سراج الدين اليماني
مسؤول شؤون التوجيه بالمراكز الصيفية في وزارة الأوقاف والإرشاد وباحث في شؤون الإرهاب.
أقول ماذا تريد أميركا من الرئيس السوداني البطل الذي قال لأميركا "لا" ومن ورائه الشعب السوداني البطل متعدد الجنسيات والمذاهب والطوائف والجماعات ومشتت الأفكار، وقبل الجواب أحب أن أنبه القارئ الكريم إلى مسألة واحدة ليعلم أن المسألة ليست بالسهلة ولا الهينة، ألا وهي أن أميركا خالفت الإجماع الدولي بخصوص المحكمة الدولية ولم تنضم إلى المعاهدة التي وقعتها جميع دول العالم إلا النزر اليسير ممن رأوا في هذه المحكمة تقييداً لحرياتهم من ممارسة الظلم والبطش والهيمنة والغرور، فلذلك نأوا بأنفسهم جانباً حتى لا يُكبَّلوا بالقيود الدولية ويقفوا مع باقي حكام العالم في قفص الاتهام إن هم ارتكبوا جرائمَ في حق شعوبهم أو شعوب دولٍ مجاورة لهم، أو أي شعب من شعوب العالم، ولذلك فضلوا البقاء خارج الحلبة لكنهم لم يعتزلوا بالكلية وإنما بقوا في الإطار ولو من طرف خفي ومارسوا ضغوطاً على هذه المحكمة، وخصوصاً عند تعيين قضاتها ومحامييها ومدعييها حتى يتسنى لهم استصدار قرارات لصالحهم ولحماية مصالحهم وأطماعهم، وبث نفوذهم في أي قطر من أقطار العالم، وخصوصاً من قيدوا من قبل تلك الدول التي استطاعت فرض سيطرتها وهيمنتها على شعوب المنطقة والعالم بأسره.
فلذلك أميركا خالفت العالم أجمع في قضيتها مع البشير، ولأن أميركا لا تخالف أمراً مُجْمَعاً عليه إلا لأن الأمر عظيم، فأمر البشير البطل عظيم، إذاً فما هو هذا الأمر؟ أنا في ظني واعتقاد القاصرين أن الأمر لا يتعلق بسواد عيون السودانيين البتة، وإنما وراء الأكمة ما وراءها، يقال أن أميركا منذ عقود أزفت من الزمن وهي توجه الرسائل للسودان الشقيق وخصوصاً منذ تولي البشير الحكم، وأولها ضرب مصنع الشفاء للأدوية الذي كان السودان يعتمد عليه بدرجة أساسية في دعم الاقتصاد فكان الهدف منه إخضاع الحكومة للاستجابة للمطالب الأميركية، وأيضاً تجويع الشعب السوداني وإرادة الذل له، وجعله يلهث وراء الإغراءات التي كانت تقدمها حكومة كلنتون، لكن لمّا رأوا أن الشعب السوداني لم تهتز له شعرة من جراء هذه الضربة الافتعالية والتي اختلقت لها أميركا عذراً أقبح من ذنب في حينها ونسبت الأمر لابن لادن، ثم قبل هذا اتهمت الحكومة الأميركية الحكومة السودانية بالضلوع في تفجير السفارتين في القارة والتي هي أيضاً دعابة من أجل فرض سيطرتها على القارة الأفريقية، فعمدت أميركا إلى تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام؛ لأن رئيسي البلدين في حينها كانا عميلان لأميركا فقامت بطلعات على أفغانستان لضرب حركة طالبان زاعمة البحث عن بن لادن، فمن هنا بدأ سيناريو توجيه الرسائل والرسائل الخبيثة والعنيفة في تاريخ القارة والعالم أجمع، حيث قامت أميركا بدعم الترابي والذي استطاع بدوره زعزعة الأمن والاستقرار في السودان بالتحالف السري، مع الزعيم قرنق ولكن بثبات البشير والشعب السوداني البطل الذين استطاعوا استيعاب الدرس لأنهم فهموا أن هذه رسالة وجهت لهم، فبعد أن قرؤوها بددوا ما بها وتعاملوا معها التعامل الحسن، مما دفع الإدارة الأميركية إلى تقويض الحزب الإسلامي، بالإضافة إلى الدعم الكامل والسخي لحركة المتمردين وفرض ضغوط على الحكومة مما جعلها تقبل بوجود شريك في الحكومة عدو لها لدود سامها سوء العذاب لسنوات عديدة، فقبلت بذلك الحكومة مع أن الأمن لم يستقر كما أراد السودانيون، بل زاد التوتر والخلاف، فحدث ما حدث للزعيم من الحادثة المدبرة من قبل اللوبي الصهيوني بتنفيذ أميركي وفُجّرت الطائرة وزادت الخلافات حدة وعنفاً، واستجمع الشعب السوداني كل قوه أمام هذا المد العدواني المدعوم من قبل راعية حقوق الإنسان والسلام، وبسط الأمن كما تزعم، لكن الشعب السوداني عرف اللعبة ومن الذي رسمها، ولماذا في السودان؟ وبهذه الصورة، فمرت بسلام الله، فلم يستوعب النصارى وأعوانهم الدرس الذي لقنهم إياه هذا الشعب البطل الفقير المعدم، فأثاروا مسألة إقليم دارفور، وإلى يوم الناس هذا وهم يصدرون القرارات ضد الشعب السوداني وآخر المهازل مارسوا ضغوطاً على المحكمة الدولية واستصدروا منها أمراً بتوقيف البشير واعتقاله وهو يتمتع بحصانة دبلوماسية كأي رئيس في العالم، ولا يخفاك أخي القارئ الكريم أن الولايات المتحدة الأميركية ساعدت الرئيس الصربي السفاح على الاختفاء لمدة وأعوام ثم لما رأت مصالح لها في صربيا أخرجت ذلك السفاح ليحاكم، ووضعت عليه تهماً ليُحكم عليه في مقابلها بسجن عشر سنوات، فماذا تريد أميركا من البشير؟ تريد منه أن يخضع ويسلم ويسجد لها كأي من الحكام الذين ينعمون من وراء العطاء الأميركي لهم لأنهم باعوا ضمائرهم وشعوبهم وجعلوا همهم الوحيد إرضاء السيدة وابنتها المدللة أميركا وتل أبيب، فالبشير عرف أن الغرب الطامع قد استنزف ثروات الخليج ولن يبقى له إلا هذه القارة والتي لم تعرف الاستقرار بين حكامها وشعوبها منذ أن فكر الغرب في استغلال ثرواتها التي لم تستخرج إلى اليوم، لأن الغرب لم يأذن لهم بذلك، حيث أن الباقي في دول الخليج ما يغطي لهم اقتصادهم لبضع السنوات، والآن وعند بدء الخطر وأزوف الثروات ونزوفها من أحواض الخليج بدأ التفكير في القارة السوداء البكر حتى أن من المرجح أن يحكم أميركا العبد الأسود "أوباماً" لأنه من أصل أفريقي لهذا الغرض من أجل امتلاك حكام وشعوب القارة لكي يسلموا ثرواتهم لأميركا وهم راضون بذلك، وكل هذه سياسات ستُعرف نتيجتها عند التنفيذ لقرار المحكمة الأميركية بملاحقة واعتقال البشير وكذلك بفوز أوباما في الانتخابات الأميركية، وسيكون هناك لنا تعليق آخر إن كان لنا في العمر حياة والله الموفق.<