تغطية : إياد البحيري
لمعرفة ماهية الأزمة ينبغي معرفة مدلول الأزمة بشكل عام، والأزمة في زراعة القمح موضوع دراستنا على وجه التحديد، ولكي يتضح كل ذلك فإنه يتطلب تقسيم هذا المطلب إلى فرعين :
الفرع الأول :بعنوان مفهوم الأزمة وأنواعها وقد تم تقسيمه إلى غصنين
الفرع الثاني : بعنوان نبذة عن زراعه القمح وأهميته الاقتصادية وتم تقسيمه الي غصنين
الأهمية الاقتصادية للقمح :
أ - أولاً: القمح من أهم محاصيل الغلال ويدخل في غذاء الإنسان ويصنع من دقيقه الخبز والمكرونة والشعيرية وله أهمية كبيرة في الاستثمار وكذلك في بناء غذاء الإنسان.
ب - مركبات القمح : تشتمل حبوب القمح على مركبات مختلفة منها البروتين وتختلف نسبته تبعاً للأصناف المختلفة وتتكون هذه المادة (القمح) من الجلوبيولتين والألبيومين والبريتوز والجلايادين وينتج من خلال طحن القمح النخالة وهي كعلف للمواشي.
ثانياً: الأهداف الاقتصادية لزراعة القمح :
ت - إن الشعور بالحرمان والمصحوب بالحاجة إلى الحصول على سلعة الحبوب والقمح أو أي خدمة أخرى قد زرع هذا الشعور بالحرمان في الإنسان دافعاً إلى بذل المجهود اللازم للحصول على تلك السلعة أو الخدمة بإنتاجها بنفسه أو توفيرها ليسد به حاجته وحاجة مجتمعه وهذا من دوافع الباحث في محاضرته لاستنهاض القيادة السياسية لزراعة القمح في محافظة مأرب على وجه الخصوص لتوفر جميع الإمكانيات اللازمة وباقل الأسعار لإنجاح زراعة القمح حيث يتوفر فيها المساحات الزراعية الشاسعة ومصنع للقنوات ومياه والكوادر الرخيصة.
ث - وعليه : أتوجه بالمسائلة إلى قيادة أمة الإسلام في أزمتها بعدم زراعة القمح.
ج - هل أسباب الأزمة هي قلة إمكانيات أم أن أسباب الأزمة هي هيمنة أجنبية.
ح - وتأتي الأهمية الاقتصادية لزراعة القمح في النواحي الآتية :-
خ - زراعة القمح كمصدر للغذاء : لا شك أن زراعة القمح تلعب دوراً حيوياً في التنمية الاقتصادية فيما يتعلق بإنتاج الغذاء إذ أنه هو المصدر الرئيسي الوحيد للغذاء ولا يمكن تعويض القمح بسواه ويقدم على كثير من القطاعات الأقتصادية لأنه المحور الأساسي لقوت الشعوب.
د - زراعة القمح كمصدر للعملات الأجنبية : لا شك أنه لا يمكن دراسة دور زراعة القمح في التنمية الاقتصادية بإفتراض مقتصد مغلق وإذا لم يتمكن إنتاج القمح من إمداد الأمة بالغذاء اللازم فإنه سوف يدر عليها المال والعملات الأجنبية من التصدير ويوفر عليها العملات الأجنبية من الاستيراد ، إذاً زراعة القمح لا غنى عنها لمن أراد رقياً.
ذ - زراعة القمح كمصدر للبنية الاقتصادية : لقد كانت زراعة القمح على مر التاريخ مصدراً رئيساً لرأس المال اللازم للتنمية الاقتصادية ويعتقد الفيزوقراطيون بأن الزراعة هي المصدر الوحيد للثروة بالرغم من خطأ هذا الاعتقاد لدى البعض لكننا كباحثين أكاديميين نرجح الرأي الصائب بأن زراعة القمح هي أساس كل اقتصاد (الاقتصاد الأمريكي).
