لهم: لن تثنينا أي من تلك التهديدات والتلميحات وغيرها، وسنظل نكتب بأقلامنا وإن جفت ورفعتم أسعار "الحبر" أو منعتم تصديره فبدمائنا وإن جفت سنوصي أولادنا وأحفادنا أن يجعلوا من عظامنا "يراع" ويكتبوا بها انتقاداتهم على رمال وتراب أرضنا الحبيبة، فهي وحدها ولا سواها عندنا خط أحمر، فالوطن يا أصحاب الصدور الضيقة بأمنه وخيراته واستقراره خط أحمر أمام الجميع، وكذلك هي كافة الثوابت الوطنية، الثورة والوحدة والجمهورية، وكل ما له علاقة بكرامتنا وعاداتنا وقيمنا وتعاليم ديننا الإسلامي، لذا يجب عليكم أن تجعلوا الوطن نصب أعينكم وتفرقوا بين الأقلام المأجورة التي تستهدف الوطن والثوابت الوطنية من خلال تنفيذها لبرامج وخطط خارجية عدوانية وبين الأقلام التي تدعوا إلى تطبيق النظام والقانون ومحاربة الفساد واستغلال الوظيفة العامة لنهب المال العام، بيننا وبينكم الفساد المالي والإداري وكل ما فيه إهدار المال العام الذي يعتبر ملكاً لكافة أبناء الشعب، وكل من يحاول استغلال الوظيفة العامة سواء كان مديراً أو وكيلاً أو وزيراً أو محافظاً أو رئيس مؤسسة لنهب المال العام لمصالحه الشخصية لا يختلف كثيراً عن من يقوم باستغلال الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي لاستهداف الوطن وأمنه وخيراته مقابل ما يقدم له من خارج الحدود من الفتات، فالصدور الضيقة التي لا تقبل النقد البناء بمصداقية وموضوعية لا تختلف كثيراً عن تلك النفوس المريضة العميلة التي باعت نفسها للشيطان مقابل ما تشبع به شهواتها وأطماعها ونواياها المريضة، نحن في وضع لا نحسد عليه من أجل تراب هذا الوطن الغالي، ومن أجل كافة أبناء الوطن المستضعفين والمحرومين، من يتجرعون غلاء الأسعار وجشع واحتكار أصحاب رؤوس الأموال والتجار، من يتعرضون للابتزاز في معظم المرافق الحكومية من أجل تلك الأيادي التي تتسلل ليلاً في عفة وكبرياء إلى صناديق القمامة لتسكت أطفالها الجياع، من أجل أولئك الذين يتجرعون مرارة الفرقة والاغتراب في أرض المهجر، من أجل أولئك الذين يتوافدون كل صباح إلى الحراج بانتظار رزق الله والعمل بشرف وكرامة، من أجل تلك الدماء الزكية التي سالت في سبيل الثورة والجمهورية والوحدة، من أجلهم جميعاً سنظل نكتب متسلحين بالمصداقية والموضوعية وحرية الرأي والتعبير جاعلين من أمن الوطن وتقدمه وازدهاره هدفاً منشوداً لنا جميعاً وغاية لنا في هذه الحياة حتى نكون أكثر اطمئناناً بأننا قد رسمنا لأبنائنا وأحفادنا مستقبلاً زاهراً وحياة حرة كريمة ولقمة عيش حلال سهلة المنال.