إعداد : إياد البحيري
لمعرفة ماهية الأزمة ينبغي معرفة مدلول الأزمة بشكل عام، والأزمة في زراعة القمح موضوع دراستنا على وجه التحديد، ولكي يتضح كل ذلك فإنه يتطلب تقسيم هذا المطلب إلى فرعين :
الفرع الأول :بعنوان مفهوم الأزمة وأنواعها وقد تم تقسيمه إلى غصنين
الفرع الثاني : بعنوان نبذة عن زراعه القمح وأهميته الاقتصادية وتم تقسيمه إلى غصنين. .
الغصن الثاني
أسباب مرجعها إلى إهمال الجوانب الاجتماعية
من العوامل الرئيسية التي أدت إلى الأزمة في واقعنا المعاصر وأدت إلى ضعف أمة الإسلام إهمال الجانب الاجتماعي والترابط الأسري ، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشقيه المعنوي والمادي.
ومن صور الجانب المعنوي هناك قضايا كثيرة قد أصابها الفساد لأسباب اجتماعية، حيث أخذ الشعور بالظلم يدب في نفوس بعض فئات أفراد المجتمع " مما جعل بعض تلك الفئات يسود لديها الشعور بالاغتراب في وطنها الأصلي" فأهملت أمور كثيرة كزراعه الأرض بالحبوب والقمح.
ومن صور الجانب المادي. فقد تأخر القائمون على نظام المجتمع من تحقيق الخدمات الكافية التي تؤدي إلى سد احتياجات الناس اليومية مثل توفير القوت و بناء المستشفيات والمدارس وشق الطرقات وكفالة العجزة. . الخ
وقد تمخض عن إهمال الجوانب الاجتماعية والأخلاقية سواء في الأسرة أو المجتمع فساد في الضمائر والأخلاق والفضيلة، ومن صور ذلك ، انحلال الأخلاق بين الفتيات والفتيان ، الاختلاط السافر في المدارس والجامعات ، ومكاتب العمل، وهذا كله تم بمساهمة الغزو الفكري الذي مصدره أعداء الأمة الإسلامية عبر وسائلهم المقروءة، والمرئية ، وكل ذلك ادى الى غضب الله عز وجل فمنع القطر وهلك الزرع وبسبب الهجرة الجماعية من الريف الى المدينة وتركت زراعة الحبوب فأدى ذلك إلى مجاعة المهاجرين إلى المدينة ومجاعة القاطنين في المدينة والريف.
على أن ما يستهدفه هؤلاء الأعداء هو تجسيد الانحطاط الأخلاقي ونشر الدعارة، والبغاء ، والسفور، ومحاربة الحجاب. كما يهدف أعداء الأمة الإسلامية إلى إزالة التكافل والترابط الاجتماعي في الأمة المسلمة حتى تتفكك ويسهل السيطرة عليها واحتلال ديارها. وواقعنا المعاصر خير شاهد على ذلك.
ولاشك أن تلك المحاولات كان لها الأثر الفعال في إصابة الأمة الإسلامية بالأزمات ، وليس لنا إلا العودة لفرض التمسك بالإسلام شريعة وعقيدة. كما فعل آباؤنا الذين ففتحوا مشارق الأرض ومغاربها. وليس بالتقليد الأعمى والفجور. ولأهمية موضوع المرأة وحقوقها كونه مجالاً يزايد فيه أعداؤنا علينا فإنه من الواجب تركيز الضوء عليه بشكل أكبر : يقول الماسوني ( صموئيل زويمر ) رئيس المبشرين في الشرق الأوسط في كتابه (أشعة الشمس في الحريم) " إننا قد تعلمنا أن هناك خططاً أخرى غير الهجوم المباشر على الإسلام والضرب العشوائي على الحائط الصخري ، وأصبح علينا أن نتحسس الثغرة في الجدار ونضع فيه البارود ، فلم نجد الثغرة إلا في قلوب نساء الإسلام لأنهن يصنعن أولاد المسلمين.
