محمد أمين الداهية
ماذا أعبر؟ وكيف أستطيع أن أصف ذلك التخلف الأخلاقي والإنساني لذلك الطبيب الوحش الذي أعجب حقاً كيف لإنسان مجرد من كل معاني الإنسانية، استطاع أن يصل إلى مركز مرموق وعمل مهم كطبيب، أيعقل أن إنسان بشر يتمتع كالآخرين من الناس من الذين انعم الله عليهم بالعقل والجسم السليم وفي مركز ملاك الرحمة - أيعقل أن مثل هذا الإنسان وفي مثل هذا المركز الحساس يكون معدوم الضمير وناقص الإنسانية؟، ما أفضع هذا الأمر وما أهون الموقف الذي يتعرض الأبرياء من الناس له عندما يسيء إليهم الحظ وترميهم الأقدار إلى مثل هذا النوع من الأطباء، الذين لا يردعهم ويوقفهم عند حدهم إلا قوة إنسانية تملك قرار مصدر رزقهم؛ لأنهم ابتعدوا كثيراً عن الله سبحانه وتعالى، ونسوا أنه هو وحده القادر والرازق وما أمُر حياتهم عند الله عز وجل إلا في حرفين هما كن فيكون، ولكن ولأن ضمائرهم صريعة جرمهم جعلوا من الخلق آلهة لهم والعياذ بالله... نقل أخاه إلى أحد المستشفيات قسم الطوارئ بسبب ألم في معدته فحولهم قسم الطوارئ إلى العيادات الخارجية للمستشفى بسبب وحسب نظرة الأطباء المطبقين في قسم الطوارئ أن الحالة لا تستدعي إلى نقل المريض إلى الطوارئ ذهب بأخيه إلى العيادات الخارجية كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً، اتجه نحو مكتب أوراق المعاينة لكنه وجده مغلقاً والموظف المسؤول غير متواجد تماماً، اضطر أن يذهب إلى عيادة الباطنية للرجال، انتظر حتى أنهى الطبيب معالجة كل من كانوا هناك، دخل بأخيه إلى الطبيب الذي بقي في العيادة لأن زميله الآخر قد خرج بعد أن أنهى دوامه الساعة الحادية عشرة والربع صباحاً، حاول أن يقنع الطبيب الموجود أن مكتب أوراق المعاينة مغلق والموظفين المختصين غير متواجدين وترجاه بأن يعالج أخاه ويقرر له ما يهدأ من حالته وسيضع عنده ما يريد حتى يأتي في يوم لاحق ويأخذ ورقة معاينة بمائة ريال ويسلمها له، لكن الطبيب رفض حيث كان مشغولاً بعض الشيء مع أحد زبائنه الذي أعطاه كون لأحد الأطباء في عيادة خارجية خاصة، توسل إليه وترجاه وناشده باسم الإنسانية أن يصف لأخيه ما يساعده ويهدأ من ألمه لكن بدون جدوى، فقد تحجج بالالتزام بالقانون، وأنه لا يمكن معالجة أي حالة ما لم يكن هناك كرت معاينة بمائة ريال، والسبب الآخر أن موعد استقبال الحالات قد انتهى حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة إلا ربع، اقتنع ذلك الرجل واتجه بأخيه نحو عيادة خاصة والألم والحزن الشديد يكاد أن يعتصر قلبه من هول ما رآه من أحد الأطباء الذي لا يمثل إلا نفسه، ولن نحكم من خلال طبيب معدوم الضمير على الآخرين، ففي مستشفياتنا الكثير من الذين يستحقون فعلاً أن يطلق عليهم ملائكة الرحمة، والغرض من تناولنا هذا تنبيه الآخرين من أن يقعوا في شراك الظلم والكبر، وبالذات عندما يكون الأمر مع مواطن مسكين يبحث ويستجدي خيراً في من طرح عليه مشكلته من الأطباء، والتساؤل الذي طرح نفسه من ناحية ذلك الطبيب هو أنه لو كان ذلك المريض الذي أتى إليه أحد المقربين من المسؤولين عليه هل كان سيرمه؟ وهل كان سيتمسك برأيه ويمتنع عن معالجته بسبب عدم وجود فاتورة معاينة؟ وهل كان سيقوم بطرده أو يطلب منه الخروج من العيادة بسبب انتهاء الدوام الساعة الحادية عشرة والربع؟ هناك تساؤلات كثيرة وفضفضة أكثر ولكن المقام لا يسع لذلك، وما يهمنا هو كيف تنعدم الإنسانية عند بعض الأطباء؟ ولماذا يجعلون من وساطات المخلوقين أكبر من وساطة خالقهم الذي لو كان مثل هؤلاء الأطباء يعقلون لما توانوا لحظة واحدة في مساعدة الناس والعمل بما يرضيه سبحانه وتعالى، فكل نعيم لا محالة زائل، وقد صدق الحق سبحانه وتعالى عندما قال: "وللآخرة خير لك من الأولى"، ولكن كيف يعقل من لا ضمير له. إن تناولنا هذا ما هو إلا جزءا يسير مما يحدث في مستشفياتنا من إهمال وتلاعب ولا مبالاة بحياة الناس وصحتهم، سأرغم نفسي على الاكتفاء بهذا القدر من الكتابة على هذا النوع من الأطباء الذي رغم ندرتهم وقلتهم إلا أنهم يسيئوون إلى سمعة الطب والأطباء في بلاد أرق قلوب وألين أفئدة، ولا يمكن أن ننسى أن نوجه تحياتنا وعرفاننا لكل طبيب مخلص يعمل في خدمة المواطنين ويجعل كل عمله ومجهوده خالصاً لوجه الله تعالى، ونتمنى من وزارة الصحة وعبر تقييم الأطباء سواءً من الناحية المهنية أو من ناحية الأخلاق أن يمنحوا هذا العدد القليل من الأطباء المسيئون إلى مهنتهم دورات في الأخلاق والمعاملة، وأن يكثفوا من لجان المراقبة بالنسبة للدوام وعمليات الحضور والغياب؛ لأن بعض العيادات تغلق لساعات معينة وتفتح قبل نهاية الدوام بدقائق، وهذا ما لمسناه والله من وراء القصد.