ر - زراعة القمح كمصدر للقوة العاملة والقضاء على البطالة بالإضافة إلى المصادر التي يدرها القمح وزراعته في كل المجالات لكننا نجد أننا بنشر زراعة القمح حتماً سنقضي على البطالة العامة في المجتمعات وبها سنوفر القوت الرئيسي للمجتمع ونوفر فرص عمل للشباب في الزراعة وبقية المصادر الاقتصادية المتفرعة عن زراعة الحبوب كمصانع البسكويت وغيرها.
ز - أثر زراعة القمح كمصدر قوة للأمن القومي : يعتبر القمح محصولاً سيادي وذو أهمية بالغة في قوت الشعوب وبناء على البعد الداخلي للأمن القومي الذي يقوم على القوة الاقتصادية والرخاء السياسي فإن الأمة إذا أرادت أن تضع نفسها في مصاف الشعوب القوية فعليها أن تبادر بزراعة القمح وإنتاجه لأنه سلاح القوة المعاصرة في زمن المجاعات.
المطلب الأول
أسباب أزمة الأمة الإسلامية في زراعة القمح
تمهيد وتقسيم :
من خلال دراستنا في أسباب أزمة الأمة في زراعة القمح تعرفنا على عدة أسباب لتلك الأزمة أهمها أولاً : البعد عن منهج الله تعإلى وثانياً : إهمال شعيرة الإعداد للقوة المادية والمعنوية والأعتماد على النفس بالإضافة إلى عدة أسباب سيتم تناولها في هذا المطلب الذي سيتم تقسيمه إلى فرعين هي على التوالي :
الفرع الأول : أسباب أزمة الأمة في زراعة القمح التي ترجع إلى البيئة الداخلية وقد تم تقسيمه إلى ستة غصون.
الفرع الثاني : أسباب أزمة الأمة في زراعة القمح التي مرجعها إلى الهيمنة الدولية وقد تم تقسيمه إلى سبعة غصون.
الفرع الأول
أسباب أزمة الأمة في زراعة القمح التي مرجعها إلى البيئة الداخلية
تمهيد وتقسيم:
س - عاش المسلمون في العصور الأولى متشبعين بروح الإسلام وتعاليمه الواردة في القرآن والسنة النبوية ، وتربوا تربية صحيحة أنارت بصيرتهم ، وزكت نفوسهم ، وهذبت سلوكهم ، أي أنهم فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وعملوا واجتهدوا في نطاق المنهج الرباني وحدوده. فاستطاعوا بذلك أن ينهضوا نهضة عظيمة في مدة وجيزة ، فأقاموا حضارة زاهية ، ومجتمعاً متماسكاً قوياً في أخلاقه معتمداً على نفسه في أنتاج غذائه، واستمر الأمر كذلك قروناً عديدة، ثم بدأ ذلك النور المشع ينحسر شيئاً فشيئاً ويسدل الظلام ستاره ، فانعكس ذلك سلباً على واقعهم المعاصر ، وهذا ما يعانيه جيل أمة الإسلام في الواقع المعاصر، من أزمات. كأزمة الأمة الاقتصادية في زراعة القمح وما ينتج عنها من أزمات ومجاعات ولمعرفة هذه الأسباب، ولمعرفة هذه الأسباب سنوردها في الغصون التالية : -
ش - الغصن الأول : ضعف الوازع الديني لولاة الأمر وأفراد المجتمع الإسلامي.
ص - الغصن الثاني : إهمال الجوانب الاجتماعية وعدم الترابط الأسري والهجرة من الريف إلى المدينة.
ض - الغصن الثالث : إهمال السلطة والمعارضة للبعد السياسي لأزمة زراعة القمح.
ط - الغصن الرابع : إهمال السياسة الاقتصادية لزراعة القمح.
ظ - الغصن الخامس : أسباب مرجعها لعوامل ثقافية وأخرى جغرافية.