وهذا بلا شك يتعارض مع ما استهدفه ديننا الإسلامي، حيث أنه كرم المرأة وجعلها في مكانه تحسد عليها وجعلها أكثر من نصف المجتمع ، بينما أوروبا وأنصار تحرير المرأة لم يصلوا بحقوق المرأة حتى إلى النصف، فهي في أوروبا مثل السلعة تباع وتشترى وليس لها مهر محدد إنما ( دوطة ). كما أن المرأة لا يكون لها بعد زواجها شخصية مستقلة وإنما تلحق باسم زوجها. أما الإسلام فقد فرض لها المهر- الذمة المالية- والشخصية المستقلة. قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى. . . الآية)
ويرجع تكريم الإسلام للمرأة إلى أنه يعتبرها إنساناً ، وبنتاً ، وزوجة ، وأما ً، وعضواً فعالا في الأسرة والمجتمع. كرمها إنساناً منذ أعلن أنها مكلفة كالرجل ، وأنها مثابة ومعاقبة مثله وأنها العنصر الثاني المكون للإنسانية ، فلا بقاء للنوع بغيرها، قال تعالى :{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ). وكرمها بنتاً فأنكر أشد الإنكار وأدها خشية الإملاق والعار. وكرمها زوجةً فجعل لها مثل ما للرجل من الحقوق إلا درجة القوامة. وكرمها أماً فجعل الجنة تحت أقدام الأمهات وصانعة الأجيال. وكرمها باعتبارها عضو مدنياً في الأسرة والمجتمع. فأنكر اعتبارها عند موت زوجها شيئاً يورث كما يورث المتاع والدواب. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً. . . الآية). بل قد فضلها الله كثيراً وخاصة المرأة الصالحة ووصفها بعدة أوصاف منها :
جعل الله المرأة كآية من آيات الكون كالليل والنهار. . . قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا. . . . الآية).
كما اعتبرها القرآن من الحسنات في الدنيا. قال تعالى : ( وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار). وصفها الله تعالى بأنها كالأرض والحرث. قال تعالى :( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ. . . الآية)
وكذلك وصفها الله تعالى بأنها السكن والقرار قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا. . . الآية).
كذلك وصفها الله تعالى بأنها الصاحبة والصديق في الدنيا بقوله تعالى ( وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ).
وقد جاءت السنة النبوية فجعلت نسبة دور المرأة في التربية والرعاية الاجتماعية بنسبة 3 إلى 1. والحديث يقول: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك. قال ثم من ؟ قال أمك. قال ثم من ؟ قال أمك. قال ثم من ؟ قال أبوك. ).
فهل بعد هذه المكانة والأوصاف التي وصفها الله سبحانه وتعالى بها المرأة نجد وصفاً يماثل ذلك ؟ والحكم هنا يعود للمرأة ! أما أنصار المرأة ( أعدائها الحقيقيين) فهم ينادون بتحريرها ، أمثال قاسم أمين حيث يركزون على عدم حشمتها بظهورها وبروزها كاسية عارية رخيصة على غلاف مجلة ، أو مُهانة على شاشة التلفاز تستعرض بجسدها أرخص الملابس التافهة. ( ملكات الجمال والدعارة ).
إن للثقافة الأوربية وما جاء به المثقفون من بلاد الغرب في منتصف القرن العشرين من أفكار ، إنما ينادون فيها بتحرير المرأة وخلع حجابها، حتى تتساوى معهم في المفاسد فيحق علينا غضب الله.
وعلية يجب على ولاة الأمور أن ينشروا الوعي بين بناتهن ويأمروا بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم المغالاة في المهور، وبصفتي باحثاً أوجه هذه الأبيات الشعرية من قريضي وشعري إلى رب كل أسره ناصحاً:
لا تغلوا في طلب المهور وقللوا
فالمصطفى أمهر على الآيات
وتبينوا الشرف الحصين لعرضكم
فالعرض لا يسلم من النكبات
أنتم تلومون الشباب وتقتلوا
فيهم حماساً ينبعث بحيات
إن ضيع النشأ الكريم صفاته
سحقاً لقوم يتجر ببنات
وكُلما ترابط المجتمع وتراحم ذويه أنزل الله الغيث وسقى العباد، وظهر الزرع وحمل الضرع، فبقدر الطاعات تنزل الرحمات، وبالمعاصي تزول النعم، كما أن التفكك الاجتماعي وعدم التراحم جعل الناس تهاجر من الريف إلى المدينة، فهجرت الأرض، ومات الزرع واعتمدنا على أمريكا في زراعة القمح.
