علي صالح القادري
تتجه أبصار العالم عرباً وأعاجم وترهف أسماعهم للفضائيات لمتابعة السباق الرئاسي الأميركي المحموم نحو البيت الأبيض الذي يخوض غماره أصحاب الفيل وأصحاب الحمار من خلال مرشحي الرئاسة جون ماكين وباراك أوباما اللذين يخوضان غمار هذا التنافس، مترقبين اللحظة التي ينتصر فيها أيٌ من الحزبين: الجمهوري ورمزه الانتخابي "الفيل" والديمقراطي ورمزه الانتخابي "الحمار" بخاصة وقد بدأت المنافسة بين مرشحي الحزبين تدخل مرحلتها الفعلية في الأسبوع الماضي بعد ترشيح الحزب الديمقراطي رسمياً باراك أوباما وتسميته نائب الرئيس "جوبايدن" بعد تنافس مرير خاضه أوباما في الانتخابات الأولية أمام منافسته من حزبه "هيلاري كلينتون" استمرت منذ مطلع عامنا الجاري وحُسمت في يوليو المنصرم بفارق الأصوات لصالحه لا لصالحها ليُسقَط في يدها فلا تجد أمامها من سبيل سوى بذل ما أمكنها من جهد لسحب البساط من تحت أقدام الفيل "الجمهوري" لتفويز حزبها الديمقراطي من خلال دعوتها - عند إعلانها انسحابها - دعوتها أنصارها ومؤيديها في الحزب الديمقراطي إلى انتخاب باراك أوباما، الذي كانت قد حقّرته في وقت سابق بسبب لون بشرته الأسود وكذلك فعل زوجها بيل كلينتون أثناء الانتخابات التمهيدية حينما نعت أوباما بأنه يفتقر إلى التجربة وغير جدير بأن يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة ليعود هو الآخر أواخر الأسبوع المنصرم لينسف في خطاب ألقاه مساء الأربعاء المنصرم أمام أنصار حزبه ما كان قد قاله عن أوباما أثناء الحملة الانتخابية التمهيدية مشيداً بذكائه وحنكته السياسية في تسميته نائب الرئيس جوبايدن بما يمتلكه الأخير من خبرة في مجال السياسة الخارجية، وكذا مقدرة أوباما على حل مشاكل أميركا بل لقد ذكّر في كلمته الدعائية لأوباما بما نعته به الجمهوريون حين ترشح للانتخابات الرئاسية قبل 16عاماً حين وُصِف بصغر السن وعدم جدارته بأن يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة، وهكذا فعلت نانسي بيبلوسي رئيسة مجلس الشيوخ. .
إن هذه المتابعة الراصدة خطوةً خطوةً كل خطوة يتحركها أصحاب الفيل أو الحمار من قبل فضائيات العالم الناطقة بجميع اللغات ومنها الفضائيات العربية والمواطن العربي لمعرفة لمن ستكون الغَلَبة في النهاية، وهذا الاهتمام الذي تحظى به الانتخابات الأميركية من قبل نسبة كبيرة من المتابعين في الشارع العربي لم يكن موجوداً بهذا الترقُّب والتطلّع لمعرفة الحاكم القادم لأميركا والعالم أيضاً قبل ظهور الفضائيات وقبل تفرُّد الولايات المتحدة بصناعة القرار العالمي وتحكّمها في مصير الشعوب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في أوائل التسعينيات والذي كان يحدّ من رعونة الفيل و"عِتّال الحمار" والذي تلى تفكُّكه أو تزامن معه ضرب العراق إثر غزوها الكويت من قبل التحالف الثلاثيني الذي حشد له وجمع صاحب الفيل "بوش الأب" ليأتي بعده "بيل كلينتون" ليكمل سياسته وإن بصبر عُرِف به وعدم تهور واندفاع نحو العمل العسكري كما فعل سابقه صاحب الفيل "بوش الأب، ليأتي بعده صاحب الفيل الصغير "بوش الابن" ليكون أشد على العرب ضراوةً وقسوةً من أبيه، ليدخل العرب في دوّامة وصراعات وانقسامات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، بل لقد اُنتهكت مقدسات إسلامية في العراق وضُرِبت مساجد ودِيست مصاحف بالأقدام اثناء العمليات العسكرية التي كان الجيش الأمريكي يقوم بها ضد من يسميهم اتباع القاعدة في الفلوجة وغيرها من مدن العراق وأُنتهكت أعراض، كما شهدت فلسطين ومسجدها الأقصى انتهاكاً من انتهاكات عدة تمثّل في دخول إريل شارون ساحة المسجد الأقصى في بداية الولاية الأولى لصاحب الفيل "بوش الابن" ولا تزال الانتهاكات جارية ما بقي الفيل حاكماً العالم وجاثماً بوزنه الثقيل وأقدامه الغليضة على صدورهم وصدور العرب والمسلمين خاصة. . المسلمين