ع - الغصن السادس : إهمال الأمة للنواحي العسكرية وثقافة المقاومة للمحتل.
الغصن الأول
ضعف الوازع الديني لولاة الأمر وأفراد المجتمع الإسلامي
غ - يعتبر هذا الضعف من أهم الأسباب التي أدت إلى أزمات تعاني منها الأمة حالياً في كل نواحي الحياة، ويعود سبب هذا الضعف في الوازع الديني إلى الأمور الآتية :
1) سوء فهم العقيدة لدى أبناء الأمة الإسلامية
ف - للعقيدة الإسلامية أهمية في تربية الأفراد وتوجيههم، فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه ، وضميره ، وسلوكه ومعاملته. لهذا لا غرابة أن كثيراً من الآيات المكية عالجت موضوع غرس العقيدة في القلوب. وبناءً عليها تربى المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تحرر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. فالعقيدة هي الأساس الذي يبنى عليه النظام الأخلاقي والفكري ، وينبثق نوره إلى الحياة الاقتصادية والسياسية. . . الخ. كما أن للعقيدة تأثيراً كبير في تكوين شخصية ولي الأمر والمسئول عن شئون الأمة ، كما لها دور كبير في ربط المجتمع ببعضه البعض ، وعلى الرغم من ذلك فإن الجانب العقائدي قد ضعف كثيراً لدى العامة والخاصة في مرحلتنا الراهنة ، وذلك يرجع - لا شك - إلى الابتعاد عن منهج الله وسلوكه القويم. قال تعإلى ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ).
ق - أي أن انحراف الأمة المسلمة عن الخط المستقيم ومنهج الله القويم جعلها تتخبط في غياهب الشر والشيطان. فدب الضعف فيها ، واستولى عليها الشيطان. . فدمر سلوكياتها وأخلاقها. وتسبب لها في الأزمات. وقد آل هذا الوضع في فترات تاريخية لاحقة إلى أزمات تتلوها أزمات ، وما تزال تعاني. هذه الأمة من الأزمات التي أسهمت في ضعفها والنيل من سيادة ديارها في مناطق عديدة في العالم الإسلامي، أهمها احتلال فلسطين والعراق وأفغانستان. . . الخ ناهيك عن عدم قدرة تلك الأنظمة على استغلال أرضها وزراعة قوتها، كمصر التي لا تزرع القمح والأزمات في السودان بسبب زراعة قوت العباد.
2) القصور في فهم فقه العبادات والمعاملات لدى أغلبية الأمة
ك - ومن المفاهيم التي تسرب إليها الانحراف والتشويه، وكان لها أثر كبير في ضعف المجتمع الإسلامي. قصور مفهوم العبادة عند أفراد المجتمع ، حيث أن أغلبية أفراد المجتمع أصبح يمارس هذه العبادة بصورة شعائرية خالية من مضمونها وهدفها. فقد يصلي مثلاً الفرد وتخرج زوجته ومحارمه متبرجات كاسيات عاريات وهو غير مكترث بذلك ، وتراه يصوم ولسانه لا يكف عن الكذب ، كما أن ولي الأمر لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، كما أن قصور الأمة في فهم فقه العبادات أدى ذلك إلى الخلط بين فقه العبادات و المعاملات.
ل - * فقه العبادات هو تحديد الصور والكيفيات المحددة التي شرعها الله تعإلى ليتقرب عباده إليه بأدائها. فالشارع هو المنشئ لها والآمر بها. وليس للعباد فيها إلا التلقي والتنفيذ. وتلك هي الشعائر التنفيذية التي لا يخلو دين منها وبها يمتحن الله عباده.