الغصن الثالث
إهمال السلطة والمعارضة للبعد السياسي لأزمة زراعة القمح
من أسباب أزمة الأمة الإسلامية في توفير الامن الغذائي والمتمثل في زراعة القمح هو عدم اهتمام ولاة الأمر بمشاركة الأمة في النواحي السياسية ، وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم ، بل إن أساسها وراثة الملك ونحوها ، التي رافقت أنظمة أغلب الدول الإسلامية ، ولكن هذا الانحراف السياسي لم يكتب له البقاء. حيث كان دائماً يواجه بمقاومة علماء الأمة وعامتها ، وكثيراً ما تحولت المعارضة من القلم واللسان إلى السيف والسنان. وكان كل ذلك يتمخض عنه مؤامرات على الحكام والسلاطين يشغلهم عن الاهتمام بقوت العباد وزرع البلاد. وفي ظل هذه الظروف كان أعداء الأمة (اليهود والنصارى) يستغلونها ليدسوا السموم لإحداث الفتنة الكبرى بين الحكام والمحكومين. ، ولا يعني ما سبق ذكره أن تاريخ الأمة كله يُتصف بالسواد ، بل رافق نظام توارث الحكم الكثير من الجوانب الإيجابية، منها تحقيق وجود الدولة الإسلامية وثبات كيانها. لماذا ؟ يعود السبب في ذلك إلى المنهج الذي سلكته الأنظمة الحاكمة في ذلك العصر ألا وهو منهج الله سبحانه وتعالى المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وآراء الفقهاء ، والاجتهاد والقياس والرأي. ، وكان دستور الأمة الإسلامية آنذاك (إن الحكم إلا لله) ، كما أن الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها ظلت تحتكم إلى هذه الشريعة في كل شؤونها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث كانت هذه الامة تعتمد على نفسها في توفير قوتها وكسائها. وظل القضاء في كل الأقطار يلتزم الحكم بها دون سواها بلا نزاع ، فلا سلطان على القضاء. ولا سلطان إلا لله وشريعته الإسلامية. أي أن الجميع قد نزل عند قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). وهذا يعني أن التاريخ قد كشف لنا عن فترات مضيئة رزق فيها المسلمون بحكام أوفياء لدينهم ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فحّكموا شرع الله ، وأقاموا عدله في الأرض وأقاموا حدوده في القريب والبعيد ، لم يخافوا في الله لومة لائم ، ولعل من أبرز الأمثلة على هؤلاء الحكام سيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز ،وسيرة الخليفة هارون الرشيد الذي بلغ ملكه من السعة والعظمة ما جعله يخاطب السحابة في السماء قائلاً : شرقي أو غربي فسيأتيني خراجك. . . . . . . . .
ومن كل ما سبق ذكره يؤكد أن الأمة الإسلامية في ماضيها التليد تقدمت في جميع المجالات كالزراعة والصناعة وحققت غايتها ، وتعلمت منها أوروبا العلوم الكثيرة.
وإذاماأردنا أن نتبين أكثر أسباب أزمة الأمة العربية والاسلامية في المرحلة الراهنة (ازمة الغذاء) فإنها ترجع إلى :
1- بروز مركزية الدولة، وذلك من خلال ظهور الأسر الحاكمة وكأنها مؤسسات خاصة تملك الدولة. وهو ما يعني تكييف أجهزة الدولة الحديثة لمتطلبات القبيلة التقليدية القديمة ، مما يدفع الأنظمة الحاكمة بطبيعتها إلى إعطاء أهمية استثنائية لأجهزة القمع والإرهاب السياسي في الوقت الذي يعجز فيه عن تحقيق أي تقدم سياسي واقتصادي حقيقي، الأمر الذي يرسخ اعتمادها على الدول الكبرى في الدفاع عنها داخلياً وخارجياً كمصر تفرغت للسياسة وتركت مصدر قوة الشعوب زراعة القمح و بدلتها بزراعة الفراولة والحرنكش.
