محمد أمين الداهية
كم هو مؤلم ومحزن حينما نرى براعم وزهرات من أبناء مجتمعنا وهم في قبضة الحرمان يكافحون مرارة الحياة وقسوتها في الطرقات وعلى الأرصفة أمام الجولات المرورية ببعض الوسائل التي قد تعود عليهم باليسير من العشرات التي بالكاد تغطي متطلبات يومهم وأسرهم الضرورية، فالعزيز من هؤلاء البراعم والذي يتعفف ويستحي أن يمد يده للناس في الأرصفة والجولات يحتال على نفسه بأخذ أي شيء، قد يصل "ضماره" أو قيمة تجارته إلى حدود المائة الريال، كالتجارة في اللبان أو ما يسميه البعض ب"اللصام"، المهم ألا يكون أمام الناس متسول، يا ترى ما الذي أجبر مثل هؤلاء الأطفال بأن يقوموا بمثل هذه الأعمال التي من خلالها نستطيع أن نحكم على حياتهم بالضياع ومستقبلهم بالمستحيل، يا ترى ما هو الذنب الذي ارتكبه هؤلاء البراعم حتى يصبحوا في يوم من الأيام محطمين نفسياً وفكرياً واجتماعياً؟! أي ظروف جبارة جعلت من أولياء أمورهم يلقون بفلذات أكبادهم إلى التهلكة؟ إلى من يصرخ هؤلاء البراعم المغلوبين على أمرهم؟ وبمن يستنجدون من هول هذا الوضع، وهذه المأساة التي لا يغفل رؤيتها كل إنسان شريف يحمل قلباً فيه من العطف والرحمة ما يجعله يستاء ويتعذب من ما يراه من معاناة وأثقالاً من الهموم والأحزان تحملها براءة الطفولة، والتي بسبب الجبابرة سواء أسرهم أو من يدعون بمنظمات حقوق الإنسان ورعاية الأمومة والطفولة وغير ذلك ممن يتبنون ويتزعمون أنهم وجدوا ومنظماتهم لحماية الإنسان بشكل عام، أي حقوق للطفل ونحن نرى العجاب والأهوال من الأطفال الذين يتمنون ويحلمون بنظرة إنسانية تنقذهم وتأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، إنهم يعملون مجبورين ولأسباب متعددة وهم يعلمون أن مستقبلهم سراب ومصيرهم جحيم، ما أقسى وما أبشع أن تغتال البراءة وتمتهن الطفولة في مجتمع طالما تغنى ويتغنى بحقوق الطفل ويعقد من أجل ذلك الندوات والمؤتمرات، ولا نجد من ذلك إلا ما كان حبراً على ورق، عذراً أيها الطفولة يبدوا أن من يتغنون بك ويقيمون منظماتهم باسمك ومن أجل الدفاع عنك وحمايتك في زمن اختفت فيه الرحمة وضاعت منه الإنسانية، يبدوا أن هؤلاء قد صرفوا النظر عنك قد ربما الأشياء شغلتهم أو اضطرتهم للتخلي عنك، ولا نعرف ما هي هذه الأشياء التي جعلت منهم أحجاراً صماء اكتفت بوضعها بشكل منظم ورائع، وما زاد من جمالها ما علق عليها من شعارات باسم منظمة حقوق أو رعاية أو ما إلى ذلك من الشعارات البراقة التي لو طبقت لما وجدنا طفلاً واحداً يشتكي ألم الحياة وجور الزمن، أيه التاجر الصغير في جولة تعج بالمارة ممن يدعون حبك والحفاظ على حياتك لا تبتئس، فلربما يأتي اليوم الذي تجد فيه من ينظر إليك ويأخذ بيديك، وإن لم تحصل على هذا اليوم فأرجوا منك ألا تكرر هذه الغلطة التي ارتكبها أبوك في حقك وحملك ما لا طاقة لك به وجعل منك ضحية في زمن مات فيه الضمير وكبلت الرحمة بأطماع الدنيا وزخرفها، أرجوك أيه التاجر الصغير لا تجعل ما حل بك يصير في أبناءك إن سنحت لك الفرصة في يوم من الأيام.