الذين رضوا بحالهم وقبلوا بالتبعية المذلة خوفاً ورهبة ومدارةً للفيل منتظرين دون عملٍ بأسباب العزة والقوة وكأن لسان حالهم يردد مقولة أبي طالب مع بعض التحوير والفارق في الحالين: لنا ولأوطاننا ومقدساتنا ربٌ يحميها - منتظرين اليوم الذي يسلط الله فيه على الفيل وأصحاب الفيل الجدد طيراً أبابيل ترميهم وترمي طائراتهم ودبابتهم وبوارجهم بحجارة. من سجيل كما حدث لأصحاب الفيل الذين قادهم أبرهة الأشرم حين توجه بفيله لهدم بيت الله الحرام قبل البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولم يبقَ سوى الدعاء بأن يقيّض الله لأميركا بل للعالم رئيساً يكون أرأف بحال العرب والمسلمين، يأتي على ظهر الفيل أو الحمار فهذا لا يهم أو يسلّط الله على أميركا وفيلها وحمارها دولةً تصبح نداً لها كما كان الاتحاد السوفيتي، وكأننا أصبحنا معنيين بالانتخابات الأميركية مترقبين نتائجها أكثر من الشعب الأميركي، الذي يُفترض أن يكون هو المعني بها لا سواه، غير مدركين أنه سواء صعد إلى الحكم صاحب الفيل أو الحمار، المرشح الأبيض أو الأسود فلن يغيّر ذاك من حالنا رخاءً وأمناً وسلاماً، لأن هذا ما لا يفكر فيه لا صاحب الفيل ولا صاحب الحمار لأن ما سيفكّر فيه الفائز منهما هو وطنه "أميركا" والشعب الأميركي، لهذا قام ويقوم كلٌ من المرشحين "ماكين وأوباما" ببذل كل جهد ووسيلة تعزز فرص فوزه ونجاح حزبه في هذه الانتخابات وأهم ما يحرص عليه الطامح في الوصول إلى البيت الأبيض هو إعلان مناصرته وتأييده لعدو العرب الأول" إسرائيل" وهذا هو ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة وحرص عليه مرشحا الانتخابات الرئاسية الحالية حيث أعلن صاحب الفيل في وقت مبكر "ماكين" موقفه الداعم لإسرائيل وكذلك فعل صاحب الحمار "أوباما" حين قام قبل أقل من شهر بزيارة إسرائيل ليعلن لها بالفم المليان أنه سيدعمها ويقف إلى جانبها. . . هكذا يبيّتون لنا ويفعلون بنا ونحن مع الأسف لا يزال الكثيرون منّا يعوّلون على هذا المرشح أو ذاك رغم أن آثار أقدام الفيل واضحة في جباهنا وظهورنا ومواضع كثيرة في بلداننا، ورغم أن رفسات الحمار السابق واضحة هي الأخرى في السودان في مصنع الشفاء الذي رُفس بل ضُُرب في عهد كلينتون وفي الصومال إلى أن وقعت حادثة سحل الجنود الثلاثة الأمريكيين في شوراع مقديشو التي اضطرته في 93م إلى سحب قواته من هناك، كما أن بذرة تقسيم العراق الأولى تمت في عهده وبعد ضربات الفيل الموجعة في تلك الحرب التي سُميّت حرباً عالمية ثالثة وها هو مخططه يُستَكمل حيث تمكّن حينها أكراد العراق في عهده من حكم أنفسهم ذاتياً فيما عُرف بمنطقة الحظر في الشمال التي حدّت من نفوذ الدولة المركزية في بغداد هناك في عهد صدام حسين "رحمه الله". . إذن فلا فرق بالنسبة لنا - كعرب - إن حكم صاحب الفيل أو الحمار ما لم نعمل على توحيد صفوفنا وكلمتنا ونتجاوز خلافاتنا العربية/ العربية، والمحلية/ المحلية التي تكاد تعصف بنا قادةً وشعوباً وما أكثرها! والأمثلة على ذلك كثيرة والبداية من بلادنا التي تكاد الخلافات السياسية والحزبية، ولفتنة التمرد والتفجيرات التي تحدث في هذه المحافظة أو تلك تعصف بالوطن وتدخله في دوامة لا يعلم عواقبها إلا الله وحده، والعراق والانقسام والتقسيم الذي يُراد به تحت مُسمى الفيدرالية ومصائبه هو الآخر واضحة للعيان، والسودان ودارفور والصومال، وفلسطين والانقسام "الحماسي" و"الفتحاوي" في جمهوريتي الضفة والقطاع اللتين اُختصرت فلسطين مكانياً فيهما والباقي "يشلّوه الجن"، ولبنان، وغيرها. . ناسين أو متناسين أن إصلاح أحوالنا وأوضاعنا لا يأتي من الخارج ما لم نقم نحن أنفسنا بذلك.
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم
فإذا أصلحنا أنفسنا ورأبنا صدوعنا ورمينا خلافاتنا وراء ظهورنا حينها لا يهمنا أصعد الفيل أم الحمار، أدخل البيت الأبيض المرشح الأسود أم الأبيض.