على أن انتهاك الحريات ربما يؤدي في النهاية إلى استبداد الفئات الحاكمة ، ومن ثم الصراع بين الحكام وبعض المحكومين، تغذيها بعض الفئات المنتسبة إلى الإسلام ، والأمة الإسلامية ، والوطن ، انطلاقاً من بواعث انفصالية ثورية أو عنصرية ، أو مذهبية ، أو مصلحة ذاتية آنية ، أو عوامل تتعلق بعدم شرعية النظام السياسي. وهذا كله يضعف الأمة ويسبب للمجتمعات الأزمات كالمجاعات، على أنه كلما كان النظام السياسي المتبع في أي بلد إسلامي به من الضمانات ما يكفل وصول الصالح والكفء إلى مركز الرئاسة والقيادة. كان الأمل كبيراً في تطبيق شرع الله ، وفي ظل نظام سياسي خال من الضمانات يستطيع الحاكم بمفرده أن يحول البلد المسلم ما بين ليلة وضحاها من بلد موحد إلى بلد ملحد، ومن بلد حر إلى بلد عميل. ، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها : دولة تركيا التي حكمت مشارق الأرض ومغاربها أغلب حكامها حكموا بشريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما تولى زمام أمور هذه الدولة بعض الزنادقة مثل مصطفى كمال أتاتورك غير منهجها من الإسلام إلى العلمانية، أي أن العلة في ذلك هي أزمة الحكم بمفهومها السياسي، أي عندما لا يكون للضمانات مفهوم منضبط أولا تتوافر ضمانات من الاختيار وعدالته ، وصعوبة التنازل عن العرش بالحق ، وبأقل قدر ممكن من التضحيات. مما يعني صراع مستمر على السلطة السياسية. وربما يكون الصراع بين الحكام والمحكومين لعدم تطبيق مبدأ المساواة ، أو لدوافع تتعلق بمناداة الأحلاف العسكرية أو مجابهة السيطرة الاستعمارية والسياسية العدوانية ، خاصة وأن قيادات هذه الدول، الإدارية والسياسية غير قادرة على حمل رسالة الأمة الجهادية. ناهيك أن أغلب القائمين على هذه الدول يدارون المستعمر الجديد القديم بثروات الأمة الاقتصادية كاعدم زراعة القمح والأخلاقية كتفشي الرذيلة والحضارية كتغيير الهوية الدينية كنزع الحجاب. متناسين قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي. . . الآية) وكل ذلك يجعل هناك صراع بين الحكام والمحكومين - الذين يقومون بترجمة ذلك الصراع - المناهضين لهم بالتخطيط والتنفيذ لبعض التفجيرات ، بهدف إحداث الرعب وزعزعة ثقة المواطن بالدولة. وهذا ما يسبب الأزمات تلو الأزمات. يضاف إلى ذلك ندرة حماية الحقوق ، وعدم تحقيق الحريات العامة من قبل الأنظمة الإسلامية الحالية ، وافتعال الأزمات للزج بأبناء جلدتهم المتهمين بالإرهاب المزعوم في السجون والمعتقلات.
ومن أسباب أزمة زراعة القمح
2- المعارضة والعمل الحزبي:
كانت تقوم أنظمة الأمة الإسلامية في الزمن الماضي في إدارة شؤون دولة الخلافة الإسلامية على أساس منظم يرأس قمة هرمه الخليفة ، ثم معاونوه من العلماء والمستشارين الصالحين، وكان الخليفة عندئذ يتمكن من التفرغ لممارسة إدارة الدولة ومؤسساتها حسب نظام الدواوين والوزارات مثل ديوان الجند ، وديوان الخراج الخاص بالزراعة ، وديوان بيت المال. . . الخ.
