عبدالباسط الشميري
abast66 @ maktoob.com
ليس من قبيل المبالغة أو التزلف أو بيع الكلام وكما نسمع عادة عند طرح قضية بحجم وعمق وحساسية هذه القضية الماثلة بين أيدينا ألا وهي قضية قطاع واسع أو شريحة هامة من أبناء المجتمع طالها الظلم والمحسوبية والفساد وبصورة مؤسفة لا يصدقها العقل البشري، ولا يمكن أن تحدث في بلاد غير بلادنا على الإطلاق؛ لأن القوانين والأنظمة نافذة وتطبق على الجميع دون محاباة أو تسويف، وأنا أزعم أنني ملم بجزئيات لا بأس بها عن إشكالية هؤلاء الصفوة من أبناء المجتمع والذين فيهم من ظُلم وفيهم من ظَلم نفسه وآخر فاسد وثالث معصوم ورابع مغبون وخامس مقهور وسادس لا يدري إلى أي فئة ينظم ليظفر بذات الحسن والجمال، فالمسألة يا سادة بدأت في العام 2003م وبعد أن وجد قرابة خمسة آلاف موجه وموجهة أنفسهم وقد أصبحوا بلا عمل أو يراد لهم أن يعودوا إلى الميدان وما أدراكم ما الميدان، فالميدان في القاموس التربوي بمثابة نوع من أنواع التعذيب القسري أو هكذا يراه التربويون، وحتى لا نتوه ونتشعب سنورد حكاية الموجهين، وباختصار حيث تتلخص قضيتهم وتتوزع في عدة محاور الأول: إن فئة من هؤلاء الموجهين يحملون مؤهلات دراسية لا غبار عليها على الإطلاق، كما أن قدراتهم وإمكانيتهم العلمية تؤهلهم لتحمل مثل هذه المسؤولية، زد على ذلك أنه تم إصدار قرارات "توجيه" لهؤلاء صحيحة وسليمة "100%" لا غبار عليها على الإطلاق لكنهم حشروا بين زمرة الموجهين المغضوب عليهم وبين المزايدات والمناكفات الحزبية التي لا طائل من وراءها.
أما الفئة الثانية من الموجهين فهم أيضاً كفاءات ومتميزون في سلك التربية والتعليم لكن مؤهلاتهم متدنية، أي أنهم من حملة الدبلوم التربوي القديم أو الجديد، وجاء توقيت إصدار قرارات التوجيه لهؤلاء بالتزامن مع عملية دمج المعاهد العلمية مع المدارس، ولهذا العامل وعوامل أخرى متداخلة منها على سبيل المثال لا الحصر حشر وإغراق الكادر التربوي بوعي وبدون وعي في العمل الحزبي وجعله مطية أو ورقة حزبية يحركها هذا الحزب أو ذاك ومتى ما شاء وكيفما يشاء، لكن ورغم هذا لا يمكننا التشكيك أو التقليل من إمكانيات وقدرات أولئك على الإطلاق، فهم كفاءات وأصحاب خبرة ومراس لا يستهان بهم، أما الفئة الثالثة وهم قلة فهؤلاء إما تحايلاً أو محسوبية أو مجاملة تم منحهم قرارات "توجيه" بعد عام 2003م وبدون وجه حق وكان يفترض أن تبدأ وزارة التربية والتعليم في حل إشكالية قطاع التوجيه السابق قبل الشروع في إصدار قرارات جديدة للبعض، لكن ورغم هذا أيضاً فإن ما يؤسف له ويحزننا بالفعل أن هناك فئة أخرى أيضاً قليلة من هؤلاء الموجهين استطاعت الحصول على قرارات توجيه غير صحيحة أو على قول إخواننا المصريين مضروبة، والحال من بعضه لهذا وحتى لا نكون كمن يصب في قربة مخرومة نقول على وزارة التربية والتعليم مراجعة سياساتها وتحكيم العقل والمنطق، فلا يعقل من عمل في قطاع التوجيه لعشرة أعوام أو أكثر أن يعود للميدان، هذا بالفعل قمة السخرية والتعذيب النفسي والبدني، وحتى نقطع الطريق على كل من يحاول المتاجرة بقضايا وحقوق الناس علينا أن نقف وقفة صدق مع النفس ومع الله ونقول الحق، لا مجاملة لهذا الفريق أو ذاك ولا لهذا الحزب أو ذاك.
إن الميدان التربوي وقطاع التوجيه خصوصاً بحاجة ماسة لعدد كبير من الموجهين، فلماذا نقوم بإعادة هؤلاء الذين اكتسبوا خبرة ومراساً وتجربة إلى الميدان ثم بعد ذلك نقوم بتصعيد آخرين من الميدان، قليلي خبرة وحتى لو كانوا أفضل فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر فمبرر تغطية العجز لا ينبغي أن يكون حاضراً في هذا المربع، صحيح أن من أولئك من استخدم فيتامين "و" للوصول إلى مبتغاه، وآخر استخدم فيتامين "ز" وثالث حصل على قرار التوجيه باستخدامه فيتامين "ر" لكن إذا تجاوزنا عن كل التداخلات والممارسات التي ترافقت مع هذا الخلل الذي قد صار فعلينا حينئذ إعادة القضية إلى أصحاب الخبرة من التربويين على سبيل المثال لجنة شؤون القضايا التربوية بالبرلمان وبالتعاون مع بعض الموظفين في وزارة التربية والذين عاصروا المشكلة ولديهم المام كامل بها ليقول الجميع في الأخير كلمتهم، أما أن نضرب الصالح بالطالح ونعيد الجميع إلى الميدان فهذا غير جائز بل كأننا بهذا العمل لا نريد غير إرباك العملية التربوية ولا شيء غير ذلك. إن وزارة التربية اليوم مطالبة بفحص ملفات الموجهين وبصورة دقيقة وشفافة وواضحة لتكشف الحقيقة وتعيد للتربية والتعليم عموماً وللتوجيه خصوصاً قد سببته وهيبته وثقله فلا تنمية ولا تحديث دون تنمية هذا الإنسان الذي ينبغي أن يكون محل تقدير وعناية ورعاية وزارته لا أن ينكل به، وختاماً لا أقول مثل هذا الكلام طلباً في كسب ود ورضا هذا الحزب أو ذاك أو هذه الفئة أو تلك، فالموضوع أكبر من كل التنظيرات الخرقاء، وهؤلاء هم نتاج سياسات تربوية ربما كانت فاشلة علينا أن نعيد النظرة مرة ومرتين لكي لا نختلق من العدم أزمات جديدة للبلد نحن في غنى عنها، والله الموفق.