م - *أما فقه المعاملات : فهو يشمل الأحكام التي تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض في حياتهم ومعايشهم. والله سبحانه وتعإلى قد شرع للناس في القرآن ما ينفعهم ، ولكن انحراف الإنسان إلى غير منهج الله تعإلى جعله يتخبط في الطريق. على أن ضعف الوازع الديني لدى المسلم يسهل للشيطان الاستيلاء على أفكاره ثم يضله ضلالاً بعيداً عن الله مسبباً له الأزمات المتتالية وبذلك يؤدي الجهل إلى سيطرة دول الاستكبار والاستعمار على القائمين على هذه الأمة فلا يستطيعون أن ينفعوا أمة الإسلام بأهم مقومات الحياة وهي زراعة القمح.
3) عدم الحكم بما أنزل الله تعإلى :
من أسباب ضعف الوازع الديني في الأمة الإسلامية ( مجتمعات ودول ) هو البعد عن الحكم بما أنزل الله ، وشرع قوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان. قال تعإلى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ). والمتأمل اليوم للمجتمعات الإسلامية يلاحظ أن أغلبها من الناحية العملية يحكم بالقوانين البشرية القاصرة. سواء استمدت من الغرب النصراني أو الشرق الملحد ، أو من تخطيط الكيد الماسوني اليهودي. أي أن بعد الأمة الإسلامية عن تحكيم شرع الله جعل الشيطان وأوليائه يسيطرون على الأمة الإسلامية ، حيث كادوا لها العديد من المؤامرات وما يزالون ، وسببوا لها الأزمات تلو الأزمات. يقول الأمير شكيب أرسلان ( ألغى مصطفى كمال أتاتورك جميع ما تشتم منه رائحة الإسلام من أوضاع الحكومة التركية وإبطال المحاكم الشرعية بعد أن أبطلوا العمل بالشرعية الإسلامية ) فكيف لمن لا يحكم بما أنزل الله أن يكون مستقلاً في قراره وله إراده حرة تجعله يوجه طاقات أبناء أمته في زراعة القمح والحبوب وهو بعيدٌ عن الحكم بما أنزل الله وعليه فإن من فقد الاتصال مع الله لا يستطيع الوصول إلى هدفه وتحقيق آماله.
4) التهاون في القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أدى ضعف الوازع الديني لدى ولاة الأمر في المجتمعات الإسلامية، إلى ضعف دور الحكام في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فشاعت المفاسد وتبرجت النساء وظهرت المنكرات، وأنتشر الزنا والخمر، وفتحت دور للدعارة على مسمع وعلم أولياء الأمور في المجتمعات الإسلامية. ومن هنا سلط الله على الأمة الأزمات القدرية، والأزمات من لدى أعدائها، فأذاقوها الذل والاحتلال، وواقعنا المعاصر خير دليل وبرهان. قال تعإلى: (يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ) ويقول الإمام الغزالي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهمة التي بعث الله لها النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفتنة ، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة،واستشرى الفساد، واتسع الخرق ، وخربت البلاد وهلك العباد، ولم يُشعر بالهلاك إلا يوم التناد).
لذا يجب على ولاة الأمر في المجتمعات الإسلامية أن يقوموا بهذا الأمر المهم، فيأمروا بكل معروف وينهوا عن المنكر. حيث أن المؤامرات الصهيونية ( الماسونيه ) والعلمانية النصرانية ما فتئت تدس السموم في الأمة الإسلامية بشتى الوسائل مما أداء إلى نشر الفساد وتفشي الرذيلة في المجتمعات الإسلامية، فاٌحل الحرام وحرم الحلال فتخبط الناس في الشهوات فأذاقهم الله
الخوف والجوع والبأس قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وبتفشي الرذيلة في المجتمع يمنع الله عن الأمة القطر فيموت الزرع ويجف الضرع يقول تعالى (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً )
5) عدم الاهتمام بالعلم والعلماء
تميزت الرسالة المحمدية عن غيرها من الرسالات أنها جاءت بالعلم أولاً ثم العبادات ثانيا لأهمية العلم في حياة البشرية قال تعالى (أقراء بسم ربك الذي خلق) ولعدم اهتمام هذه الامه بالعلم سقطت في براثن الجهل واحتوتها الأزمات.