أما في الوقت المعاصر فنجد أن كثيراً من الدول تعتمد في أنظمتها على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية. التي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه على أسس من التعددية والمشاركة السياسية لكل شرائح المجتمع ، واحترام الرأي والرأي الآخر ، وإدارة دفة السلطة. ولا بأس بالديمقراطية إذا تم تهذيبها لتتوافق مع دين الله وشرعه، وتحقق أهداف ومضامين الشورى في الإسلام. على أن التعدد الحزبي والسياسي الذي أدخل ضمن أنظمة الدول الإسلامية المعاصرة لم تجني ثماره حتى اللحظة هذه ، حيث يتم إساءة استخدام هذه الوسيلة الديمقراطية من قبل الأحزاب. الأمر الذي يُفضي إلى التناحر والتمزق. الخ، أي نجد أن لهذه الأحزاب السياسية في العالم العربي والإسلامي دور في إحداث الأزمات فبدلاً من مواجهة الجميع ( سلطة ً ومعارضة لأزمة الجوع والغذاء والمتمثلة في زراعة القمح والتفرغ للمشاريع التنموية نجد أن السلطة تتشبث بالحكم ونجد المعارضة تترصد للسلطة لتحل محلها فأصبح الشعب هنا ضحية كترس في آلة مطرقتها السلطة وسنديانها المعارضة وكان الواجب على المعارضة الوطنية إذا أرادت أن تكسب الرأي العام أن تتقدم بمشاريع تنموية تخفف بها عن معانات الشعوب وعلة أدعو الجميع سلطة ً ومعارضة للتعاون والتأزر لما يحقق رخأ الشعوب، وارجوا من المعارضة أن تتبنى مشروع زراعة القمح، موضوع محاضرتنا.
3- الجوانب الإدارية السلبية :
إن غياب مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب على أسس علمية وبحثية أكاديمية ضعف من القرارات الادارية والقرارات السياسية ذات الارادة الحرة فبغياب العدالة الاجتماعية إنعكس ذلك على النظام العام للدولة المتمثل في عدم النهوض بالمشاريع التنموية والاقتصادية كالزراعة والصناعة. إن الوطنية هي قول وسلوك يجسد على أرض الواقع الحقيقة تثبته وفي التجربة البرهان الساطع.
فأذا ارادت حكومات أمة الاسلام سلطة ومعارضة إن يعالجو أزمة المجاعات والأمن الغذائي فعليهم بزراعة (الحبوب القمح ) إذا أرادوا أن ينالو ثقة الشعوب وتأييدهم وإذا استمروا في خلافاتهم فسوف تحل بهم الكارثة والمستعمر ينتظر في الجوار لينقض على الجميع.
4- البعد السياسي لإزمة زراعة القمح عند السلطة والمعارضة
أخذت زراعة القمح تؤثر في موازين القوى السياسية شأنها في ذلك شأن النفوذ فالدول الرأسمالية كأمريكا تستخدم ورقة الغذاء المتمثلة في القمح كورقة لفرض التبعية الاقتصادية وكهيمنة سياسية على الدول التي تفتقد مقومات الأمن الغذائي فقد صرح أكثر من مسئول أمريكي بأن الولايات المتحدة لن تستخدم السلاح النوو ي مهددة العالم بالقنبلة الذرية كما فعلت في الخمسينات مع اليابان وإنما ستهدد العالم بحبة القمح الأشد فتكا ، لقد استخدمت الولايات الأمريكية القمح كسلاح وترفع أمريكا شعار (القمح مقابل السلام ) كما ترفع إسرائيل شعار (الأرض مقابل السلام ) بمعنى أنه إذا أرادت أي دولة أن تأمن مكر وشر الأدارة الأمريكية فعليها أن تنسى فكرة زراعة القمح لأنه مصدر سيادي استقلالي شأنه شأن السلاح النووي وأكبر دليل على ما يواجهه السودان من أزمات فعلتها أمريكا له لأنه يزرع القمح. <